حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

تصنيف «نصرة الإسلام» إرهابية يجفف مصادرها ويشل قدرتها الميدانية

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها
TT

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

رغم محاولات تنظيم «القاعدة» الإرهابي تطوير آلياته عبر الجماعات والتنظيمات الموالية له، لتثبيت جذوره من جديد، والعودة للمشهد على أنقاض «داعش» الذي ما زال يعاني من هزائمه في سوريا والعراق، تواجه هذه الجماعات حصاراً وضغوطاً دولية قوية خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، بواضعهم على قوائم الإرهاب، وآخرهم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تضم أكبر تحالف «قاعدي» في شمال أفريقيا وغربها.
هذه الخطوات سوف تعزز الجهود التي تبذلها الدول لتقليص قدرة التنظيمات الإرهابية على شن مزيد من العمليات المتطرفة في المنطقة. وقال خبراء، إن «قرار الإدراج كـ(حركة إرهابية) سوف يؤثر على تحركات الجماعة، وسوف يشل حركتها الميدانية؛ نظراً لتجفيف مصادر تمويلها». وأضاف الخبراء لـ«الشرق الأوسط» أن «الإدراج يتبعه قرارات أخرى ضد جماعات وتنظيمات تابعة لـ(القاعدة) مثل (جند الإسلام)، (والشباب»، و(شباب الإسلام)، غيرهم».
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي، إدراج «نصرة الإسلام والمسلمين» (وهو التحالف الإرهابي الرئيسي في منطقة الساحل الأفريقي) إلى القائمة السوداء لـ«المنظمات الإرهابية»... ووفق القرار، يتم تجميد أي ممتلكات أو مصالح في الولايات المتحدة لهذه الجماعة الإرهابية، ولم يعد بإمكان المواطنين الأميركيين منذ ذلك الحين التعامل معها أو تقديم أي دعم مادي لها.
وظهر اسم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001 في العراق، حين نُشر البيان التأسيسي لتشكيل «أنصار الإسلام في كردستان»، الذي تشكل من اندماج تنظيم «جند الإسلام، وجمعية الإصلاح، وحماس الكردية، وحركة التوحيد»، معلنة ولاءها لـ«القاعدة»، ونفذ التنظيم أو الجماعة الكثير من العمليات في ذلك الوقت. وبرزت الجماعة عام 2011 ودعت لما أسمته «الجهاد» في غرب أفريقيا، وتمركزت سيطرتها في مدينة «غاو» الواقعة على نهر النيجر شمال شرقي مالي. وفي عام 2016، أعلنت مجموعة متطرفة أخرى، تشكيل تنظيم حمل الاسم ذاته في بوركينا فاسو. لكن الظهور الأقوى للجماعة في مارس (آذار) 2017 عندما انصهرت كبريات الجماعات الإسلامية المسلحة النشطة في الصحراء الكبرى، ودول الساحل الأفريقي في جماعة جديدة حملت اسم «نصرة الإسلام والمسلمين» وضمت الجماعة الجديدة، جماعة «أنصار الدين، وإمارة الصحراء الكبرى» (وهي عبارة عن 6 كتائب تابعة لـ«القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي)، وكتيبة «المرابطون» (وهي جناح الجزائري مختار بلمختار، الذي يتبعه هشام عشماوي «مصري»)، وكتائب «ماسينا»... وبايع قادتها أمير جماعة «أنصار الدين» ويدعى إياد آغ غالي، أميراً للجماعة الجديدة باسمها الحالي، وأعلنت الجماعة الجديدة بعد ذلك مبايعتها لأمير تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وأبو مصعب عبد الودود، أمير تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي... ومعظم هذه الجماعات والتنظيمات تتضمنها القائمة السوداء للولايات المتحدة.
وأعلنت الجماعة الإرهابية مسؤوليتها في مارس الماضي، عن هجومين في واغادوغو استهدفا مقر رئاسة أركان الجيش والسفارة الفرنسية وخلفا نحو 30 شخصاً بين قتيل وجريح... كما تبنت هجوماً أوقع 11 قتيلاً في صفوف الجيش المالي.
وفى يوليو (تموز) 2017 بثت الجماعة شريط فيديو ظهر فيه 6 رهائن غربيين لديها، وأيضاً في شريط آخر بثته في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، ظهر 11 عسكرياً مالياً اختطفوا في الفترة ما بين يوليو 2016 وحتى مارس 2017.
وقدرت الاستخبارات الفرنسية عدد أفراد جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» في نهاية 2017 بنحو 500 عنصر، نفذوا منذ تشكيلها الكثير من العمليات التي استهدفت القوات المالية والفرنسية. وسبق أن تبنت الجماعة هجوم «الواحات» الذي وقع في الصحراء الغربية بمصر، وأدى إلى مقتل عدد من أفراد الشرطة في أكتوبر الماضي، مستغلة في ذلك معرفة عناصرها بالطرق الصحراوية الوعرة في هذه المنطقة.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أغسطس (آب) الماضي، استعداد بلاده لشن عمليات عسكرية على الجماعة خلال الأشهر المقبلة، بالتعاون مع القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل، التي تتشكل من جيوش «موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر». وتعد منطقة الساحل والصحراء إحدى أهم مناطق نفوذ تنظيم «القاعدة»، بسبب الانتشار التنظيمي الواسع؛ وهو ما يعود إلى تعدد مجموعاته وحرصها على التمدد في أنحاء مختلفة، التي يأتي على رأسها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وبعض المجموعات التي تنشط في المنطقة الجبلية والوعرة بين تونس والجزائر مثل تنظيم «عقبة بن نافع». وفي مارس الماضي، حذرت دراسة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، من أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» باتت تشكل أحد أهم معاقل تنظيم «القاعدة» في الغرب الأفريقي. وقال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن تنظيم «القاعدة» ينظر باهتمام للشمال الأفريقي ودول الصحراء، وله تواجد في عدد من هذه البلدان.
