حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

تصنيف «نصرة الإسلام» إرهابية يجفف مصادرها ويشل قدرتها الميدانية

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها
TT

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

رغم محاولات تنظيم «القاعدة» الإرهابي تطوير آلياته عبر الجماعات والتنظيمات الموالية له، لتثبيت جذوره من جديد، والعودة للمشهد على أنقاض «داعش» الذي ما زال يعاني من هزائمه في سوريا والعراق، تواجه هذه الجماعات حصاراً وضغوطاً دولية قوية خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، بواضعهم على قوائم الإرهاب، وآخرهم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تضم أكبر تحالف «قاعدي» في شمال أفريقيا وغربها.
هذه الخطوات سوف تعزز الجهود التي تبذلها الدول لتقليص قدرة التنظيمات الإرهابية على شن مزيد من العمليات المتطرفة في المنطقة. وقال خبراء، إن «قرار الإدراج كـ(حركة إرهابية) سوف يؤثر على تحركات الجماعة، وسوف يشل حركتها الميدانية؛ نظراً لتجفيف مصادر تمويلها». وأضاف الخبراء لـ«الشرق الأوسط» أن «الإدراج يتبعه قرارات أخرى ضد جماعات وتنظيمات تابعة لـ(القاعدة) مثل (جند الإسلام)، (والشباب»، و(شباب الإسلام)، غيرهم».
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي، إدراج «نصرة الإسلام والمسلمين» (وهو التحالف الإرهابي الرئيسي في منطقة الساحل الأفريقي) إلى القائمة السوداء لـ«المنظمات الإرهابية»... ووفق القرار، يتم تجميد أي ممتلكات أو مصالح في الولايات المتحدة لهذه الجماعة الإرهابية، ولم يعد بإمكان المواطنين الأميركيين منذ ذلك الحين التعامل معها أو تقديم أي دعم مادي لها.
وظهر اسم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001 في العراق، حين نُشر البيان التأسيسي لتشكيل «أنصار الإسلام في كردستان»، الذي تشكل من اندماج تنظيم «جند الإسلام، وجمعية الإصلاح، وحماس الكردية، وحركة التوحيد»، معلنة ولاءها لـ«القاعدة»، ونفذ التنظيم أو الجماعة الكثير من العمليات في ذلك الوقت. وبرزت الجماعة عام 2011 ودعت لما أسمته «الجهاد» في غرب أفريقيا، وتمركزت سيطرتها في مدينة «غاو» الواقعة على نهر النيجر شمال شرقي مالي. وفي عام 2016، أعلنت مجموعة متطرفة أخرى، تشكيل تنظيم حمل الاسم ذاته في بوركينا فاسو. لكن الظهور الأقوى للجماعة في مارس (آذار) 2017 عندما انصهرت كبريات الجماعات الإسلامية المسلحة النشطة في الصحراء الكبرى، ودول الساحل الأفريقي في جماعة جديدة حملت اسم «نصرة الإسلام والمسلمين» وضمت الجماعة الجديدة، جماعة «أنصار الدين، وإمارة الصحراء الكبرى» (وهي عبارة عن 6 كتائب تابعة لـ«القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي)، وكتيبة «المرابطون» (وهي جناح الجزائري مختار بلمختار، الذي يتبعه هشام عشماوي «مصري»)، وكتائب «ماسينا»... وبايع قادتها أمير جماعة «أنصار الدين» ويدعى إياد آغ غالي، أميراً للجماعة الجديدة باسمها الحالي، وأعلنت الجماعة الجديدة بعد ذلك مبايعتها لأمير تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وأبو مصعب عبد الودود، أمير تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي... ومعظم هذه الجماعات والتنظيمات تتضمنها القائمة السوداء للولايات المتحدة.
وأعلنت الجماعة الإرهابية مسؤوليتها في مارس الماضي، عن هجومين في واغادوغو استهدفا مقر رئاسة أركان الجيش والسفارة الفرنسية وخلفا نحو 30 شخصاً بين قتيل وجريح... كما تبنت هجوماً أوقع 11 قتيلاً في صفوف الجيش المالي.
وفى يوليو (تموز) 2017 بثت الجماعة شريط فيديو ظهر فيه 6 رهائن غربيين لديها، وأيضاً في شريط آخر بثته في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، ظهر 11 عسكرياً مالياً اختطفوا في الفترة ما بين يوليو 2016 وحتى مارس 2017.
وقدرت الاستخبارات الفرنسية عدد أفراد جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» في نهاية 2017 بنحو 500 عنصر، نفذوا منذ تشكيلها الكثير من العمليات التي استهدفت القوات المالية والفرنسية. وسبق أن تبنت الجماعة هجوم «الواحات» الذي وقع في الصحراء الغربية بمصر، وأدى إلى مقتل عدد من أفراد الشرطة في أكتوبر الماضي، مستغلة في ذلك معرفة عناصرها بالطرق الصحراوية الوعرة في هذه المنطقة.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أغسطس (آب) الماضي، استعداد بلاده لشن عمليات عسكرية على الجماعة خلال الأشهر المقبلة، بالتعاون مع القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل، التي تتشكل من جيوش «موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر». وتعد منطقة الساحل والصحراء إحدى أهم مناطق نفوذ تنظيم «القاعدة»، بسبب الانتشار التنظيمي الواسع؛ وهو ما يعود إلى تعدد مجموعاته وحرصها على التمدد في أنحاء مختلفة، التي يأتي على رأسها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وبعض المجموعات التي تنشط في المنطقة الجبلية والوعرة بين تونس والجزائر مثل تنظيم «عقبة بن نافع». وفي مارس الماضي، حذرت دراسة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، من أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» باتت تشكل أحد أهم معاقل تنظيم «القاعدة» في الغرب الأفريقي. وقال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن تنظيم «القاعدة» ينظر باهتمام للشمال الأفريقي ودول الصحراء، وله تواجد في عدد من هذه البلدان.
