التزام محدود بتنظيم مولدات الكهرباء... ووزير الاقتصاد يهدد بمصادرتها

TT

التزام محدود بتنظيم مولدات الكهرباء... ووزير الاقتصاد يهدد بمصادرتها

دخل قرار الدولة اللبنانية القاضي بإلزام أصحاب مولّدات الكهرباء الخاصة بتركيب عدادات لتحديد مصاريف المواطنين المشتركين، واحتساب البدلات المالية على أساس المصاريف حيّز التنفيذ، أمس، إلا أن الالتزام بهذا القرار بدا محدوداً، بسبب رفض معظم أصحاب المولدات تطبيق القرار، وتهديدهم بوقف تزويد المشتركين بالتيار. غير أن وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري حذّر من مغبة هذا التصرف وهدّد بمصادرة المولدات لحساب البلديات.
وسقط جريح في إشكال فردي تطور إلى إطلاق نار، أمس، بين اثنين من مالكي المولدات، بسبب خلاف على الاشتراكات في منطقة الفوار في مدينة صيدا (جنوب لبنان).
وأعلن وزير الاقتصاد في تصريح أن «قرار تركيب العدادات سينفذ ابتداء من اليوم (أمس) وسنتابع في الوزارة مجريات مراقبة تركيبها وسنتعامل مع المخالفات بفرض عقوبات على أصحاب المولدات الذين لم يلتزموا بالقرار، من خلال تسطير محاضر ضبط ومصادرة المولدات لصالح البلدية، في حال وقف تزويد بعض المولدات المواطنين بالخدمة العامة».
وأكد أن «هناك مواكبة أمنية لمراقبي وزارة الاقتصاد في بعض المناطق التي تحتاج لهذه المواكبة»، مشيراً إلى أن «معظم الأماكن يتم الكشف فيها بشكل عادي، ولدى وزارة الاقتصاد 100 مراقب يعملون على الكشف». وأضاف أن «لا حجّة لأصحاب المولدات لعدم الالتزام بقرار تركيب العدادات، خصوصاً أننا أعدنا النظر بالتسعيرة بشكل يعطي الحق لأصحاب المولدات من جهة، ويوفّر على المواطنين من 30 إلى 60 في المائة من التسعيرة السابقة من جهة ثانية، ما سينقل مئات الملايين من الدولارات من جيوب أصحاب المولدات إلى جيوب المواطنين».
وتعتمد المناطق اللبنانية كافة على التيار الكهربائي الذي توفره المولدات، لسد النقص الناتج عن ساعات التقنين الطويلة وانقطاع تغذية التيار الذي تؤمنه الدولة، بين 3 ساعات و12 ساعة يومياً، وبشكل متفاوت بين منطقة وأخرى.
واستغرب أصحاب المولدات التهديدات التي أطلقها وزير الاقتصاد بمصادرة مولداتهم، ورفض طوني عرموني، أحد مالكي مولدات كهربائية في منطقة بطشاي - كفرشيما (جبل لبنان)، وصف أصحاب المولدات بـ«المافيات». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الدولة أمامها حلان، إما مساعدة أصحاب المولدات بتخفيض سعر مادة المازوت، ما يؤدي تلقائياً إلى خفض التسعيرة عن المستهلك، وإما تأمين التيار للمواطن من خلال شركة الكهرباء. عندها نوقف مصالحنا ونذهب إلى بيوتنا».
وشكّل التلويح بمصادرة المولدات من مالكيها صدمة للعاملين في هذا القطاع. وقال طوني عرموني إن «هذا التهديد أشبه بمن يوقف سيارة تاكسي في الطريق، ويقول لصاحبها: إما تنقلني إلى حيث أريد مقابل دولار واحد، وإما أنتزع منك سيارتك». وأضاف: «نحن أبناء عائلات كريمة ولا نقبل أن يصفنا أحد بأننا مافيات»، موضحاً أن «أغلبية أصحاب المولدات لن يقطعوا الاشتراكات عن المواطنين، ولا يقبلون بتحويل الناس إلى ضحايا القرارات العشوائية لبعض المسؤولين في الدولة. لكن نتمنّى أن يستقيم وضع الكهرباء وتؤمن وزارة الطاقة التيار للمواطن 24 ساعة في اليوم، ونحن عندها نبحث عن مورد رزق آخر».
وأظهرت الدولة ارتياحاً لمجريات اليوم الأول لسريان قرار تركيب العدادات. وأكدت المديرة العامة لوزارة الاقتصاد والتجارة عليا عبّاس لـ«الشرق الأوسط» أن الوزارة «باشرت تنفيذ قرار تركيب العدادات في كلّ لبنان كما وعدت المواطنين».
وأوضحت أن «بعض مالكي المولدات التزموا وركّبوا عداداتهم وفق الشروط التي وضعتها الوزارة، لكن القسم الأكبر لم يلتزموا بعد. غير أن مراقبي الوزارة بدأوا تنظيم محاضر مخالفات للممتنعين، في حين تعهد البعض بتطبيق قرار الوزارة في غضون أيام». وكشفت أن «أعمال الرقابة ستشمل التقيّد بالأسعار التي وضعتها وزارة الطاقة للكيلووات الواحد، بما يؤدي إلى تخفيض قيمة الفاتورة على المستهلك، ويوقف الذرائع التي يعتمدها أصحاب المولدات لاستغلال الناس، وتمكّن المستهلك من التحكّم بمصروفه، ولا يكون رهينة الأسعار العشوائية، وعملية الابتزاز التي يعتمدها مستثمرو هذا القطاع».
ويعاني لبنان أزمة كهرباء مستمرّة بشكل متواصل منذ عقدين، وعجز الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة، عن إيجاد الحلّ الجذري لهذه المعضلة التي تكلّف خزينة الدولة ما يقارب ملياري دولار سنوياً. وتشكّل أزمة الكهرباء أكبر مشكلة للدولة، لأن عجز الكهرباء يقدّر بـ37 مليار دولار من قيمة الدين العام الذي بات على مشارف الـ90 مليار دولار.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.