هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟

جنرال سابق: لكي تكون قصيرة يجب تدمير البنى التحتية للدولة والجيش

هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟
TT

هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟

هل تؤدي تهديدات إسرائيل للبنان إلى «حرب ثالثة»... أم تُبعد خطرها؟

التهديدات بـ«حرب لبنان ثالثة»، من الطرف الإسرائيلي أو من طرف «حزب الله»، باتت عبارة عن مسرحية تراجي -كوميديا، مملة من شدة التكرار. فمنذ انتهاء حرب لبنان الثانية عام 2006، لا يمر فصل من فصول السنة الأربعة، إلا ونستمع إلى سلسلة تهديدات ورد على التهديدات، وتصعيد في التهديدات، التي تنتهي عادة بعد أيام. ونعود لنتابع الاجتماعات المنظمة في رأس الناقورة، بين جنرالات الجيشين الإسرائيلي واللبناني الذين يحلون ضيوفا على قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة. يشربون القهوة العربية ويتناولون البسكويت الأوروبي وينسقون كيفية الحفاظ على الهدوء. ثم يعودون إلى البيوت في تل أبيب وبيروت، بانتظار الجولة التالية. ولولا أنها الحرب، التي لا تعرف الرحمة، لكان الواجب التعامل معها بسخرية واستخفاف، لكن لا يجوز المقامرة بهذا التقييم. وتظل هناك حقيقة مرعبة ماثلة أمامنا، هي أن الحرب يمكن أن تنشب في المنطقة من دون أن يقصد أبطالها الانزلاق نحوها.

نشبت «حرب لبنان الثانية» من دون تخطيط من أحد. إذ هاجمت قوة من «حزب الله» دورية إسرائيلية على الحدود الإسرائيلية اللبنانية فقتلت 3 جنود وخطفت اثنين، تبين لاحقا أنهما قتيلان أيضا. وليس صدفة أن السيد حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، قال خلال مقابلة له في تلفزيون «الجديد» اللبناني يوم 28 فبراير (شباط) 2009، باللهجة العامية اللبنانية إنه «لو سألتيني إن كنت أعلم أن عملية الأسر ستوصل إلى حرب كالتي حصلت، بتروح تعمل عملية الأسر بقولك لأ. قطعا لأ. (وذلك) لأسباب إنسانية وأخلاقية واجتماعية وأمنية وعسكرية وسياسية. لا أنا بقبل. ولا حزب الله بيقبل. ولا الأسرى في السجون الإسرائيلية بيقبلوا. ولا أهالي الأسرى بيقبلوا. هذا قطعي».
وليس صدفة أن «لجنة فينوغراد»، التي شُكّلت في إسرائيل كلجنة تحقيق رسمية برئاسة القاضي المتقاعد آلياهو فينوغراد، خلصت في استنتاجاتها المعلنة في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) 2008، البند العاشر إلى القول: «يمكن إجمال أساس الإخفاقات في القرارات على النحو التالي:
أ- القرار بالرد ردا عسكريا فوريا وحادا لم يستند إلى خطة مفصلة تستند إلى دراسة دقيقة للطبيعة المعقدة للساحة اللبنانية. لو تمت الدراسة لعرفوا أنه كان يمكن لمعرفة هذه الطبيعة أن تؤدي إلى الفهم بأن القدرة على تحقيق إنجازات عسكرية ذات تأثير سياسي كانت محدودة، إذ إن الرد العسكري سيؤدي إلى نار مكثفة على الجبهة الداخلية، ولم يكن هناك جواب عسكري. هذه المصاعب لم تطرح أمام القيادة السياسية.
ب- في القرارات لشن المعركة العسكرية لم تدرس كل جملة الاحتمالات الكاملة، وعلى رأسها مسألة ما إذا كان من الصحيح مواصلة سياسة التجلد في الحدود الشمالية، أو إدراج خطوات سياسية مع خطوات عسكرية قبل حد التصعيد أو استعداد عسكري دون خطوات عسكرية فورية، للإبقاء في يد إسرائيل كامل إمكانات الرد على حدث الاختطاف. وبذلك كان هناك ضعف في التفكير الاستراتيجي، الذي يقتطع الرد على الحدث عن الصورة العامة والشاملة.
ج- التأييد في الحكومة تحقق ضمن أمور أخرى استنادا إلى عرض غامض للأهداف. ولقد صوّت الوزراء في صالح قرار لم يعرفوا ولم يفهموا طبيعته وإلى أين يؤدي. قرّروا الدخول في معركة من دون أن يفكروا كيف الخروج منها أيضا.
د- جزء من الأهداف المعلنة للعملة لم يوضّح ولم يكن قابلا للتحقيق.
هـ- الجيش لم يُظهر إبداعاً في اقتراح البدائل، ولم يحذر من أنه لم يكن هناك تطابق بين سيناريوهات التطور وسبل العمل المصادق عليها، ولم يطلب تجنيد الاحتياط الذي سيسمح بتدريبها لخطوة برية، عند الحاجة. وحتى بعد اتضاح هذه الحقائق للقيادة السياسية، لم تطابق العملية العسكرية وأهدافها طبيعة الساحة. وبالعكس، فإن الأهداف التي أعلن عنها كانت طموحة أكثر مما ينبغي، وقيل إن القتال سيستمر حتى تحقيقها، ولكن سبل العمل التي صودق عليها واستخدمت - لم تتطابق وتحقيقها».