بينما أشار عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إلى أن التنظيمات التابعة لـ«القاعدة» كثيرة، وهي: «القاعدة في بلاد المغرب العربي، والقاعدة في جزيرة العرب، والقاعدة والجهاد في العراق، والقاعدة والجهاد في اليمن، والقاعدة والجهاد في أفريقيا»، ثم أسماء كثيرة مثل «أنصار بيت المقدس» قبل مبايعة «داعش»، وأيضاً «شباب الإسلام»، و«الشباب» في الصومال، و«أرض الدولة»، قبل الانشقاق عن «القاعدة» والانضمام إلى «داعش». وكان لـ«القاعدة» تواجد في شبه القارة الهندية... ومنذ عام 2013 بدأ التعامل مع التيارات الجهادية باعتبارها رافداً واحداً، وجميعها تمثل «بيتاً للإرهاب» لا بد من إدراجهم على قوائم «الإرهابيين» والتحفظ على أموالهم.
مضيفاً: أن تنظيم «القاعدة» أدرج على قوائم الإرهاب، وسبق أن صرح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بأن «حدود الأمن القومي الأميركي أي مكان في العالم»... وبعد ذلك، تعامل الرئيس الأسبق جورج بوش الابن مع «القاعدة» باعتبارها تنظيماً إرهابياً وأخطر التنظيمات الإرهابية.
وقال مراقبون، إن «المجموعات (القاعدية) الموجودة في منطقة الساحل والصحراء، تمتلك قدرات نوعية قد تمكّنها من شن هجمات واسعة، وبخاصة أن عناصرها يستطيعون التحرك على شكل مجموعات صغيرة، وهو ما يسمح لها بشن هجمات نوعية».
وعن تأثير قرار الإدراج على نشاط الجماعة مستقبلاً، أكد الزعفراني أن «قرار الإدراج يؤثر على تحركات الجماعة، وبخاصة من دول تكون أكثر حزماً في التعامل مع القرار مثل (فرنسا، والجزائر، والمغرب، وتونس، ومالي)، وأيضاً لمحاصرة الجماعة، ومصادر تمويلها، ولتجفيف التبرعات التي تصل إليها سواء من الدول أو الأفراد». لافتاً بأن سلاح «القاعدة» في هذه المنطقة، هو معرفة عناصر التنظيم بالطرق الوعرة والكهوف والجبال والدروب الصحراوية، التي تمكنهم من التدريب على استخدام الأسلحة الثقيلة وصناعة المتفجرات. موضحاً أن تصنيف أي جماعة بأنها إرهابية يحظر التعامل مع أي عضو من أعضائها، والتصنيف يفرض عليها حصاراً؛ لأنها جماعة ليست ديمقراطية؛ بل تحاول فرض آرائها بالقوة. مشيراً إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى حرمانها من الموارد اللازمة لتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية على أرض الواقع ميدانياً، وهو ما سوف تكون له تداعيات مباشرة على الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية معنية بالحرب ضد التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.
ويشار إلى أن «نصرة الإسلام» لم تقم بأي عمليات إرهابية منذ صدور قرار إدراجها على قوائم الإرهاب؛ مما يرجح تأثيرها بفقد الموارد المالية – بحسب مراقبون - . وأشار المراقبون إلى أن تنظيم «القاعدة» في منطقة الساحل والصحراء تمكن من تكوين مصادر مختلفة لتمويل عملياته الإرهابية، وذلك عبر العمل بالتجارة غير المشروعة، مثل «المخدرات، والآثار، وتهريب البضائع، إضافة إلى تهريب البشر (عبر الهجرة غير الشرعية)». وأكد عبد المنعم، أن إدراج «نصرة الإسلام» سوف يتعامل مع المسمى الجديد للجماعة؛ لأنه محط الأنظار الآن، يتبعه مواجهات «فكرية، وجغرافية، وأمنية، واستراتيجية، وإلكترونية».
مشيراً إلى أن الإدراج يحقق مكاسب كثيرة، والقرار سوف يستتبعه قرارات أخرى للجماعات الوليدة التابعة لـ«القاعدة»؛ لأنه ثبت أن التعامل مع التيارات الجهادية هو تعامل عنقودي مثل «الضفائر» يسلمون بعضهم بعضاً. مرجحاً أن تكون هناك قرارات مستقبلية ضد جماعات أخرى مثل: «جند الإسلام، وأنصار الإسلام، والشباب، وشباب القاعدة في المشرق العربي، والتوحيد والجهاد غرب أفريقيا وغيرهم».
في السياق ذاته، قال عمرو عبد المنعم، إن «القاعدة» يطور نفسه تطويراً رهيباً؛ لذلك لا بد من المواجهة الفكرية مع التنظيم، حيث يعد «أشبال القاعدة» في رحم الأمهات، وهناك بعض قادة لـ«القاعدة» تزوجوا فتيات في أفريقيا، ثم أرسلوهن إلى بعض المناطق النائية، ويترك معهن وصية ليكون هذا الجيل – في رحم الأمهات - حاملاً للراية فيما بعد، ويتم تربيتهم على عقيدة «الجهاد والمواجهة»، وهذا الجيل الجديد لـ«أطفال القاعدة» بعيد عن التخيل، وأبعاده لم تظهر حتى الآن.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».