توقعت السعودية أمس أن تبلغ جملة النفقات في ميزانية العام المقبل 2019 نحو 1.106 تريليون ريال (295 مليار دولار)، مرتفعة عن المتوقع إنفاقه خلال العام الحالي بنحو 7 في المائة، حيث أشارت وزارة المالية السعودية إلى أن هذا الإنفاق يأتي في إطار السعي لتحقيق مستهدفات النمو الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص.
وأشارت الوزارة أمس، إلى أن تلك الزيادة جاءت نتيجة ارتفاع نفقات التمويل والإعانات، والمنافع الاجتماعية، والمصروفات الأخرى، كحزم تحفيزية للاقتصاد ودعم للمواطنين، إضافة إلى زيادة في النفقات الاستثمارية والرأسمالية من أجل تعزيز ورفع النمو الاقتصادي.
وجاءت التقديرات الأولية لوزارة المالية السعودية خلال إعلان البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2019 أمس، وهي الخطوة التي تنظم للمرة الأولى في تاريخ البلاد، حيث تضمنت تقديرات أولى ببلوغ إجمالي الإيرادات بنحو 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار) في العام 2019. وذلك بارتفاع نسبته 11 في المائة مقارنة بالعام 2018.
وقال محمد الجدعان وزير المالية السعودي إن استراتيجية المالية العامة تسهم في خفض معدلات العجز وتدعم استدامة المالية العامة، والنمو الاقتصادي على المدى المتوسط، مشيراً إلى نجاح تطبيق الكثير من المبادرات لتنمية الإيرادات غير النفطية، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتحسين آليات استهداف المستحقين بالدعم، فقد انخفض عجز الميزانية خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية 2018 وبلغ نحو 41.7 مليار ريال (11.12 مليار دولار)، منخفضاً بنحو 31 مليار ريال (8.2 مليار دولار) عن العجز المسجل في الفترة المماثلة من العام السابق 2017. رغم نمو النفقات بنسبة 26 في المائة خلال فترة المقارنة.
وأوضح وزير المالية أن صدور تقرير البيان التمهيدي لميزانية 2019 للمرة الأولى يعبّر عن الخطوات الفعلية الجادة لتطوير عملية إعداد وتنفيذ الميزانية العامة للدولة، ورفع مستويات الإفصاح المالي والشفافية فيما يرتبط بالمالية العامة، حيث يستعرض التقرير أهم السياسات والمبادرات المستهدفة في مشروع ميزانية العام القادم 2019 لتحقيق الأهداف المالية والاقتصادية على المدى المتوسط، وعرض توجهات الحكومة لميزانية العام المقبل وقبل صدورها بعدة أشهر كأحد عناصر تطوير التخطيط المالي في السعودية.
وأضاف: «شمل البيان التمهيدي عرض توجهات الحكومة لميزانية العام المقبل في مجالات النفقات والإيرادات والعجز والتمويل وتقديراتها على المدى المتوسط، ومع إمكانية مراجعة هذه التقديرات في ضوء المستجدات المالية والاقتصادية المحلية والدولية حتى تاريخ صدور الميزانية العامة للمملكة للعام المالي 2019 بنهاية العام».
وأفاد بأن برنامج تحقيق التوازن المالي المستهدف تحقيقه بحلول العام 2023، لا يستهدف فقط الأداء المالي، بل تحفيز النشاط الاقتصادي واستدامة المالية العامة على المدى المتوسط، من خلال إطلاق الكثير من المبادرات، التي تستهدف تنمية الأنشطة الاقتصادية خاصة في القطاعات غير النفطية، فتم إطلاق مبادرات مثل برنامج حساب المواطن، وخطة تحفيز القطاع الخاص، وأيضاً برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030»، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق الاستثماري في الميزانية؛ للإسراع في عملية الإصلاح الهيكلي المحفزة للنمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل واعدة ومستمرة.
وبيّن الوزير الجدعان: «النتائج والمؤشرات الاقتصادية الأولية تعكس هذا التقدم، حيث سجّل نمو الناتج المحلي خلال الربع الأول من العام الحالي 2018 نمواً إيجابياً بمقدار 1.2 في المائة مقارنة بمعدل نمو سلبي قدره 0.8 في المائة لنفس الفترة من العام السابق، وساهم في ذلك تعافي الناتج المحلي غير النفطي، الذي سجل نمواً إيجابياً بنسبة 1.6 في المائة مقارنة بنمو سلبي بمقدار 0.3 في المائة خلال الفترة المماثلة من العام السابق».