- حروب غزة الثلاثة
الأمر نفسه ينطبق على الحروب الثلاث الأخيرة على قطاع غزة في السنوات 2008 و2012 و2014. فهي أيضا نشبت من دون تخطيط مسبق وانجر إليها الطرفان، حكومة إسرائيل وحركة حماس.
كلها حروب كلفت أثماناً باهظة. ففي «حرب لبنان الثانية»، ووفقا للمعلومات الرسمية للحكومة اللبنانية، قتل خلال العمليات الحربية أكثر من 900 لبناني، وأصيب أكثر من 3000 آخرين بجراح. وتحول إلى لاجئين أكثر من مليون شخص، أي ربع سكان البلاد. كما بلغت الخسائر المباشرة التي لحقت بالاقتصاد اللبناني 10 مليارات دولار تقريبا. أما في إسرائيل نفسها فقد قتل 160 شخصا بينهم 117 عسكريا، وتجاوز عدد الجرحى 2800 شخص. وبلغ إجمالي الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي 5 مليارات دولار.
وفي حرب غزة 2008 (التي سميت في إسرائيل عملية «الرصاص المصبوب») هدمت إسرائيل أكثر من 4100 مسكن بشكل كلي، و17000 بشكل جزئي. وبلغت خسائر الحرب الاقتصادية في قطاع غزة أكثر من مليار دولار أميركي. وأدت إلى مقتل 1436 فلسطينيا بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسنّ، وإصابة أكثر من 5400 آخرين نصفهم من الأطفال. واعترفت إسرائيل بمقتل 13 إسرائيلياً بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.
وفي الحرب الثانية عام 2012، التي نشبت عقب اغتيال أحمد الجعبري، القائد في حماس، قتل 162 فلسطينيا بينهم 42 طفلاً و11 سيدة، وأصيب نحو 1300 آخرين، كما قتل 20 إسرائيليا وأصيب 625 آخرين. ودمرت إسرائيل 200 منزل بشكل كامل، خلال هذه العملية، وتسببت في هدم 1500 منزل بشكل جزئي، إضافة إلى تضرر عشرات المساجد وعدد من المقابر والمدارس والجامعات والمباني والمؤسسات والمكاتب الصحافية. وأما الحرب الثالثة التي سميت «الجرف الصامد»، عام 2014، فقد أدت إلى مقتل 2322 فلسطينيا، بينهم 578 طفلاً (أعمارهم من شهر إلى 16 سنة)، و489 امرأة (20 - 40)، و102 مسن (50 - 80)، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وجرح نحو 11 ألفا آخرين، (10870). واشتكى الفلسطينيون إلى المؤسسات الدولية عن ارتكاب إسرائيل مجازر بحق 144 عائلة، قُتل من كل عائلة ثلاثة أفراد أو أكثر. وفي المقابل، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن مقتل 68 عسكريا من جنودها، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً بجروح، بينهم 740 عسكريا، نحو نصفهم باتوا معاقين.
بكل بساطة يتحدث بعضهم عن الحرب المقبلة، مع علمهم اليقين وتجاهلهم الأكثر يقينا، للثمن الباهظ الذي دفعه الناس ثمنا لها. ويهددون. وفي كل مرة نجد من يخبرنا، نقلا عن مصادر موثوقة، بأن كل طرف «يأخذ بجدية تهديدات الطرف الآخر».
- التهديدات
