«إس 300» في سوريا لـ«تثبيت واقع جديد»... وخطط روسية لمظلة صاروخية

إنزال منظومة «إس 300» من طائرة روسية غرب سوريا («الشرق الأوسط»)
إنزال منظومة «إس 300» من طائرة روسية غرب سوريا («الشرق الأوسط»)
TT

«إس 300» في سوريا لـ«تثبيت واقع جديد»... وخطط روسية لمظلة صاروخية

إنزال منظومة «إس 300» من طائرة روسية غرب سوريا («الشرق الأوسط»)
إنزال منظومة «إس 300» من طائرة روسية غرب سوريا («الشرق الأوسط»)

أكدت موسكو، أن الوضع في سوريا دخل مرحلة جديدة لمنع انتهاك الأجواء السورية، بعد تسليم دمشق أنظمة صاروخية متطورة من طراز «إس300» رغم الاعتراضات والتهديدات من جانب تل أبيب وواشنطن، وأفادت أوساط عسكرية بأن لدى وزارة الدفاع الروسية خططاً لتعزيز ونشر منظومة دفاعية متكاملة تغطي كل الأراضي السورية.
ولم تنجح التهديدات الإسرائيلية والتلميح بأن الأنظمة الصاروخية يمكن أن تدمر في حال وصلت إلى الجيش السوري، في ثني موسكو عن تنفيذ القرار المتعلق بتسلم دمشق «إس300». وفي اجتماع لم يكن مخططاً سلفاً لمجلس الأمن القومي الروسي عقد ليلة الأربعاء، أبلغ وزير الدفاع سيرغي شويغو الرئيس فلاديمير بوتين، بأنه تم استكمال نقل أربع منصات صاروخية وتسليمها إلى الجانب السوري. وأوضح في تقريره، أن دمشق «تسلمت 49 وحدة من المعدات العسكرية اللازمة لتجهيز الصواريخ ووضعها في حال جاهزية قتالية، اشتملت رادارات استشعار وأنظمة التعريف الرئيسية وآلات التحكم وأربع منصات إطلاق واليات». ووفقاً لمعطيات وزارة الدفاع، فإن عملية تركيب الصواريخ وتجهيزها سوف تستغرق نحو ثلاثة أسابيع، ويتوقع أن تكون مكتملة في 20 من الشهر الحالي. لكن شويغو قال، إن العسكريين السوريين سوف يخضعون لفترة تدريب على إدارتها وتوجيهها تستغرق نحو ثلاثة شهور؛ ما يستبعد أن تنتقل السيطرة على الصواريخ مباشرة إلى الجانب السوري.
وكانت وسائل إعلام نقلت عن مراكز متخصصة برصد تحركات الطائرات والسفن العسكرية، أن موسكو نشّطت عمليات النقل منذ الخميس الماضي، وقامت طائرات شحن عسكرية عملاقة من طراز «أنطونوف124» بست رحلات إلى قاعدة حميميم لنقل معدات عسكرية، كان آخرها أول من أمس (الثلاثاء). ونشرت أمس، وزارة الدفاع الروسية على موقعها الإلكتروني شريط فيديو ظهرت فيه عمليات تفريغ حمولة واحدة من هذه الطائرات المعروفة في روسيا باسم «رسلان». وبرزت في الشريط أسطوانات منصات إطلاق الصواريخ الكبيرة وبعض المعدات الأخرى.
وكانت موسكو أعلنت عن قرار تسليم دمشق المنظومات الصاروخية بعد حادثة إسقاط طائراتها «اليوشين20» في 17 من الشهر الماضي، وتعهد شويغو في حينها بتسليم المنظومات إلى سوريا في غضون أسبوعين؛ تلبية لقرار الرئيس الروسي الذي أمر بـ«تعزيز أمن المنشآت والجنود الروس في سوريا، وعدم السماح بتكرار حادثة الطائرة».
ورغم أن جدلاً واسعاً أثير حول ما إذا كانت الصواريخ ستكون تحت سيطرة مباشرة من جانب العسكريين السوريين، أم تحت إشراف خبراء روس، فإن تعمد موسكو الإشارة إلى أنها بدأت تدريب عسكريين سوريين على استخدامها حمل رسالة إلى الجانبين الإسرائيلي والأميركي بأن الصواريخ ستسلم إلى دمشق بالفعل.
وفتح التطور شهية المعلقين العسكريين الروس للحديث عن دخول الوضع في سوريا «مرحلة جديدة لا مكان فيها لانتهاك الأجواء السورية؛ ما يكسر الهيمنة الإسرائيلية والأميركية».
