يمثل غرق المدن المنخفضة عن سطح البحر، واحداً من أخطر تداعيات ظاهرة الاحترار العالمي التي يرصد العلماء تأثيرات باتت ملموسة لها، قبل الوصول لهذا السيناريو المدمر.
ورغم تحذير العلماء من تنامي عن هذا الخطر بشكل ملحوظ، فإن هناك من يتبنى رأياً لا ينكر حدوث تداعيات سلبية للاحترار العالمي، لكنه يستبعد سيناريو غرق المدن الذي يتم الترويج له، وهو رأي رفضه باحثون استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، في حين وجد قبولاً لدى البعض.
استبعاد الغرق
صاحب هذا الرأي المختلف عليه هو الباحث عاطف علم خان، من قسم الجيولوجيا، بجامعة دكا في بنغلاديش، الذي نشر مؤخراً دراسة في دورية «Geoscience Frontiers»، المعنية بدراسات علوم الأرض، فنّد فيها ادعاءات غرق المدن، بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر بفعل ذوبان الجليد في المنطقة القطبية.
وذهب خان في دراسته إلى أن ذوبان الجليد القطبي في حال أدى إلى حدوث ارتفاع لمستوى سطح البحر فلن يؤدي إلى غرق للمدن، كما يتوقع السيناريو الأسوأ لما يسمى بظاهرة «الاحترار العالمي». وعدد خان ظواهر عدة، قال إنها ستعلب دوراً بارزاً في منع حدوث هذا السيناريو، وهي كما ذكرها في دراسته ما يعرف بـ«الانتفاخ الاستوائي» و«التسطيح القطبي»، «فروق ارتفاع السطح الكروي بين خط الاستواء والمنطقة القطبية»، «جذب الجاذبية القوي للمنطقة القطبية وجذب الجاذبية الضعيف للمنطقة الاستوائية».
وشرع خان في شرح الظواهر الأربع، وكيف أنها ستحمي الأرض من هذا السيناريو الكارثي، قائلاً إنه بسبب دوران الأرض حول محورها الخاص، يكون تسارع الجاذبية أقل عند خط الاستواء منه عند القطبين (الفرق نحو 0.0178 م- ث 2 في التسارع بين القطب وخط الاستواء)، ويرجع ذلك إلى أن الأجسام الموجودة عند خط الاستواء تبعد نحو 21 كلم عن مركز كتلة الأرض عنها في القطبين، وبالتالي فإنه حتى لو ذاب الجليد القطبي بأكمله بسبب الاحترار العالمي، فإن المياه الذائبة لن تتدفق نحو المنطقة الاستوائية، حيث يكون سطحها متدرجاً، كما أن جاذبية المنطقة الاستوائية منخفضة جداً مقارنة بالمنطقة القطبية.
وقد يقول قائل إن الظروف بين القطبين قد تكون مختلفة؛ فالمحيط القطبي الشمالي في الشمال محاط بكتلة الأرض، وبالتالي يمكن أن يقيد حركة الجليد العائم، في حين أن القطب الجنوبي في الجنوب محاط بالمناطق المفتوحة، وبالتالي يمكن للثلج العائم أن يتحرك بحرية إلى الشمال.
لكن خان قال «من المرجح أن تكون هذه الحركة محدودة بحد أقصى يصل إلى 60 درجة جنوباً في خط العرض، حيث يحتوي السطح الكروي على الحد الأقصى للانحناء، وكما هو معتاد، لا يمكن أن يتدفق الماء من جاذبية أعلى إلى جاذبية أقل، بل هو على نحو آخر، حيث جذب الجاذبية الأعلى للأقطاب سيجذب الماء من التحرك نحو المنطقة الاستوائية، وسيساعد التدرج الأفقي للجاذبية الأفقية نحو القطبين أيضاً على إبقاء المياه المنصهرة ثابتة في اتجاه المنطقة القطبية».