خلال العام الحالي أمكن رصد «ثلاث موجات» تهديد مباشرة بين إسرائيل ولبنان، في شهر فبراير (شباط)، وفي شهر مايو (أيار) وفي الشهر الأخير.
في الموجة الأولى، شارك في التهديدات الإسرائيلية كل من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، ووزير التربية والتعليم، نفتالي بنيت (رئيس حزب المستوطنين الإسرائيليين)، ووزير البناء يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش جادي آيزنكوت، ونشرت عشرات التحليلات آنذاك حول السؤال: «هل نحن على وشك خوض حرب حقا؟‎». والسبب فيها هو نشر معلومات استخباراتية تقول إن «الإيرانيين معنيون بنقل مصانع الصواريخ من سوريا، التي أصحبت مستهدفة من قبل إسرائيل بشكل ثابت، إلى لبنان». وأوضحت إسرائيل لكل الجهات ذات الشأن بما في ذلك روسيا، أن مصير سوريا ولبنان واحد، وأنها لن تسكت حيال تعزيز قدرات «حزب الله» وإيران الاستراتيجية، حتى لو أن الأمر تطلب شن هجمات مدمرة للبنان. ولقد رد الرئيس اللبناني ميشال عون، قائلا إنه «ما دامت إسرائيل تحتل أراضي لبنانية وتطمع بثروات طبيعية لبنانية، وما دام الجيش اللبناني لا يملك القوة الكافية للوقوف أمام إسرائيل، فإن سلاح (حزب الله) مهم ودوره يكمل عمل الجيش ولا يناقضه، وهو جزء أساسي بالدفاع عن لبنان».
وفي الموجة الثانية قال نفتالي بنيت - الذي كان ضابط كوماندوز في «حرب لبنان الثانية» - إن «الدولة اللبنانية صورت نفسها في حينه على أنها دولة تتوق للهدوء وأنه لا تأثير لها على (حزب الله). واليوم (حزب الله) مغروس في لبنان السيادية. وهو جزء من الحكم ووفقا للرئيس (عون)، هو جزء من قوات الأمن. وهذا الحزب فقد حقه بالتنكر كمنظمة عاصية. ولذلك فإن المؤسسات اللبنانية، والبنية التحتية، والمطار، ومحطات توليد الكهرباء، والجسور، وقواعد الجيش اللبناني، كل هذه يجب أن تكون أهدافا شرعية لمهاجمتها إذا نشبت حرب. ويجب أن نقول هذا لهم وللعالم منذ الآن. إذا أطلق (حزب الله) صواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فهذا يجب أن يعني إعادة لبنان إلى العصور الوسطى». وهدد ليبرمان، الجيش اللبناني مباشرة فقال خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إن «الجيش اللبناني هو اليوم وحدة أخرى في منظومة (حزب الله)».
ثم في الموجة الثالثة جاء التهديد عبر خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أظهر صورا تزعم أن هناك أربعة مواقع لـ«حزب الله» في بيروت وضواحيها تصنّع وتطوّر فيها الأسلحة وتستخدم المدنيين في المحيط دروعاً بشرية. وقال إن إسرائيل قادرة على تدميرها.
