«الشباب الصومالية»... تمدد تنظيمي وجغرافي تحت الهجمات

تتصدر المشهد الإرهابي في القرن الأفريقي

حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
TT

«الشباب الصومالية»... تمدد تنظيمي وجغرافي تحت الهجمات

حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)

تسارعت في الأسابيع الأخيرة وتيرة الهجمات التي تشنها «حركة الشباب» الصومالية، كما توسعت مساحة تحرك هذا التنظيم الإرهابي، لتشمل مناطق واسعة من جغرافية البلد الذي يعيش أزمة استقرار، في غياب جيش وطني منظم. وبحسب تقارير لباحثين ومراكز مختصة في القرن الأفريقي والمنظمات الإرهابية في الصومال، فإن النشاط النوعي الحالي لـ«الشباب المجاهدين»، بزعامة أحمد ديري أبو عبيدة، يعود لعاملين أساسيين.
ويتعلق الأول بالمرونة التي اكتسبها التنظيم، والتي أهلته للتكيف مع الظروف الصعبة التي عاشها في الفترة الممتدة بين 2014 و2017. أما العامل الثاني، فيتمثل في قدرة التنظيم على إعادة بناء نفسه، مع استقطاب مناصرين جدد، خصوصاً في الجنوب وعلى الحدود الكينية.
وتفيد عدة دراسات أن «حركة الشباب» الإرهابية حدث لها نوع من «الصحوة» مع مجيء الرئيس الصومالي الحالي محمد عبد الله محمد، في فبراير (شباط) 2017. ومن تلك التقارير التي تناولت هذا الوضع الجديد ما نشر أخيراً في مجلة «الحرب الطويلة»، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). فقد أشارت المجلة إلى عودة «حركة الشباب» الصومالية المتطرفة لصدارة المشهد الإرهابي في القرن الأفريقي، وبالصومال تحديداً، مما يشكل تحدياً للسلطات الرسمية، ولجهود القوات الأفريقية، وقوات «أفريكوم».
وفي هذا السياق، تتبعت المجلة هجمات تنظيم أحمد ديري أبو عبيدة في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2017 وأبريل (نيسان) 2018، مسجلة أن وتيرة هجماته الإرهابية تدل على نوعيتها، وازدياد عددها، وتوسيع الجغرافية المستهدفة من «حركة المجاهدين»، مما يؤشر إلى توسع تنظيمي، وقدرة فائقة على السيطرة والانتشار في جغرافية جديدة، لم يكن للتنظيم نفوذ قوي فيها.
فقد استطاعت «حركة الشباب» الإرهابية شن 418 هجوماً في ظرف 6 أشهر، وبالتحديد في الفترة ما بين أكتوبر 2017 وأبريل 2018، وتسارعت وتيرة هجماتها في شهر أغسطس (آب) الحالي، وأصبحت شبه يومية. وفي مؤشر على تصاعد قوة التنظيم الإرهابي، لم تعد هجماته تتركز على العاصمة مقديشو ونواحيها، التي شهدت 125 هجوماً في 6 أشهر، بل استطاع التنظيم الوصول إلى وسط وجنوب البلاد، وبلدات ومناطق بعيدة عن العاصمة، يسيطر عليها الجيش الصومالي والقوات الأفريقية، ونفذ فيها 277 هجوماً.
كما استطاعت هذه الحركة المتطرفة، المنبثقة عن اتحاد المحاكم الإسلامية الصومالية، أن تنفذ في الفترة المشار إليها أعلاه 16 هجوماً إرهابياً داخل التراب الكيني.

