إصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان تصدم جمهوره

تعهد {الانتصار} على المرض واعتبره {مجرد صداع}

فاروق الفيشاوي
فاروق الفيشاوي
TT

إصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان تصدم جمهوره

فاروق الفيشاوي
فاروق الفيشاوي

استقبل الجمهور المصري وزملاء الفنان الفيشاوي خبر إصابته بمرض السرطان بمشاعر من الصدمة والحزن. حيث دخلت الفنانة إلهام شاهين، وبعض زملائه في نوبة من البكاء فور إعلانه الخبر أمام جمهور الدورة الـ34 بمهرجان الإسكندرية السينمائي، الذي انطلق مساء أول من أمس (الأربعاء).
وفجّر الفنان المصري فاروق الفيشاوي، مفاجأة خلال تكريمه بعدما أعلن إصابته بمرض السرطان، قائلاً «ترددت كثيراً قبل الإعلان عن ذلك حتى لا يقلق الجمهور».
وأضاف «بعد فحوص طبية أخبرني الطبيب المعالج بأني مصاب بالسرطان، فقلت له، هذا صداع، فرد بنبرة حادة: قلت سرطان يا فاروق، فقلت له سأتعامل معه على أنه صداع». وتابع قائلاً «بالعزيمة والإصرار سأنتصر على هذا المرض، وسأعود العام المقبل للمهرجان لكي أبارك لزملائي المكرمين».
وأثارت كلمات الفيشاوي حالة من التعاطف معه على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بعد إعلان إصابته بالسرطان، على الهواء مباشرة، وتمنى جمهور «السوشيال ميديا» سرعة شفائه.
وقالت الفنانة وفاء عامر التي شاهدت هذه اللحظة في حفل الافتتاح الخاص بالمهرجان لـ«الشرق الأوسط»، «علمنا بإصابة الفنان فاروق الفيشاوي بهذا المرض اللعين، وقت إعلانه لذلك فقط، وكانت مفاجأة حزينة للجميع، لكن عندما تحدث عن عزيمته وإصراره على هزيمة المرض والشفاء منه كنت سعيدة للغاية؛ لأنه أعطى لملايين من مرضى السرطان القوة والتحدي والإرادة، من خلال تبسيطه لهذا المرض الذي يعتقد كثيرون أنه النهاية، لكنه لديه من الإصرار والعزيمة والإيمان القوي بأنه يستطيع هزيمته».
في السياق نفسه، تحدث الفنان أحمد عزمي لـ«الشرق الأوسط»، باعتباره الأقرب إلى الفنان فاروق الفيشاوي في الفترة الأخيرة ويرافقه دائماً، وقال «الفنان فاروق الفيشاوي من أهم صفاته الكتمان، وبخاصة فيما يتعلق بأموره الشخصية وحياته الخاصة، وأنا على الرغم من قربي منه في الفترة الأخيرة فإنني فوجئت بهذا الخبر مثل أي شخص آخر، لكن ما أريد أن أؤكده أنه منذ فترة وهو يشعر بالإرهاق الشديد، والتعب، ويتابع مع مجموعة من الأطباء، فأعتقد أن خبر إصابته بمرض السرطان هو على علم به منذ فترة، ويسير على خطة علاجية، وبإذن الله خلال عام سيكون قد شفي تماماً من هذا المرض؛ لأنه لديه عزيمة قوية، وهو من الشخصيات التي لا يهزمها مرض. ولفت «فور إعلان خبر إصابته بالسرطان قمت بإرسال رسالة نصية له وتجنبت أن أتحدث معه بشكل مباشر، ودعيت له بالشفاء العاجل؛ لأنه يعد رمزاً من رموز الفن في مصر».
وترددت الأقاويل حول إصابة الفنان فاروق الفيشاوي بمرض سرطان المعدة، وهو المرض ذاته الذي أصاب طليقته الفنانة سمية الألفي، الذي قام بالوقوف معها في رحلة علاجها منه حتى شفيت منه تماماً.
ولم يكن الفيشاوي أول فنان مصري يصاب بالسرطان، فقد سبقه بعض النجوم، منهم أحمد حلمي الذي استطاع أن يهزم المرض، وكذلك شريهان وغيرهما ممن هزموا هذا المرض الخبيث.