وترافق ذلك طول الوقت مع تدريبات معلنة تقوم بها القوات الإسرائيلية، مرة لعدة أيام ومرة لأسبوع ومرة لشهر كامل. ولقد بنيت قرية في أحد معسكرات التدريب للجيش الإسرائيلي بهضبة الجولان السورية المحتلة، تشبه قرية لبنانية، تنفذ فيها عمليات احتلال من بيت إلى بيت. وكُشف عن وجود وحدات عسكرية على الحدود اللبنانية ترصد تحركات «حزب الله» على مدار 24 ساعة لمدة 365 يوما في السنة. وجرى الكشف أيضاً عن «روبوتات سيارة» يمكن إرسالها إلى أرض المعركة للقيام بعمل الجنود في نقل العتاد والمصابين، وعن طيارات بلا طيار (درون) وسفن بلا بحارة، وسيارات بلا سائقين تدخل ميدان القتال، وهذا فضلا عن طيارات الغارات الحربية. وكل ذلك بشكل علني. وعلق عاموس هرئيل، محلل ومحرر الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، على كل هذه التهديدات وما رافقها بالقول: «القيادة في إسرائيل دقت كل الأجراس تحذيرا من خطر مخططات إيران في لبنان. ولكن يبدو أن هدفها ليس إشعال الحرب، بل العكس، إبعادها».
وأردف: «إن تحذيرات رئيس الحكومة ووزير الأمن ورئيس هيئة الأركان من النيات الإيرانية لإنشاء مصانع للسلاح في الأراضي اللبنانية، وجهت لكل أذن مصغية في المنطقة، بيروت وطهران ودمشق. في المرة السابقة التي حذرت فيها إسرائيل في سبتمبر (أيلول) 2017. يبدو أن الرسالة استوعبت جيداً، إيران و«حزب الله» أوقفا المشروع. هذه الجهود تجددت مؤخراً، سواءً لأن خطوات إيرانية مشابهة في سوريا ووجهت بتحفظ روسي أو لأن طهران وصلت إلى استنتاج بأن إسرائيل لن تستطيع صدها في لبنان».
ولمح هرئيل إلى أن نتنياهو قصد بهذه التهديدات التغطية على التحقيقات القضائية ضده في الشرطة حول قضايا الفساد. فقال: «على المستوى الأمني، نتنياهو يكره المخاطرة جدا. منذ احترق كرئيس حكومة جديد في أحداث النفق في 1996، وهو يحذر أيضا من أخطار أقل بكثير. عندما توجه إلى مواجهة عسكرية محدودة (عمود السحاب) في 2012 و(الجرف الصامد) في 2014 في غزة، جر إلى ذلك فقط نتيجة لالتقاء تحد أمني خارجي وخطر سياسي داخلي. ولكن بالنسبة لإيران و(حزب الله) في لبنان، فإن ما هو على الطاولة مخاطرة أكبر بكثير، تفسر معادلة الردع المتبادل التي نشأت بين الطرفين منذ انتهاء (حرب لبنان الثانية) عام 2006، التي ضمنت فترة فريدة في طولها من الهدوء في الشمال. ومرة واحدة منذ فترة طويلة، عندما جر نتنياهو من خلال تصريحات صقرية، ظهرت النظرية حول نيته لشن حرب كبيرة من أجل إبعاد النار عنه في قضايا التحقيقات. وعندما تتعالى هذه الاتهامات من كونها شائعات وتصبح مقالات رئيسية في الصحف فهي تحتاج إلى إثباتات أكثر إقناعا. وحتى الآن هذه الإثباتات غير موجودة. ومن الصعب رؤية آيزنكوت (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي) في السنة الأخيرة في منصبه مؤيداً مؤامرة كهذه. إسرائيل تتبنى الآن خطاً هجومياً أكبر وقد دعمته بالأفعال في سلسلة كثيرة من الهجمات في سوريا. ولكن حتى الآن يبدو أن طبول الحرب في الشمال يمكنها أن تنتظر».