بينما أشار عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إلى أن التنظيمات التابعة لـ«القاعدة» كثيرة، وهي: «القاعدة في بلاد المغرب العربي، والقاعدة في جزيرة العرب، والقاعدة والجهاد في العراق، والقاعدة والجهاد في اليمن، والقاعدة والجهاد في أفريقيا»، ثم أسماء كثيرة مثل «أنصار بيت المقدس» قبل مبايعة «داعش»، وأيضاً «شباب الإسلام»، و«الشباب» في الصومال، و«أرض الدولة»، قبل الانشقاق عن «القاعدة» والانضمام إلى «داعش». وكان لـ«القاعدة» تواجد في شبه القارة الهندية... ومنذ عام 2013 بدأ التعامل مع التيارات الجهادية باعتبارها رافداً واحداً، وجميعها تمثل «بيتاً للإرهاب» لا بد من إدراجهم على قوائم «الإرهابيين» والتحفظ على أموالهم.
مضيفاً: أن تنظيم «القاعدة» أدرج على قوائم الإرهاب، وسبق أن صرح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بأن «حدود الأمن القومي الأميركي أي مكان في العالم»... وبعد ذلك، تعامل الرئيس الأسبق جورج بوش الابن مع «القاعدة» باعتبارها تنظيماً إرهابياً وأخطر التنظيمات الإرهابية.
وقال مراقبون، إن «المجموعات (القاعدية) الموجودة في منطقة الساحل والصحراء، تمتلك قدرات نوعية قد تمكّنها من شن هجمات واسعة، وبخاصة أن عناصرها يستطيعون التحرك على شكل مجموعات صغيرة، وهو ما يسمح لها بشن هجمات نوعية».
وعن تأثير قرار الإدراج على نشاط الجماعة مستقبلاً، أكد الزعفراني أن «قرار الإدراج يؤثر على تحركات الجماعة، وبخاصة من دول تكون أكثر حزماً في التعامل مع القرار مثل (فرنسا، والجزائر، والمغرب، وتونس، ومالي)، وأيضاً لمحاصرة الجماعة، ومصادر تمويلها، ولتجفيف التبرعات التي تصل إليها سواء من الدول أو الأفراد». لافتاً بأن سلاح «القاعدة» في هذه المنطقة، هو معرفة عناصر التنظيم بالطرق الوعرة والكهوف والجبال والدروب الصحراوية، التي تمكنهم من التدريب على استخدام الأسلحة الثقيلة وصناعة المتفجرات. موضحاً أن تصنيف أي جماعة بأنها إرهابية يحظر التعامل مع أي عضو من أعضائها، والتصنيف يفرض عليها حصاراً؛ لأنها جماعة ليست ديمقراطية؛ بل تحاول فرض آرائها بالقوة. مشيراً إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى حرمانها من الموارد اللازمة لتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية على أرض الواقع ميدانياً، وهو ما سوف تكون له تداعيات مباشرة على الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية معنية بالحرب ضد التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.
ويشار إلى أن «نصرة الإسلام» لم تقم بأي عمليات إرهابية منذ صدور قرار إدراجها على قوائم الإرهاب؛ مما يرجح تأثيرها بفقد الموارد المالية – بحسب مراقبون - . وأشار المراقبون إلى أن تنظيم «القاعدة» في منطقة الساحل والصحراء تمكن من تكوين مصادر مختلفة لتمويل عملياته الإرهابية، وذلك عبر العمل بالتجارة غير المشروعة، مثل «المخدرات، والآثار، وتهريب البضائع، إضافة إلى تهريب البشر (عبر الهجرة غير الشرعية)». وأكد عبد المنعم، أن إدراج «نصرة الإسلام» سوف يتعامل مع المسمى الجديد للجماعة؛ لأنه محط الأنظار الآن، يتبعه مواجهات «فكرية، وجغرافية، وأمنية، واستراتيجية، وإلكترونية».
مشيراً إلى أن الإدراج يحقق مكاسب كثيرة، والقرار سوف يستتبعه قرارات أخرى للجماعات الوليدة التابعة لـ«القاعدة»؛ لأنه ثبت أن التعامل مع التيارات الجهادية هو تعامل عنقودي مثل «الضفائر» يسلمون بعضهم بعضاً. مرجحاً أن تكون هناك قرارات مستقبلية ضد جماعات أخرى مثل: «جند الإسلام، وأنصار الإسلام، والشباب، وشباب القاعدة في المشرق العربي، والتوحيد والجهاد غرب أفريقيا وغيرهم».
في السياق ذاته، قال عمرو عبد المنعم، إن «القاعدة» يطور نفسه تطويراً رهيباً؛ لذلك لا بد من المواجهة الفكرية مع التنظيم، حيث يعد «أشبال القاعدة» في رحم الأمهات، وهناك بعض قادة لـ«القاعدة» تزوجوا فتيات في أفريقيا، ثم أرسلوهن إلى بعض المناطق النائية، ويترك معهن وصية ليكون هذا الجيل – في رحم الأمهات - حاملاً للراية فيما بعد، ويتم تربيتهم على عقيدة «الجهاد والمواجهة»، وهذا الجيل الجديد لـ«أطفال القاعدة» بعيد عن التخيل، وأبعاده لم تظهر حتى الآن.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