يعمل التقنيون على وسائل متنوعة لتفادي الموت ومنها تحميل الدماغ البشري على الكومبيوتر.
ويسعى رواد الأعمال في وادي السيلكون وخارجه إلى إيقاف ما يعرف بالشيء الوحيد الذي لا يمكن تفاديه في هذه الحياة... وهو الموت.
خزن الذاكرة الحية
يعمل علماء الكومبيوتر ومهندسو الذكاء الصناعي على تطوير برامج تسمح للناس، من الناحية النظرية، بتفادي الموت، وتفتح الباب أمام الحياة الأبدية ومعها الكثير من التساؤلات الأخلاقية والفلسفية.
تتشابه بعض هذه الاختراعات بشكل مخيف مع تلك التي نشاهدها في سلسلة الخيال العلمي «بلاك ميرور». إذ تعتقد شركة «نيتكوم» الناشئة مثلاً أن الإنسان سيصبح قادراً على رقمنة وعيه خلال القرن المقبل.
يدعي روبرت ماكنتاير ومايكل ماك كانا، مؤسسا «نيتكوم» وخريجا معهد ماساتشوستس للتقنية أنهما نجحا في حفظ وخزن خريطة الاتصالات العصبية لأحد الحيوانات، هذه الخريطة التي تلعب دوراً أساسياً في تخزين الذاكرة، وهما يبحثان أيضاً عن إمكانية توسيع هذه التقنية لتشمل الدماغ البشري.
في الوقت نفسه، يعمل الباحثان أيضاً على تطوير تقنيات مسح دماغي هدفها رقمنة العقل.
يقول معهد ماساتشوستس للتقنية إن الاعتبارات العملية التي تتم مراعاتها خلال البحث تشمل المساواة في تأمين الحاجات وعدالة توزيع الثروات حول العالم، ولكن يصعب التكهن بما ستكون عليه محاكاة الكومبيوتر للدوائر العصبية على الصعيد العاطفي.
من جهته، يشكك الفيلسوف والمتخصص في أخلاقيات علم الأحياء جون هاريس في استطاعة حتى أكثر الأشخاص عقلانية من الاستمرار على قيد حياة في صيغة افتراضية. ويضيف: «نحن مخلوقات من لحم ودم، ومن الصعب أن أتخيل أننا نستطيع الاستمرار في هذا الوجود في وضع غير جسدي».
ولكن ماكنتاير وماك كانا ليسا الوحيدين في اعتقادهما أن الدماغ، أو على الأقل العقل البشري، يمكن تحميله على الكومبيوتر.
دماغ «سحابي»
يتوقع راي كورزويل، مدير قسم الهندسة في «غوغل» أنه بحلول عام 2030، سيكون البشر قادرين على وصل أدمغتهم بالسحابة الإلكترونية. ويشاركه في هذا المعتقد المستثمر سام آلتمان، الشريك المؤسس في برنامج «واي كومبينيتور» الذي يمول ويدعم الشركات الناشئة.
وفي إطار شرحه للسبب الذي دفعه للانضمام إلى لائحة مشتركي «نيتكوم»، قال كورزويل لمجلة معهد ماساتشوستس للتقنية: «أعتقد أن دماغي سيتم تحميله على السحابة».
في المقابل، يرفض علماء أعصاب وكومبيوتر آخرون فكرة «تحميل الدماغ» ودعوا إلى المساءلة في أخلاقيات «نيتكوم» بعدما حذر ماكنتاير من أن خطته لدعم الدماغ «قاتلة مائة في المائة». بمعنى آخر، على الزبون أن يوافق على الخضوع للقتل الرحيم بهدف الحفاظ على حيوية الدماغ قبل حفظه.
في أبريل (نيسان)، قطع مختبر معهد ماساتشوستس الإعلامي علاقاته بالشركة الناشئة، على الرغم من دعمه للبحث في بداية الأمر، معتبراً أن علم الأعصاب لم «يتقدم بالشكل الكافي» الذي يتيح معرفة ما إذا كان يمكن حفظ الذاكرة والعقل، أو ما إذا كان بالإمكان إعادة تكوين وعي الإنسان.
الخلود الرقمي
يعتقد رواد أعمال تقنيون آخرون أن الخلود الرقمي يمكن تحقيقه عبر وسائل أقل تدخلاً.
إذ يعمل علماء الذكاء الصناعي على تطوير صور رمزية رقمية تنسخ شخصيات المستخدمين ويمكنها أن تستمر في التواصل مع المقربين بعد وفاة أصحابها. وقد ابتكر حسين رحناما، أستاذ زائر في مختبر ماساتشوستس للإعلام، برنامجاً يستطيع استخراج غيغابايتات البيانات التي يولدها الأشخاص يومياً بهدف ابتكار نماذج افتراضية من عقولهم.