وأكد أن توجه حكومة خادم الحرمين الشريفين في ميزانية العام القادم 2019 يتمثل في استمرار تطبيق المبادرات والبرامج والمشاريع وفقاً لـ«رؤية المملكة 2030»، التي من شأنها تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية المعلنة والمخطط لها، وفي مقدمتها تنويع الاقتصاد، وتمكين القطاع الخاص من تحقيق دوره في النمو الاقتصادي، واستدامة المالية العامة، وتحقيق التوازن المالي بحلول العام 2023، من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية، ورفع كفاءة الإنفاق، واستمرار التقدم في إصلاحات إدارة المالية العامة وضبطها، مع توفير مساحة مالية تسمح بالتدخل لتصحيح المسار عند الحاجة أو الإسراع في تحقيق الأهداف المالية والاقتصادية، وزيادة القدرة على استيعاب الظروف والصدمات التي قد يواجهها الاقتصاد.
النمو الاقتصادي
وأشار وزير المالية السعودي إلى مستهدفات النمو الاقتصادي للسنة المالية 2019. والمدى المتوسط، موضحا أنه تم إطلاق الكثير من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز معدلات النمو الاقتصادي وتنويع القاعدة الاقتصادية، حيث دخلت مجموعة من البرامج حيز التنفيذ خلال العام الحالي 2018، وبرامج أخرى سوف تُطلق لاحقاً تتضمن في أبعادها إصلاحات هيكلية ذات عوائد اقتصادية متوسطة وطويلة الأجل تستهدف الكثير من القطاعات.
وقال: «الحكومة تسعى إلى تعزيز دور القطاع الخاص في عملية قيادة ودفع عجلة الاقتصاد من خلال مجموعة من البرامج منها برنامج التخصيص، الذي يتيح للقطاع الخاص فرصة ملكية أو إدارة أصول مملوكة للدولة، وتقديم خدمات عامة محددة بدل تقديمها من الحكومة، في إطار الجهود التي تقوم بها الحكومة لزيادة مساهمة دور هذا القطاع في الاقتصاد، وأيضاً المساهمة في عملية جذب الاستثمارات الأجنبية».
استراتيجية تطوير الميزانية
من جانبه قال ياسر القهيدان وكيل وزارة المالية لشؤون الميزانية والتنظيم إن وزارة المالية تبنت استراتيجية لتطوير عملية إعداد الميزانية. إذ انطلقت عملية إعداد ميزانية السنة المالية 2019 منذ اليوم الأول من السنة المالية الحالية، وذلك باتخاذ خطوات حقيقية لتطوير عملية إعداد الميزانية العامة للدولة وفق أعلى الممارسات المتبعة عالمياً، شملت إجراءات الحوكمة والشفافية، ورفع نسبة مشاركة الجهات الحكومية ضمن أطر تنظيمية واضحة المسؤوليات، تحقق في ذلك مستهدفات «رؤية المملكة 2030».
وأضاف القهيدان: «يتوقع أن تبلغ جملة النفقات في ميزانية العام 2019 نحو 1.106 تريليون ريال (295 مليار دولار) مرتفعة عن المتوقع إنفاقه خلال هذا العام بنحو 7 في المائة في إطار السعي إلى تحقيق مستهدفات النمو الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص».
تخفيف آثار تقلب أسعار النفط
من جهته بيّن طارق الشهيّب وكيل وزارة المالية لشؤون الإيرادات أن حكومة السعودية تسعى منذ سنوات إلى تخفيف آثار تقلبات أسعار النفط، الذي لا يزال يمثل العنصر الرئيسي لإيرادات المالية العامة رغم ارتفاع الإيرادات غير النفطية، وهو الأمر الذي تطلب تطبيق إصلاحات مالية وهيكلية لتنويع مصادر الدخل، وتسعى «رؤية السعودية 2030» إلى مواجهة شاملة لهذه التحديات من خلال إصلاحات مالية واقتصادية وهيكلية محددة ومتعددة النطاق من أهمها التنمية الاقتصادية وتحقيق التوازن المالي في المدى المتوسط.
وقال الشهيب: «الإجراءات والإصلاحات المالية التي تم تطبيقها خلال العامين الماضيين بدأت تؤتي ثمارها وتؤثر مباشرة وبشكل إيجابي على إجمالي الإيرادات النفطية وغير النفطية للدولة، وتزيد من تنوع مصادر الإيرادات، وأن التقديرات الأولية تشير إلى بلوغ إجمالي الإيرادات نحو 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار) في العام 2019. وذلك بارتفاع نسبته 11 في المائة مقارنة بالعام 2018».
من جانبه أكد الدكتور سعد الشهراني مدير عام وحدة السياسات المالية والكلية أن المالية العامة تواجه الكثير من التحديات في المدى المتوسط، ويأتي على رأس تلك التحديات السيطرة على معدلات العجز والدين العام، وتخفيف آثار تقلبات أسعار النفط من خلال تنمية الإيرادات غير النفطية، ورفع كفاءة النفقات التشغيلية والرأسمالية، إضافة إلى مجموعة من التحديات الاقتصادية يأتي منها تنويع مصادر النشاط الاقتصادي في البلاد».
