قراءة سياسية في خطاب البغدادي الأخير

«داعش» في محاولة تجييش وتحريض لإثبات وجوده

البغدادي زعيم «داعش» (الشرق الأوسط»)
البغدادي زعيم «داعش» (الشرق الأوسط»)
TT

قراءة سياسية في خطاب البغدادي الأخير

البغدادي زعيم «داعش» (الشرق الأوسط»)
البغدادي زعيم «داعش» (الشرق الأوسط»)

تهدف خطابات قادة التنظيمات الإرهابية بشكلٍ عام إلى تجييش الآراء وتحريض المناصرين للتنظيم القيام لشن هجمات إرهابية أو تبني استراتيجية معينة. ويتم اختيار زعيم التنظيم لإيصال الرسالة نتيجة أسلوبه الجاذب وقدرته على إقناع الآخرين بتبنيها، ولا سيما أن اختياره لأن يصرح بذلك ينم عن مدى ما سيقوله. هذا ما يمكن أن يستدل به من خلال التسجيل الصوتي الذي تم تناقله مؤخراً لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، في عيد الأضحى داعياً مناصريه إلى القيام بشن هجمات فردية تستهدف الآخرين، بالأخص في الدول الغربية، وقد اختير توقيته من أجل استغلال المناسبة الدينية للتحريض، وذلك من خلال تشديد البغدادي على كون «هجوماً واحداً في الغرب يعادل ألفاً في الشرق الأوسط»، ومن ثم هنّأ في خطابه من وصفهم بـ«الأسود الضارية» بنجاح هجمات التنظيم المستهدفة عدداً من دول التحالف التي استهدفت التنظيم من قبل في الغارات الجوية على معاقله مثل كندا وأوروبا، ومن ثم دعا مناصريه إلى استخدام القنابل والسكاكين أو السيارات المفخخة.
من هذا الخطاب يمكن استخلاص عدد من الاستنتاجات، أهمّها «مدى اهتمام التنظيم باتباع استراتيجية الهجمات العشوائية المباغتة من خلال الرسالة التحريضية التي تدعو خلاياه النائمة المتناثرة في الدول المختلفة إلى أن تستفيق وتباشر القيام بذلك».
هذا الأمر الذي لا يثبت إلا الاستمرار في الدوران في حلقة مفرغة حين يتم وضع التوقعات لمصير تنظيم داعش، تارة يظهر التنظيم هشّاً متهالكاً آيلاً للسقوط نتيجة تلاشي حلم إقامة «خلافته»، وتارة أخرى يصل أعضاؤه إلى معقل تنظيم القاعدة في جبال تورا بورا (أفغانستان)، ويرفل في بطشه وقدرته على التغلغل في مناطق لم يصل لها من قبل. إلا أن ما نستطيع أن نستدل عليه هو استمرار محاولات «داعش» الصمود وتحريض أعضائه المتناثرين في كل بقاع الأرض لأن يمارسوا القتل وزعزعة الأمن، وإن كان ذلك من خلال عمليات إرهابية عشوائية منفردة كطعن أشخاص يمشون في الطرقات في دولة أوروبية.
طبعاً هذا، يعد توجهاً جديداً يخالف التنظيمات التقليدية في بحثها عن الإثارة في الهجمات الإرهابية من خلال مسرح كبير للهجمات الإرهابية بأكبر عدد من الضحايا، ومرد ذلك بشكلٍ كبير إلى تشديد السلطات الأمنية في الدول المختلفة رقابتها واحترازاتها الأمنية الشديدة مما يقلل من فرص قدرة هذه التنظيمات على تنفيذ تهديداتها الأمنية.
إذ حاول «داعش» في روسيا إبّان المونديال الأخير شن حملة إعلامية ضخمة تحرّض مناصريه «داعش» على مهاجمة الاستاد الرياضي في موسكو، بل وقتل مشاهير كرة القدم. وعلى الرغم من ذلك، فإن المونديال الكروي انقضى دون تهديد يذكر. الأمر الذي يؤكد أن الهجمات الإرهابية الكبيرة لن تظهر إلا في المناطق التي تفتقر إلى الأمن أو الاستقرار السياسي، مثل التمدد الداعشي في العراق وسوريا والسعي في إنشاء خلافة له. الجدير بالذكر، أن خطاب زعيم «داعش» الأخير قد جاء بعد