ولفت خبراء إلى أن منظومة «إس300» تسمح بالمراقبة، ليس فقط في المجال الجوي لسوريا، لكن في المجال الجوي لبعض الدول المجاورة أيضاً. علماً بأن مصادر عسكرية روسية كانت تحدثت في وقت سابق، بأنه سيتم تسليم سوريا أربع منصات، وأن العدد الإجمالي لهذه المنظومات في سوريا قد يرتفع ليصل إلى 6 أو 8 منصات وفقاً لمتطلبات الحاجة.
وأفادت صحيفة «إزفيستيا» نقلاً عن مصدر في وزارة الدفاع، بأن المنظومة الجديدة تتميز عن الأنظمة التي كانت تمتلكها سوريا بأنها قادرة على مواجهة طائرات تفوق سرعة الصوت وقذائف باليستية. و«في الوقت الراهن المنظومات القادرة على اعتراض تقنيات قوية موجودة حول المؤسسات الاستراتيجية الرئيسية فقط. ومن المخطط نشر نظام دفاعي متكامل على كامل أراضي البلد لضمان مواجهة فاعلة للهجمات الصاروخية»، علماً بأن «إس300» هو نظام صاروخي متنقل؛ كونه ينصبّ على شاحنات، وأفادت الأوساط العسكرية بأنه في حالة وجود تهديد يمكن نشرها في غضون ساعات عدة بالقرب من أهداف مهمة في مناطق مختلفة من البلاد.
ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» عن مدير مركز العلوم السياسية القريب من الحكومة الروسية، بافيل سالين، أنه يعتقد أن تسليم المنظومة سيساهم في استقرار الوضع، لجهة أنه يشكل قوة ردع.
واستبعد تعرض الوضع لـ«استفزازات» على خلفية تهديد تل أبيب بقصف منصات الإطلاق، وزاد أن «الطرف الروسي لا يخفي واقع التسليم والقدرات التقنية للمنظومة. وتم كشف جميع الأوراق أمام الجانب الإسرائيلي واللاعبين الآخرين لتقييم المخاطر في حالة الاعتداء. أعتقد أن إسرائيل تهتم أيضاً بأفراد جيشها ولن تعرضهم لخطر داهم».
في حين قال السفير الإسرائيلي السابق لدى روسيا، سفي ماغين، لصحيفة «آر بي كا»، إن بلاده «لن تتوقف عن القيام بالمهام التي تعتبرها ضرورية بعد نشر المنظومة في سوريا؛ لأنها تتعلق بتحييد الأهداف الموالية لإيران». وزاد، أنه «من أجل الدفاع عن نفسها، فإن تل أبيب مستعدة لتدمير الأسلحة التي تمنع الجيش الإسرائيلي من القيام بنشاطه في سوريا».
إلى ذلك، أشار عسكريون إلى أن خطوة تسليم «إس300» تزامنت مع تنفيذ قرارات روسية أخرى بينها تجهيز مراكز القيادة في أنظمة الدفاع الجوي السورية بأنظمة تحكم آلي، ونشر منظومات حرب إلكترونية، وأجهزة تشويش كهرومغناطيسية.
وأوضح الخبير العسكري، فلاديمير ميخييف، في مقالة نشرتها أمس صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس»، آليات استخدام أجهزة الحرب الإلكترونية التي أعلنت موسكو أنها بدأت بنقلها إلى سوريا، موضحاً أنه في المناطق المحاذية لسوريا فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، سيتم تشغيل آليات «إخماد لاسلكي إلكتروني للملاحة الساتلية، والرادارات المحمولة جواً، وأنظمة الاتصالات في الطائرات المقاتلة التي ستهاجم الأراضي السورية»، مشيراً إلى أن القوات الروسية في سوريا كانت تمتلك هذه المعدات قبل حادثة إيليوشين 20، والفارق أنه سيتم نشرها على نطاق أوسع.
وأشار الخبير إلى أنه في السابق، ركزت جميع هذه الأنظمة على جمع المعلومات والعمليات الاستخباراتية، بينما «سيتم العمل حالياً لنقلها إلى الوضع النشط».
وزاد، أنه «سوف يتم إنشاء منظومات فريدة للاستطلاع والتشويش عبر التأثير الإلكتروني على الطائرات المغيرة؛ ما يتسبب في حرمانها من الاتصال والملاحة وتحديد الموقع والتحكم ونقل البيانات، وما إلى ذلك. هذا يعني أن طائرة العدو تصاب بالعمى تدريجياً».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.