هجمات مكثفة
ويبدو أن تنظيم «حركة الشباب» استعاد قوته، وأصبحت تحركاته أكثر انسيابية، مع ربح حاضنة اجتماعية جديدة، في رقعة جغرافية شاسعة. وتدل على ذلك وتيرة الهجمات التي أخذت في الشهر الماضي طابعاً تصاعدياً ونوعياً، حيث تجاوزت في بعض الأحيان 3 هجمات في الأسبوع الواحد. فقد شن «شباب المجاهدين» هجوماً إرهابياً يوم 12 سبتمبر (أيلول) الحالي على مدينة مركا، مركز بإقليم شبيلي السفلى، التي تبعد بنحو 90 كيلومتراً عن العاصمة مقديشو، حيث اقتحم مقاتلو التنظيم بعض أحياء المدينة قبل أن ينسحبوا منها.
من جهتها، أشارت السلطات الكينية، الأسبوع الماضي، إلى أن تنظيم «حركة الشباب» استطاع رفع وتيرة الهجمات، وكذلك وسع من استقطابه للشباب في المحافظات الشمالية في كينيا، المتاخمة للحدود الصومالية. وأكد علي روبا، حاكم منديرا، أن مقاتلي التنظيم يقومون حالياً بعملية تجنيد واسعة على الحدود، وفي عمق التراب الكيني، مما يشكل تهديداً حقيقياً لبلده. كما أشار إلى أنه «لم يتغير أداء الحكومة الوطنية في مجال الأمن؛ نحن بحاجة إلى تحسين نهجنا لمعالجة التطرف والإرهاب».
ومن العمليات النوعية التي تشير إلى قدرة تنظيم الشباب على المس بالاستقرار، وإرباك الدولة الصومالية الهشة، الهجوم الذي نفذه التنظيم الإرهابي يوم 23 يوليو (تموز) الماضي على إحدى القواعد العسكرية جنوب الصومال، والذي أسفر عن مقتل 27 جندياً. وقد تمكنت الحركة من السيطرة على القاعدة العسكرية البعيدة عن ميناء كيسمايو نحو 50 كيلومتراً.
وفي السياق نفسه، نفذ التنظيم المتطرف هجوماً على عدة قواعد عسكرية لقوات الحكومة الصومالية في مدينة دينسور، بإقليم باي بولاية جنوب غربي الصومال، بداية الشهر الحالي. وبحسب تصريحات رسمية، فإن الهجمات أسفرت عن مقتل جندي صومالي، وإصابة اثنين آخرين، كما قتل 4 من مقاتلي «حركة الشباب» الذين شنوا هجوماً من عدة محاور على القواعد العسكرية.
وبعد يوم واحد فقط من هذه العملية، شنت «حركة الشباب المجاهدين» هجوماً كبيراً في ولاية غلمدغ. وأوضح أحمد دعالي جيلي أن التنظيم الإرهابي تمكن في هذا الهجوم من اختطاف ما يقرب من 70 شيخاً من شيوخ القبائل في الولاية، وتوجه بهم الإرهابيون لقاعدة الحركة بمدينة عيل بور، التي تسيطر عليها الحركة المتطرفة، والواقعة في الأقاليم الوسطى في الصومال.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم يأتي بعد تصاعد الخلافات بين قبائل المنطقة مع التنظيم الإرهابي، إثر مطالب من هذا الأخير تتعلق بتجنيد المزيد من أبناء المنطقة في صفوف مقاتلي «حركة الشباب». وتحولت الخلافات لمواجهات متقطعة في مناطق قريبة من مدينة حررطيري، في إقليم مدغ بالولاية، في شهر سبتمبر الحالي، قبل أن يشن التنظيم المتطرف هجومه على المنطقة، ويختطف الشيوخ، الذين لا يزالون رهائن بيد التنظيم.
وفيما يخص العاصمة ونواحيها، شن التنظيم الإرهابي، بقيادة أحمد ديري أبو عبيدة، هجوماً واسعاً على مدينة أفجوي القريبة من العاصمة مقديشو الأسبوع الماضي، واستمر القتال بين مقاتلي التنظيم والقوات الصومالية، مدعومة بالقوات الأفريقية، لساعات، تمكن فيها مقاتلو التنظيم الإرهابي من السيطرة على عدة أحياء بالمنطقة. كما أسفرت المعركة، وفقاً لبيانات رسمية، عن مقتل 3 جنود صوماليين، وجرح 6 آخرين، فيما تمكن الإرهابيون من الانسحاب من المنطقة.
وفي الإطار نفسه، شنت «حركة الشباب»، الأسبوع الماضي، هجوماً كبيراً على مدينة مركا، مركز محافظة شبيلي السفلى، جنوب العاصمة مقديشو، شارك فيه العشرات من مقاتلي التنظيم، ووقع خلاله تبادل عنيف لإطلاق النار، قبل أن ينسحب المهاجمون من المنطقة. وأشار مدير مركا، حسن معلم، إلى أن الهجوم فشل بفضل العمل الاستخباراتي، وعلم السلطات بتوقيت الهجوم الإرهابي.

