كابوس انتزاع الملكيات يقض مضاجع أهالي دمشق

TT

كابوس انتزاع الملكيات يقض مضاجع أهالي دمشق

عاد كابوس المخطط التنظيمي ليؤرق مضاجع سكان العاصمة السورية، مع وضع محافظة دمشق خطة زمنية لدراسة مناطق المخالفات الموجودة في المدينة، وإعادة تنظيمها وفق القانون رقم عشرة لعام 2018.
الخطة بحسب ما أعلن في الإعلام الرسمي، تشمل في مرحلتها الأولى التي ستنتهي منتصف العام القادم، مناطق القابون الصناعي، وبرزة، وجوبر، حيث سيتم «هدم المناطق المخالفة ومنح أصحاب الشقق والأراضي أسهماً في المنطقة، ليصار إلى تنظيمها كمناطق أبراج سكنية، لتكون المنطقة التنظيمية الثالثة بعد ماروتا وباسيليا ستي».
وتتضمن الخطة دراسة مخالفات التضامن والزاهرة ونهر عيشة، في 2019 – 2020، وقاسيون ومهاجرين ومعربا، 2020 - 2021، ودويلعة وطبالة 2021 – 2022، ومزة 86 ومخالفات دمر 2022 – 2023، واستملاك المعضمية 2023 - 2024.
يشار إلى أن قرارات المحافظة عام 2010، بخصوص تنفيذ قرارات استملاك بزعم إزالة العشوائيات في تلك المناطق وغيرها في محافظات أخرى، كانت من أحد أهم الأسباب التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات ضد النظام، إذ يرى غالبية السوريين المتضررين من تلك القرارات أن «النظام يستولي على ملكياتهم، دون وجه حق، ودون دفع تعويضات عادلة». وبعد حرب ثماني سنوات جرى فيها تدمير معظم تلك المناطق، عادت المخاوف لتتجدد مع تجدد كابوس الاستملاك بحجة إزالة العشوائيات والتنظيم، وذلك في الوقت الذي يحلم فيه الذين هجروا من منازلهم بعودة سريعة إليها حتى لو كانت ركاما.
لكن محافظ دمشق بشر الصبان، فاجأ سكان حي التضامن بتصديقه على تقرير اللجنة المكلفة دراسة واقع حي التضامن الذي يفيد بوجود 690 منزلاً فقط صالحاً للسكن يمكن للأهالي العودة إليها، وذلك ريثما يتم تنظيم كامل منطقة التضامن، وفق القانون رقم 10 الذي قد يستغرق بين 4 إلى 5 سنوات. وأعلن رئيس اللجنة فيصل سرور، أنه «خلال جولات كثيرة قامت بها اللجنة في المنطقة كشفت على جميع منازل المخالفات في المنطقة، وخلصت إلى أن البيوت الصالحة للسكن بلغ عددها 690 بيتاً، وباقي البيوت غير صالحة للسكن، ولا يمكن ترميمها في الوقت الحالي».
ولاقى قرار اللجنة استنكاراً من أهالي الحي الذين ينتظرون على أحر من الجمر السماح لهم بالعودة إلى حيهم، خاصة أن نسبة 690 بيتا صالحا لا تشكل أكثر من عشرة في المائة من حي التضامن، وهي نسبة غير منطقية وغير مقبولة، حسب ما أكده «أبو علاء»، من مهجري حي التضامن، منذ عام 2013، ويقول: «إن أهالي الحي هم من أبناء المحافظات من الفقراء الذين جاؤوا إلى العاصمة لسبب أو لآخر، موظفين وطلاباً وعساكر... إلخ، وتعدادهم قبل الحرب كان يتجاوز مائتي ألف نسمة، غالبيتهم بنوا بيوتهم (بالشقا والتعتير)، وكانوا يعيشون من أعمال تعيلهم كفاف يومهم، وعندما تهجروا وجدوا أنفسهم على الأرصفة والحدائق، لا حول ولا قوة، منهم من تدبر أمره وعمل واستأجر غرفة، ومنهم من ظلوا في الشوارع بانتظار العودة إلى منازلهم. المصيبة بعد انتهاء المعارك (عفشت) بيوتهم، والآن تأتي الحكومة (لتعفش) ملكيتهم لبيوتهم، علما بأن أكثر من 80 في المائة من البيوت يمكن إصلاحها والسكن فيها».
في هذا السياق قالت جريدة «الوطن» المقربة من دمشق، إنها اطلعت على قائمة تضم آلاف التوقيعات ممن يعترضون على قرار محافظة دمشق من مهجري الحي، وعلى عمل اللجنة المكلفة تقدير الأضرار، ووصفته بأنه «بعيد عن النزاهة»؛ إذ لم يكشف على جميع الحارات والأبنية في منطقة حي التضامن، ولفتت «الوطن» إلى أن العشرات من المحامين الذين هم من مهجري الحي وغير أهالي الحي تبرعوا للترافع في القضية أمام القضاء، سيما وأن القانون يعطي للمتضرر حق الاعتراض خلال أسبوعين من تاريخ إعلان القرار، الذي اعتبر «غير منصف، خاصة أنه لم يصدر رسمياً، ولم ينشر في وسائل الإعلام، وتم البدء في تنفيذه دون معرفة الأهالي»، حسب ما جاء في جريدة «الوطن»، التي أشارت إلى ورود رسائل إلى صفحات الإعلام الرسمي تدعو إلى «الاعتراض بشكل قانوني على القرار، والطعن فيه أمام القضاء».
في غضون ذلك، تواصل الحكومة تفجير الأبنية وإزالة الأنقاض في محيط دمشق، بزعم قيامها بعمليات تمشيط للمناطق التي أعادت سيطرتها عليها، وتفجير الأنفاق، ولا يمضي يوم دون سماع دوي انفجارات في مناطق جوبر وعين ترما والقابون وحرستا وداريا، التي يتم الإعلان عنها مسبقا في وسائل الإعلام على أنها تفجيرات لمخلفات «الإرهابيين» من ألغام وأسلحة وأنفاق، إلا أن الأهالي يرون أن التفجيرات تطال أبنية لا تزال واقفة، وبالإمكان ترميمها، لا سيما أن أغلب المناطق التي يتم إزالة الأنقاض منها سبق وأنذر أصحابها قبل عام 2011 بالإخلاء.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.