وزاد: «بالإضافة إلى زيادة دور القطاع الخاص في قيادة النمو الاقتصادي، ولذلك أطلقت حكومة خادم الحرمين الشريفين الكثير من البرامج والمبادرات التي تصب ضمن هذا النطاق، كبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية لتنمية الصناعة والمحتوى المحلي في عدة قطاعات مثل الطاقة المتجددة، والصناعات العسكرية والصادرات والتعدين، ويتضمن ذلك تحسين البنية التحتية ودعم الصادرات وتطوير الخدمات اللوجيستية اللازمة؛ لتصبح المملكة منصة صناعية ولوجيستية مميزة بين القارات الثلاث، ما يُمّكن من خلق فرص عمل واعدة للمواطنين».
وقال الشهراني: «البرامج والمبادرات التي تسعى الحكومة إلى تطبيقها في المدى المتوسط، تستهدف تحقيق عوائد اقتصادية تمكّن المملكة من تحقيق اقتصاد أفضل وواعد، إذ تشير تقديرات وزارة المالية الأولية إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي السنوي يبلغ نحو 2.3 في المائة العام 2019. ويُتوقع أن تؤدي آثار الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية في المديين المتوسط والطويل إلى تحقيق معدلات أعلى».
وتابع: «من المتوقع أن تسهم الإصلاحات المالية الهادفة إلى خفض عجز الميزانية في اكتساب ثقة المستثمرين، بالإضافة إلى عمليات الخصخصة، وبرامج تنمية بعض القطاعات الإنتاجية المعلن عنها في برامج رؤية السعودية 2030 لحدوث زيادة تدريجية في نمو النشاط الاقتصادي غير النفطي، بالإضافة إلى الإصلاحات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد عموماً وسوق العمل على وجه التحديد»، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يستمر نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الارتفاع تدريجياً على المدى المتوسط ومع تزايد معدلات نمو الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي.
وحول مستهدفات المالية في المدى المتوسط، بيّن الشهراني أن الإصلاحات المالية تهدف إلى المحافظة على معدلات عجز منخفضة، ومن المتوقع أن يستمر العجز في الانخفاض التدريجي على المدى المتوسط من 4.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في العام 2019. إلى 3.7 في المائة في العام 2021 حتى يصل إلى التوازن المالي بحلول العام 2023، كما هو مخطط له في برنامج تحقيق التوازن المالي، مدفوعاً بتنامي الإيرادات بمتوسط سنوي 6 في المائة، مفيداً بأن الحكومة قد حددت سقفاً للدين العام كنسبة من الناتج المحلي عند 30 في المائة، وذلك حسب ما أعلن في برنامج التحول الوطني 2020. وهذه النسبة تعد منخفضة مقارنة بنسب الدين العام المرتفعة لدول مجموعة العشرين، وهو ما يعكس متانة وقوة المركز المالي للبلاد.
وحدة الشراء الاستراتيجي - مركز كفاءة الإنفاق
كشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن أن مركز كفاءة الإنفاق يعمل على إنشاء وحدة الشراء الاستراتيجي وهي وحدة جديدة تهدف لتوحيد مشتريات الحكومة التي يمكن جمعها، مما يعطي قدرة أكبر للحكومة للشراء الاحتياجات المختلفة، موضحاً أن ذلك ينتج عنه أسعار أفضل عطفاً على الشراء بالكميات الكبيرة.
وأكد الجدعان في رده على «الشرق الأوسط» حول مدى تحقيق كفاءة الإنفاق في الميزانية الحالية والقادمة، أن مهام وحدة الشراء الاستراتيجي تتضمن أيضا البرمجيات، وقال: «عندما تتفاوض الوزارة مع مطور برمجية معينة تأخذ منه نسخا معدودة بسعر معين، بينما وحدة الشراء الاستراتيجي ستأخذ أضعاف العدد، فإن ذلك يقضي لاختلاف السعر بشكل كبير جداً». وزاد: «نعتقد أن وحدة الشراء الاستراتيجي ستؤثر بشكل كبير على المدى البعيد في الميزانيات القادمة».
وبين أن وحدة الشراء الاستراتيجي تأتي ضمن ثلاثة أدوار يقوم بها مركز كفاءة الإنفاق والذي يعتبر وحدة مستقلة، حيث تتمثل الأدوار الأخرى في التحقق من كفاءة الإنفاق التشغيلي، من خلال عمل المركز مع الجهات الحكومية لمساعدتهم لرفع كفاءة الإنفاق، وهو تحقيق أكبر عائد مما تم إنفاقه، ويعتقد أنه له أثر أوسع وأكبر في الاقتصاد.
وأضاف الوزير أن الدور الثاني يتمثل في التأكد من الإنفاق الرأسمالي، ليتم إنفاقه بكفاءة عالية، موضحاً أنه منذ بداية عمل المركز وحتى الآن حقق وفرا فعليا وصل إلى 79 مليار ريال (21 مليار دولار) بخلاف الوفر المستهدف نتيجة ما سيعمله المركز مستقبلاً.