- الحرب المقبلة ليست مع «حزب الله» بل مع الدولة اللبنانية
> الجنرال غيورا آيلاند، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية لثلاث سنوات، وترك منصبه قبل «حرب لبنان الثانية» بنصف سنة، يقول إن القرار حول «حرب لبنان ثالثة» مرتبط جدا بالحرب الثانية ونتائجها.
من ناحية، هناك حقيقة أن «حزب الله» يبدو مردوعاً لأنه منذ تلك الحرب، وهو يحافظ على هدوء تام ولا يمارس أي عمل عدائي لإسرائيل من الأراضي اللبنانية. ولكن، من جهة ثانية يبدو أن «حزب الله» ضاعف قدراته العسكرية عشرات المرات، أكان ذلك بنوعية وكمية الأسلحة التي يمتلكها، إذ توجد في حوزته 130 ألف صاروخ تستطيع أن تصل إلى كل مكان في إسرائيل، أو من ناحية التجربة التي اكتسبها في الحرب في سوريا. كما أن «حزب الله» تحسن من حيث الأداء الحربي، وهو اليوم يستر مواقعه بشكل أفضل. وصواريخه أصبحت أكثر دقة.
ويضيف آيلاند: «هناك سؤال أساسي يطرح، هو: هل تعلمنا ما يجب أن نتعلمه لكي ندير حرب لبنان الثالثة بشكل أفضل من إدارتنا للحرب الثانية؟ لقد ارتكبنا في حينه خطأ استراتيجيا عندما اعتبرنا (حزب الله) عدونا الأساسي، وتجاهلنا الدولة اللبنانية التي تعطيه الغطاء... وتركنا الجيش اللبناني الذي يتعاون مع الحزب. لقد دارت الحرب في حينه 34 يوما مع (حزب الله) والعالم كان يتفرج علينا. لم ينزعج أحد من رؤيتنا، نحن و(حزب الله)، يقتل كل منا الآخر. فلو وجهنا ضرباتنا إلى البنى التحتية اللبنانية لكانت الحرب أقصر ولكانت النتيجة مختلفة. لذلك يجب أن يحصل تغيير استراتيجي في الحرب المقبلة. يجب أن تكون أقصر.
كيف؟ نضع الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية.
الحرب الثالثة يجب أن تكون بين إسرائيل وبين الدولة اللبنانية. لن تستطيع إسرائيل، رغم ما تملكه من قوة، أن تدمر 100 ألف صاروخ لدى (حزب الله). ولكنها تستطيع أن تدمر في غضون بضعة أيام قليلة كمية هائلة وغير محتملة من البنى التحتية الأساسية في لبنان، وتوجه ضربات مدمرة أيضا لجيش لبنان الرسمي.
العالم كله سيقف على رأسه لكي يوقف الحرب في وقت قصير، لأن أحدا لا يريد أن يرى لبنان مدمراً».

- مريدور: تدمير الصواريخ مهمة مستحيلة
> دان مريدور، الوزير الإسرائيلي السابق لشؤون المخابرات والشؤون الاستراتيجية، يتكلم برموز تلائم فهمه الاستخباراتي. وهو يرى أن على إسرائيل أن تسعى لمنع الحرب بكل قوتها لأنه لا يمكن لجيش نظامي أن ينتصر على تنظيم مثل تنظيم «حزب الله». والطريقة الوحيدة، في حال الاضطرار لخوض الحرب، هي طريقة التعامل الأميركي مع أسامة بن لادن.
وفق مريدور، على إسرائيل ألا تصب جل جهودها لتدمير الصواريخ، لأن تدميرها مهمة مستحيلة، بل عليها أن تعين 300 هدف عيني وتسلط عليها حممها القتالية. وهذه الأهداف يجب أن تكون إصابتها ليس فقط موجعة لـ«حزب الله»، بل يجب أن تكون أهدافاً من ذلك النوع الذي يؤدي تدميرها إلى شلل «حزب الله». وعند تحديد هذه الأهداف - يقول مريدور - ينبغي أن نتذكر أن ما جعل «حزب الله» بهذه القوة هي إيران.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.