وبدأ الفيشاوي حياته الفنية من خلال أدوار صغيرة في أعمال عدة، مثل مسلسل «الهروب»، وفيلم «وثالثهم الشيطان» عام 1978، ومسلسل «طيور بلا أجنحة» عام 1979، ثم شارك في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكراً»
وفي فترة الثمانينات شارك في الكثير من الأعمال، أشهرها فيلم «الباطنية»، فيلم «غداً سأنتقم»، فيلم «غاوي مشاكل»، فيلم «عذاب الحب»، فيلم «اللعبة القذرة»، مسرحية «الدنيا مقلوبة»، مسلسل «صيام صيام»، مسلسل «الفتوحات الإسلامية»، فيلم «قهوة المواردي»، مسلسل «ميراث الغضب»، فيلم «المشبوه».
وخلال فترة التسعينات شارك في الكثير من الأعمال، منها فيلم «حنفي الأبهة»، وفيلم «الخادم»، وفيلم «شبكة الموت»، ومسلسل «دموع صاحبة الجلالة». وفي بداية الألفية الجديدة، شارك في الكثير من الأعمال الفنية، مثل مسرحية «اعقل يا دكتور»، ومسلسل «حارة الطبلاوي»، وفيلم «سوق المتعة»، ومسلسل «خيال الظل»، وفيلم «حبيبتي من تكون»، فيلم «امرأة تحت المراقبة». وغيرها.
وكرّم مهرجان الإسكندرية السينمائي، خلال حفل الافتتاح الفنانة المصرية نادية لطفي التي حملت هذه النسخة من المهرجان اسمها، بالإضافة إلى مدير التصوير ماهر راضي، والفنان فاروق الفيشاوي، والناقدة ماجدة موريس، والمخرج أحمد يحيى، والموسيقار عمر خيرت.
في السياق نفسه، تم تكريم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، والمنتج حسين القلا، والفنان السوري عباس النوري والمنتج اليوناني جورجيوس باباليوس، الذي ولد في الإسكندرية، والمخرج اليوناني نيكولاس براكس، والفنانة الفرنسية آنا موجلاليس، والفنان الإسباني سبستيان هارون، والفنان الإيطالي فرانكو نيرو.
وقال الناقد السينمائي الأمير أباظة خلال حفل الافتتاح: «اختيارنا شعار القدس عربية جاء رد فعل لنقل السفارة الأميركية للقدس، وتجسيداً للمشاعر العربية الرافضة لهذا القرار».
وأوضح رئيس المهرجان، إن النسخة الـ34 من المهرجان ستتضمن ثلاث مسابقات، وهي مسابقة البحر المتوسط للفيلم الطويل، ومسابقة الفيلم العربي التي تحمل اسم الفنان الراحل نور الشريف، بالإضافة إلى مسابقة الفيلم الوثائقي القصير.
من جانبه، عبر المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، عن سعادته لتكريمه في مهرجان الإسكندرية، لافتاً إلى أنه يشارك أيضاً بفيلم في المسابقة، قائلاً «إن السينما تفعل ما فشل فيه السياسيون، وهو تحقيق التواصل بين الشعوب المختلفة؛ فالسينما تجمعنا فكلنا نحمل جنسية واحدة وهي جنسية الفن والثقافة والإنسانية».


مقالات ذات صلة

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)

التوتر قد يؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية في منتصف العمر

يقول الخبراء إن هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الرجال المتزوجون يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب (رويترز)

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

أظهرت دراسة جديدة أن الرجال المتزوجين يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب، إلا إن الشيء نفسه لا ينطبق على النساء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)