غياب ما يصل إلى العام؛ إذ لم يظهر البغدادي في أي بث صوتي منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي، ولقد حرص البغدادي على أن يبقى بعيداً عن الأضواء، ولم يظهر من قبل بتسجيل مرئي إلا إبان إعلانه تأسيس تنظيم داعش في سبتمبر 2014 في خطابه الشهير بالمسجد النوري في العراق. التسجيل الأخير من جهة أخرى، يبدو أشبه بمحاولة للتأكيد على أنه ما زال حياً، ودحض التقارير الكثيرة التي انتشرت عن مقتله بغارة جوية واحتمال أن يخلفه «أبو عثمان التونسي» زعيماً لـ«داعش»، وانقسام الرأي في اختياره ما بين مؤيد ورافض لذلك من أعضاء التنظيم. ومن أجل الاسترسال في محاولة إثبات حداثة التسجيل الصوتي، فإن البغدادي، وإن لم يتم التأكد من أنه صاحب التسجيل الصوتي، قد تطرق إلى أحداث تجلّت مؤخراً مثل توتر العلاقات الأميركية - التركية، وربط ذلك بنجاح تحركات تنظيم داعش في تركيا. مثل هذا الاهتمام بالاستعانة بقائد التنظيم الداعشي لم يظهر إلا مؤخراً؛ إذ إن «داعش» لا يرتكز على جاذبية قادته أو حضورهم الإعلامي مثل ما كان يحدث مع تنظيم القاعدة، الأكثر مركزية بإعطائه قادته ثقلاً وحضوراً لافتاً حتى من خلال وسائل الإعلام التقليدية من القنوات الإخبارية أو الصحف الرسمية قبل أن يعي المجتمع الدولي مدى خطورة إعطاء المتطرفين الفرصة للظهور الإعلامي. يتضح مؤخراً استغلال «داعش» قادته في الظهور من أجل إيصال رسائله الإعلامية، مثل بيان لـ«داعش» أعلن من خلاله مقتل نجل البغدادي في حمص «حذيفة البدري»، من أجل دعم تجنيد الأطفال وانضمامهم إلى التنظيم.
ولقد ركز التنظيم من قبل في رسائله الإعلامية منذ تأسيسه على اختيار شباب غير منتمين إلى هرم قيادي، وإنما يمتلكون فقط أسلوباً جاذباً من أجل إثارة الحماسة واستقطاب الشباب، وكذلك بهدف إلغاء النخبوية والتركيز على جذب الأعراق والخلفيات المتنوعة وصهرها نحو آيديولوجية تلغي الآخر وتبقي «الأنا» الداعشية المتضخمة بتطرفها. ومن المنطلق ذاته المعتمد على اختيار المناسبات الدينية لبثّ رسالة إعلامية معينة لمناصري «داعش»، ظهرت تسجيلات أخرى للتنظيم يحتفي من خلالها بعيد الأضحى في اليمن دون اختيار قادة معروفين، مجرد أعضاء ينتمون إلى «داعش» في اليمن من أجل التأكيد على تواجدهم في المنطقة التي تغلغل فيها تنظيم القاعدة بشكلٍ أكبر من خلال تسجيلات مرئية متوالية بمسمى «حصاد الأجناد» تم استعراضها على أجزاء عدة. وذلك يأتي امتداداً لمحاولة «داعش» إيجاد أوطان أخرى له مثل حضوره الأخير في أفغانستان، وقد كان يستحيل توقع احتمال وصول تنظيم داعش لمعقل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وإن كان التنظيم يتعرض في الآونة الأخيرة للتقويض هناك، إلا أن القدرة على الوصول إلى مناطق مثل اليمن وأفغانستان وحتى التغلغل في إندونيسيا وتحريض عدد من الأسر فيها بالقيام بهجمات إرهابية يؤكد على استمرارية الحضور الداعشي على الساحة الدولية. ولا تزال هناك مخاوف من استغلال التنظيمات المتطرفة للتحالفات مع تنظيمات أخرى مثل ما حدث مع «بوكو حرام»، وهو أمر قد يزيد من الاضطراب الأمني في أفريقيا في مناطق مختلفة مثل تمبتكو وشرق ليبيا، وكذلك في دول مثل نيجيريا وتشاد وموريتانيا. وإلى جانب ذلك، ظهرت تصريحات عدة تنم عن مخاوف قدرة