الغارات الأميركية
ووفقاً للمتغيرات الجديدة، التي أخذت بعين الاعتبار هشاشة الوضع الأمني والمؤسساتي الصومالي، تحاول الولايات المتحدة الأميركية تقديم مزيد من الدعم، عبر تكثيف الغارات على مواقع «حركة الشباب» الصومالية. ومن الغارات الأخيرة الحديثة المعلنة، من طرف الجيش الأميركي، على مواقع لتنظيم الشباب، ما أعلنته قيادة «أفريكوم»، الشهر الماضي، وهي التي أسفرت عن مقتل 3 من مقاتلي حركة الشباب، في منطقة تبعد 40 كم من العاصمة الصومالية مقديشو.
وفي مؤشر واضح على تصاعد الغارات الجوية ضد التنظيم المتطرف، شنت طائرة، يعتقد أنها أميركية، هجوماً يوم الفاتح من سبتمبر على قاعدة عسكرية لـ«حركة الشباب» بمدينة بؤالي، مركز إقليم جوبا الوسطى، جنوب الصومال. وبعد أسبوع من هذا الحدث، عادت طائرة مجهولة لتنفيذ هجوم ليلي في منطقة بمدينة جلب» في إقليم جوبا الوسطى، جنوب الصومال، أسفر عن قتل قيادي من «حركة الشباب».
ووفقاً لأحدث تقرير لمجلة «الحرب الطويلة»، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، فإن السياسة الجديدة لتتبع الإرهابيين بالصومال تتركز على «حركة الشباب»، في سعي حثيث للحد من نفوذ التنظيم وتقويض قوته. فقد أشار الباحث المتخصص بيل روجيو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمحرر بمجلة «الحرب الطويلة» التابعة لوزارة الدفاع، والباحثة أليكساندرا جوتوسكي، محللة الشؤون العسكرية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أن وتيرة الغارات أظهرت ارتفاعاً في الغارات الجوية المستهدفة لتنظيم الشباب. ويبدو أن كثافة الهجمات الجوية تتجه لتجاوز الرقم القياسي المسجل لسنة 2017، حيث يشير الباحثان إلى أن «أفريكوم» شنت 21 ضربة ضد حركة الشباب في الصومال حتى الآن (مع غارتين غير معلنتين، مشار إليهما أعلاه).
هذا، ويلاحظ أن الهجمات الجوية سنة 2018 ضد حركة الشباب متفرقة، وأكثر توسعاً جغرافياً، من نظيرتها لسنة 2017، مما يدل على توسع نفوذ تنظيم «حركة الشباب» من الناحية الجغرافية. ويشير كل من الباحث بيل روجيو والباحثة أليكساندرا جوتوسكي في هذا الصدد إلى الغارتين الجويتين في يونيو (حزيران) 2018، اللتين شنتهما الولايات المتحدة ضد حركة الشباب في محيط بوساسو، شمال الصومال، وغارات شهر أغسطس 2018، حيث استؤنفت الهجمات في الجنوب، بعيداً عن العاصمة مقديشو.
ورغم كل هذه المجهودات، فإن «حركة الشباب» لا يزال قادراً على الضرب بقوة في أماكن عدة داخل العاصمة، وفي وسط البلاد وجنوبه. وتعترف التقارير الرسمية الأميركية بأن الجهد المبذول سنة 2017 لم يكن كافياً، وأن هناك صعوبات تعترض الانتصار على «الشباب المجاهدين»، خصوصاً أن الصومال دولة من دون جيش.
وبهذا، يفسر التقرير الأخير لمجلة «الحرب الطويلة» تركز «الهجمات الأميركية الجوية لعام 2017 ضد حركة الشباب بشكل كامل في جنوب الصومال، خصوصاً بمنطقة جيليب والمناطق المحيطة بها، التي تعتبرها ملاذاً آمناً ومعروفاً لشبكة القاعدة في شرق أفريقيا». ووفقاً للتقارير الأميركية الصادرة عن وزارة الخارجية حول الإرهاب لعام 2016، فإن حركة الشباب تحتفظ بملاذ آمن في وادي نهر جوبا، وتسيطر على «عدة قرى وبلدات في جميع أنحاء منطقة جوبالاند، بما في ذلك جانايل وجيليب وكونيو بارو».
وبكلمة، يمكن القول إن هناك عوامل داخلية تساعد على العودة القوية لحركة الشباب الإرهابية. ومن هذه العوامل المثارة في الأسبوعين الأولين من أغسطس 2018 ما يرتبط بالصراعات الدائمة الجارية وسط النخبة العسكرية والأمنية والسياسية الصومالية.
يشار إلى أن نشر وثيقة تتهم مدير الاستخبارات بالتعاون مع «الشباب»، جاء بعد إصدار الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو مرسوماً رئاسياً أعفى بموجبه عبد الله عبد الله من قيادة وكالة المخابرات الوطنية، كما جرده المرسوم من جميع الرتب العسكرية، واتهمه بخرق قانون القوات المسلحة، والقوانين الفرعية المنظمة لوكالة الاستخبارات والأمن القومي.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».