غرق مؤكد
رغم أن خان دعم دراسته بالخرائط التي تؤيد وجهة نظره، فإن الدكتور مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، تبنى وجهة نظر مغايرة، مفادها أن هناك بعض الشواهد التي تؤكد عظم حجم المشكلة.
وقال علام لـ«الشرق الأوسط»، «من يزر منطقة رأس البر في مصر، سيجد أن (فيللا) كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم، التي كانت قريبة من الشاطئ، أصبحت في وسط البحر المتوسط، وهو ما يكشف بوضوح أن تداعيات المشكلة بدأت تظهر».
ووصف علام دراسة الباحث خان بأنها تسير عكس التيار الذي يتبناه أغلب باحثي العالم، وهو تيار استمد قوته من بوادر الأزمة التي بدأت تظهر؛ وهو ما دفع الدول التي بها دلتاوات إلى الاجتماع قبل ستة أشهر في اليابان لوضع برنامج فني ومالي لمواجهة غرق الشواطئ، كما دفعت هذه المخاوف أخيراً هولندا إلى تخصيص مبلغ 3.2 مليار دولار لعمل حواجز تمنع غرق مدنها بفعل تأثير الاحترار العالمي.
واتفق الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، وممثل مصر بلجنة الاستخدام السلمي للفضاء، مع ما ذهب إليه الدكتور علام. واستشهد النهري في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» بمنطقتين أخريين من مصر بدأتا تتأثران بتداعيات الاحترار العالمي، وهما رشيد ودمياط.
وقال إنه تم فقدان نحو 5 كلم2 من رأس أو حافة رشيد وحافة دمياط نتيجة لارتفاع منسوب البحر 23 سم، وتساءل مستنكراً: ما الأسباب التي أدت إلى حدوث ذلك؟ وشدد على أن الوضع يزداد سوءاً، وأن مصر تعد من أكثر الدول المعرضة لهذا الخطر لانخفاض منسوب سطح البحر في الدلتا إلى 0.5 متر، في حين يزداد منسوب سطح البحر عاماً بعد آخر.
مسألة وقتية
إلا أن الدكتور ممدوح التهامي، الأستاذ بجامعة الإسكندرية، يرفض تحميل مسؤولية هذه الشواهد التي أشار إليها الدكتور علام والدكتور النهري إلى ظاهرة الاحترار العالمي. وقال التهامي في دراسة منشورة بمجلة العلوم البيئة المصرية، إن ارتفاع منسوب المياه في بعض الأوقات بفصل الشتاء على السواحل المصرية، يرجع إلى العواصف البحرية، وهي مسألة وقتية ولا تسبب أي ارتفاع في سطح البحر.
وتابع أن ما يحدث هو تغير في شكل البحر ومتوسط منسوبه، الذي قد يتغير بين يوم وآخر عن طريق عمليتي المد والجزر، فنرى أعلى منسوب للمياه في حالة المد وأدنى منسوب في حالة الجزر.
وأضاف «مع زيادة المتوسط بين المنسوبين ترتفع الموجة ويزداد عمقها، وهي ظاهرة أزلية لا جديد فيها سوى أن تخطيط الشواطئ المصرية لم يتم كما يجب بشكل علمي؛ إذ جرى البناء قرب شاطئ البحر ودخلنا في منطقة نفوذ العواصف ولم نترك لها مساحتها الكافية».
ويميل الدكتور أحمد الجندي، أستاذ علوم البحار بكلية العلوم جامعة الإسكندرية إلى رأي وسط بين الاتجاهين، مفاده أن الوضع ليس خطيراً، لكن يجب أن نتابعه دون أن نخافه. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن نتائج تحليل للبيانات والقياسات الواقعية تؤكد أن الزيادة في منسوب مياه البحر هي نحو 13 سم كل 100 عام، أي ما يعادل 1.3 مليمتر كل سنة تقريباً.