تضارب الأنباء حول سحب فصائل السلاح الثقيل من «المنطقة العازلة»

«المرصد» يتحدث عن إخراج «الجبهة الوطنية للتحرير» من مناطق في ريف إدلب

دخان يتصاعد من ريف اللاذقية بعد قصف مدفعي من قوات النظام أمس (وكالة خطوة)
دخان يتصاعد من ريف اللاذقية بعد قصف مدفعي من قوات النظام أمس (وكالة خطوة)
TT

تضارب الأنباء حول سحب فصائل السلاح الثقيل من «المنطقة العازلة»

دخان يتصاعد من ريف اللاذقية بعد قصف مدفعي من قوات النظام أمس (وكالة خطوة)
دخان يتصاعد من ريف اللاذقية بعد قصف مدفعي من قوات النظام أمس (وكالة خطوة)

تضاربت الأنباء حول بدء فصائل سورية معارضة سحب السلاح الثقيل من «المنطقة العازلة» في شمال سوريا بموجب الاتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في سوتشي في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقال ناجي مصطفى، الناطق باسم «الجبهة الوطنية للتحرير» التي تضم عدداً من الفصائل المقاتلة؛ أمس: «لم يتم سحب السلاح الثقيل من أي منطقة من المناطق أو أي جبهة من الجبهات. الكلام منفي؛ منفي بشكل قاطع»، عقب إعلان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» صباح أمس عن بدء أول عملية سحب آليات ثقيلة لمجموعات من «فيلق الشام».
وذكر مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن في وقت سابق أن «مجموعات من (فيلق الشام) تسحب منذ صباح الأحد آلياتها الثقيلة من دبابات ومدافع في ريف حلب الجنوبي وضواحي مدينة حلب الغربية الواقعة ضمن منطقة نزع السلاح» التي يشملها الاتفاق والمجاورة لمحافظة إدلب (شمالي غرب).
وأوضح عبد الرحمن أن «فيلق الشام» الذي يضم «من 8500 إلى 10 آلاف مقاتل» هو أحد فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» التي تشكلت مطلع أغسطس (آب) الماضي بدعم من أنقرة في محافظة إدلب والمناطق المجاورة لها في محافظات حلب وحماة واللاذقية الخاضعة لسيطرة الفصائل المقاتلة. وأشار مدير «المرصد» إلى أن الفصيل «يعد ثاني أقوى فصيل من حيث العتاد والثالث الأقوى من حيث العديد في الشمال السوري».
ونفى هذا الفصيل المعارض لوكالة الصحافة الفرنسية قيامه بأي حركة تتعلق بآلياته أو مقاتليه. وقال المسؤول الإعلامي لـ«فيلق الشام» سيف الرعد: «لا يوجد هناك أي تغيرات بمواقع الأسلحة أو إعادة ترتيب للمقاتلين» مشيرا إلى «التزامنا بالاتفاق في سوتشي».
إلا إن «المرصد» أكد الانسحاب رغم هذا النفي، مشيرا إلى أن الآليات تم سحبها بالفعل. وأشار عبد الرحمن إلى أن انسحاب الآليات تم في عدد من البلدات ومن بينها «خلصة والراشدين والمنصورة».
وينص الاتفاق الروسي - التركي الذي تم التوصل إليه في مدينة سوتشي الروسية على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق بين 15 و20 كيلومتراً على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل عند أطراف إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة وتحديداً ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي.
ويتضمن الاتفاق الذي جنّب إدلب، آخر معقل للفصائل، هجوماً واسعاً لوحت به دمشق، أن تسلّم كل الفصائل الموجودة في المنطقة العازلة سلاحها الثقيل بحلول 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وينسحب الجهاديون تماماً منها بحلول 15 من الشهر نفسه، على أن تنتشر فيها قوات تركية وشرطة عسكرية روسية.
وظهرت عقبة مع إعلان فصيل «جيش العزة» السوري المعارض الذي ينشط تحديداً في ريف حماة الشمالي، في بيان رفضه الاتفاق؛ في أول رفض علني يصدر عن تنظيم غير متطرف، بعدما كانت «الجبهة الوطنية للتحرير»، وهي تحالف فصائل معارضة بينها «حركة أحرار الشام»، رحبت مطلع الأسبوع بالاتفاق، مع تأكيدها «عدم ثقتها» بالجانب الروسي.
وعدّ فصيل «جيش العزة» أن الاتفاق يأتي لصالح النظام، مشيرا إلى أنه «يقضم المناطق المحررة ويعمل على إعادة تعويم بشار الأسد» حسبما قال قائد «جيش العزة» الرائد جميل الصالح لوكالة الصحافة الفرنسية.
وطالب الفصيل في بيان على حسابه بموقع «تويتر»، أن تكون المنطقة العازلة «مناصفة»، أي أن تشمل مناطق تحت سيطرة قوات النظام وتحت سيطرة الفصائل المقاتلة بشكل متساوٍ.
ويضم «جيش العزة»، وفق «المرصد السوي لحقوق الإنسان»، نحو 2500 مقاتل ينتشرون خصوصاً في منطقة سهل الغاب واللطامنة في ريف حماة الشمالي. وتلقى الفصيل خلال السنوات الماضية دعماً أميركياً وعربياً ثم تركياً. لكن علاقته ساءت مع أنقرة مؤخراً بعد رفضه الانضواء في صفوف «الجبهة الوطنية للتحرير».
وأعقب رفض «جيش العزة» الامتثال للاتفاق ليلة السبت - الأحد، تبادل قذائف وقصف مدفعي ثقيل بين الفصائل المقاتلة والمتطرفة من جهة؛ وقوات النظام من جهة أخرى، في محافظتي حماة واللاذقية.
وأشار «المرصد»، الذي لم يذكر وقوع إصابات، إلى تواصل القصف الأحد «في شمال حماة وشمال شرق اللاذقية».
كما لم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي من «هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)» التي تسيطر على أكثر من نصف مساحة إدلب وكانت أعربت سابقاً عن رفضها «المساومة» على السلاح، لكنها كانت تجري محادثات داخلية مكثفة الأحد لاتخاذ قرار نهائي بشأن موقفها من الاتفاق، بحسب «المرصد».
وأعلن تنظيم «حراس الدين» قبل أسبوع في بيان جرى تناقله على مواقع التواصل الاجتماعي وأكده «المرصد»، رفضه «هذه المؤامرات وهذه الخطوات كلها».
ومحافظة إدلب آخر معقل رئيسي للفصائل المعارضة والمتطرفة، ويسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة عليها في إطار مواصلة انتصاراته بعد أن أصبح يسيطر الآن على نحو ثلثي الأراضي السورية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.