التنظيم إعادة ما يسمى «خلافته»، فقد أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية شون روبرتسون مؤخراً بأن من الممكن لتنظيم داعش أن يعيد بناء «الخلافة» المزعومة بعد أن بدأت أنشطته تزداد في مناطق في العراق، بالأخص في شماله. في حين حذر مساعد قائد قوات التحالف الدولي للقضاء على «داعش» الجنرال البريطاني فيليكس جيدني من استمرار خطورة التنظيم واستمرار أعمال العنف التي سيرتكبها ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في الدول الغربية بما فيها بريطانيا. ويتماشى ذلك مع العمليات الأخيرة المستهدفة للدول الغربية، حيث ترفل بالأقليات من جهة نتيجة شعور بعضهم بالتهميش والنبذ أو الاضطهاد؛ مما يدفع البعض منهم بالرغبة في الانضمام إلى فئة وإن كانت متطرفة من أجل الشعور بالاحتواء، ومن جهة أخرى تعاود الظهور إلى السطح أزمة عودة المقاتلين إلى أوطانهم من مناطق القتال، وتحولهم إلى قنابل موقوتة في تلك الدول. خطاب البغدادي الأخير يؤكد اهتمامه بتحويل هذه المخاوف إلى حقيقة. وقد ظهرت الكثير من الحوادث الإرهابية التي تعكس ذلك، مثل حادثة مدينة تورونتو، حيث قام فيصل حسين، وهو مسلح ينتمي إلى «داعش» بإطلاق النار على المارة قبل أن يطلق النار على نفسه، وقد تبين فيما بعد بأنه يعاني من اضطراب عقلي، وذلك من جهة أخرى يؤكد مدى استغلال التنظيم المضطربين عقلياً، أو أصحاب السوابق الإجرامية من أجل تحريضهم على الهجوم على الآخرين كعمليات لذئاب منفردة تنسب إلى التنظيم، وقد أصبح العهد الحديث للتنظيم يحمل هذا التوجه ملاذاً أخير له؛ إذ يسهل من خلاله تنفيذ العمليات دون أن يشتبه بخلية معينة، وإنما الاعتماد التام لمنفذ واحد للعملية. من جهة أخرى، يبدو جلياً النزوح بعيداً عن التعريف التقليدي للإرهاب المتعارف عليه، مثل القيام بترهيب وقتل المدنيين من أجل تحقيق هدف سياسي أو ديني؛ إذ إن المنخرطين في العمليات الإرهابية مؤخراً والمنتمين إلى «داعش» أشبه بأشخاص متآكلين من الداخل غير مقتنعين بحياتهم، راغبين في الانضمام إلى جماعة معينة، ليس نتاجاً لقناعات داخلية؛ إذ إن هناك جهلاً فعلياً للدين وتعاليمه يفضي إلى تصديق كل ما يتم سماعه. وعلى الرغم من وجود عدد من العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها من قبل ذئاب منفردة، فإن تنظيم داعش قام بنسبها له لمجرد توفيرهم الدعم المعنوي، أو التحريض على الهجمات من خلال حملاتهم الإعلامية. وقد اعتقلت السلطات الفرنسية مواطناً أفغانياً قام بطعن سبعة أشخاص في باريس في 9 سبتمبر الحالي. الأمر الذي ينافي ما كانت تقوم به التنظيمات الإرهابية من قبل، كاختيار لمسرحٍ كبير للقيام بهجمة إرهابية ضخمة تتناقلها الوسائل الإعلامية، وتثير الرهبة في نفوس سكان الدول المستهدفة، مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر. في نهاية المطاف، يظل التهديد الإرهابي من تنظيمات مثل القاعدة و«داعش» مستمراً؛ كونه خفياً يباغت بهجماته، ومن خلال أعضائه بقدرة على التحريض عابرة للحدود، وكذلك لأن العالم لا يزال يرزح تحت عبء وجود مناطق تئن بانعدام أمنها واحتمال استغلال هذه التنظيمات المتطرفة لوضعها لتضع أعلامها هناك، وتعلن تواجدها فيها.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».