بعدها، سيتمكن البرنامج الذي يحمل اسم «الخلود المعزز» (Augmented Eternity) من نقل ذكريات من حياتكم ومن الإجابة على أسئلة حول بعض المواضيع، كآرائكم السياسية، بناءً على المعلومات المحزنة في بياناتكم.
يفكر رحناما أيضاً في إدخال البيانات في برنامج يحاكي الحديث البشري بعد وفاة أصحابه، مما سيسمح لهم بالبقاء قريبين من الشؤون اليومية وحتى تكوين الآراء أو المشاركة في الأحداث التي تحصل بعد موتهم.
وقال رحناما إن لديه زبونا واحدا متوقعا، وهو مؤسس شركة معروفة عالمياً، يسعى إلى استخدام التقنية للاستمرار في توجيه زملائه الذين يعملون في تطوير شركته بعد موته، على الرغم من معرفته بأن مشروعه سيثير عدداً من التساؤلات. ولفت رحناما إلى أن هذا الأمر يثير الكثير من التساؤلات البحثية حول خصوصية البيانات ودقة هذه الاستجابات.
ولكن فكرة الصورة الرمزية وقدرتها على تمثيلنا بشكل مطابق بعد الموت «غير منطقية» بالنسبة للفيلسوف هاريس. واعتبر الأخير، وهو أستاذ زائر في جامعة «كينغز كوليدج لندن»: «يمكنكم أن تستنتجوا من خلال مواقفي العامة ما سأقوله حول عدد من القضايا، ولكنني لن أكون، بأي شكل من الأشكال، أنا المتحدث».
«قبر رقمي»
يشكل وجود أثر رقمي للمحبين بعد وفاتهم نعمة كافية بالنسبة للبعض. فقد طورت أوجينيا كويدا، الشريكة المؤسسة لتطبيق «ريبليكا آي إي» صورة رمزية رقمية لصديقتها رومان بعد وفاتها في حادث أثناء اجتيازها للطريق في موسكو. ولكنها بالطبع لا تغفل عن حقيقة أن هذه الشخصية الرمزية ليست صديقتها الحقيقية.
وقالت كويدا: «هذه الصورة هي عبارة عن قبر رقمي يمكننا أن نعود إليه ونحزن على من نحب، لأنه يذكرنا بالطريقة التي كان يتحدث بها الراحل، وبقيمة إجراء محادثة مع رومان».
وتضيف: «عندما يقول الناس إن تطوير هذه الصورة الرمزية هو في الواقع هروب من مواجهة حقيقة أن أحدهم قد قضى، أقول لهم (لا)، بل هو العكس، هو مواجهة هذه الحقيقة»، مشيرة إلى أن ردة الفعل الطبيعية على الموت في الثقافة الغربية هي المضي قدماً والهروب من التفكير بموت أحدهم.
ورأت ليزا توي، مستشارة نفسية متخصصة في مواجهة حالات الفقد في مركز «دكتور غاي المتخصص بحالات الفقد للأطفال» في تورنتو، أنه في الوقت الذي تشجع في الناس على الاستمرار في الحديث مع أحبائهم المتوفين في عقولهم، تشعر بالقلق من الاستعانة بالتكنولوجيا لبناء هذه العلاقة. وقالت: «حتى أذكى أنواع الروبوتات، لن يستطيع ولا بأي شكل من الأشكال، أن يطابق ما نشعره في أعماقنا وفي علاقاتنا الحميمة».
الخلود الاجتماعي
يعتقد عالم الروبوتات الياباني هيروشي إيشيغورو بوجود مستويين من الأبدية: الوعي الشخصاني والخلود الاجتماعي.
ويقول إن التقنية قد تنجح في تحقيق الخلود الاجتماعي، عبر السماح للشخص المتوفى بالمساهمة بشكل فعال في المجتمع من داخل القبر. ولكنه يلفت إلى أن التقنية لا تستطيع تكرار الوعي الشخصاني ويشك بأنها ستكون قادرة على ذلك في يوم من الأيام.
ابتكر إيشيغورو نسخات روبوتية من بعض أشهر الكتاب اليابانيين، التي سمحت لهم برواية أعمالهم للطلاب في مدارس مختلفة في جميع أنحاء البلاد. كما عمل على تطوير نسخة منه على شكل إنسان آلي يرى أنها قادرة على الاستمرار في تعليم علم الروبوتات في جامعة أوساكا بعد وفاته.
وأخيراً قال العالم الياباني: «قد يتيح لنا وجود نسخة آلية منا بالعيش إلى الأبد في المجتمع، ولكن الخلود البشري مستحيل لأن الوعي ليس دائماً».