حظي الخطابان اللذان ألقاهما في الجمعية العامة للأمم المتحدة كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بردود فعل رافضة ومتذمرة في الجانبين. ففي إسرائيل انتقد اليمين الحاكم خطاب عباس وامتدح خطاب نتنياهو واعتبره «أقوى خطاب لقائد إسرائيلي عبر التاريخ»، فيما هاجمه اليساريون والليبراليون معتبرين أنه «متبجح ومغرور». وفي الجانب الفلسطيني، اعتبر قادة السلطة وإعلاميون خطاب نتنياهو استفزازياً وخطاب عباس قوياً وصادقاً، فيما اعتبرت حركة حماس كلام الرئيس الفلسطيني تهديداً للمصالحة و«استنساخاً للفشل».
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور صائب عريقات، إن «نتنياهو اعتلى درجة أخرى في مستوى أكاذيبه وتحريضه، في كافة المواضيع التي تناولها خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة».
وبدا أن الإسرائيليين يجمعون على الإشادة بنتنياهو على ظهوره «القوي والجذّاب» في الصحافة الغربية وأمام السياسيين والرأي العام، خصوصاً فيما يتعلق بإيران، وما كشفه للعالم عن المنشأة النووية السرية في طهران وغيرها، ولكن انتقادات واسعة سمعت ضده أيضاً، خصوصاً عندما وضع قضية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني كقضية جانبية. وهاجمه بشكل خاص رئيسا الحكومتين الإسرائيليتين الأسبقان. فقال إيهود أولمرت: «لقد نفذت عمليات بطولية في عهد رئاستي للحكومة. بعضها تبدو كالخيال تحسبها قصص فيلم سينمائي، لكننا لم نركض إلى المنابر لنتحدث عنها». وقال إيهود باراك: «نتنياهو يظهر أمام العالم متبجحاً مغروراً وهو بذلك يسيء لإسرائيل أولاً ويجعلها محطاً للكراهية. لكن الأهم أنه لا يبشر بأي أمل للمواطنين. يشيد ببطولات حربية ويعد بمزيد منها، وينسى أن الناس انتخبوه ليصنع السلام». ولخص باراك: «خطاب نتنياهو لامع على المستوى الفني والقريب ونتائجه مدمرة استراتيجياً».
وأبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية ما قاله مسؤول في الاستخبارات الأميركية لوكالة «رويترز» للأنباء، حول ما أظهره نتنياهو من بطولات، فقال إن «المعلومات التي طرحها مضللة قليلاً. فأولاً، نحن نعرف عن هذه المنشأة (في طهران) منذ فترة. وهي مليئة بالخزائن والأوراق، وليس بأنابيب الألمنيوم الموصولة بأجهزة طرد مركزية. ثانياً، مثلما يعرف الجميع، لا يوجد فيها أي شيء يمكن أن يسمح لإيران بالخروج من الاتفاق النووي بسرعة». وقال مسؤول أميركي آخر للوكالة نفسها، إن الولايات المتحدة تعلم بشأن المنشأة التي «كشفها» نتنياهو، وهي عبارة عن «مخزن» يتم فيه الاحتفاظ بـ«وثائق وأرشيف» للبرنامج النووي. أي أن المكان معروف لأجهزة الاستخبارات ونتنياهو لم يكشف شيئاً.
ووجه معلقون عديدون انتقادات لنتنياهو، فكتب المراسل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، شمعون شيفر، إن الاستنتاج المطلوب في أعقاب خطاب نتنياهو، وتأكيده أن إيران مستمرة في محاولة التسلح نووياً، وأن «حزب الله» يملك خطة لإطلاق صواريخ دقيقة باتجاه إسرائيل، يعني «أننا نقف على عتبة الحرب». واعتبر أن استمرار إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، في انتهاج «سياسة مواجهة» مع إيران يمكن أن يؤدي إلى مقتل «الآلاف». وشدد على ضرورة الاستعانة بـ«الدول العظمى كي تتوصل إلى تسوية مع إيران. ليس لدى إسرائيل وحدها الوسائل والقدرات لمنع طهران من الحصول على القنبلة».
وحذر شيفر من أن نتنياهو يضع كل رصيده في أيدي الرئيس دونالد ترمب، ويقود إلى الانفصال عن أوروبا بشكل كامل، على اعتبار أنها «متسامحة» مع إيران. وشدد على أنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن «نتنياهو حصل على حبة دواء مهدئ عندما كرر ترمب القول إنه يفضّل حل الدولتين. وثمة أهمية هنا أيضاً للإشارة إلى خلاصة الأمر: لا توجد خطة حقيقية لدى الأميركيين. وكافة الأقوال حول (صفقة القرن) ليست جدية. كما أنه لا توجد أي مبادرة من جانب نتنياهو لوضع أفق للحل. ونتنياهو يؤمن بأن استمرار الوضع الحالي في المناطق (المحتلة) جيد لإسرائيل».
ورأى مراسل صحيفة «معريب» في نيويورك، شلومو شمير، أن «رسالة نتنياهو ضد إيران هي عملية إعلان حرب، وتصريح واضح ومتشدد، لا لبس فيه، بأن إسرائيل لن توقف جهودها السرية والعلنية بهدف إحباط ولجم تطلعات إيران لتطوير سلاح نووي». وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اعتبر شمير أن «نتنياهو فنّد وسخّف الاتهامات لإسرائيل بأنها نظام (أبارتهايد)، ولم يتردد في وصف عداء الأمم المتحدة لإسرائيل بأنه عداء للسامية. لكن ما كان ناقصاً في الخطاب، هو تصريح واضح حول استعداد إسرائيل لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة».
أما خطاب عباس، فقد قابلته حركة حماس بتحميله كل التبعات المترتبة على أي خطوات قد تستهدف قطاع غزة. ووصفت الحركة، في بيان، خطاب عباس «بأنه خطاب مكرور يستعرض الحالة التي أوصلت الفلسطينيين إليها سياساته». وقالت الحركة «إن وصف المقاومة من على منبر الأمم المتحدة بأنها ميليشيا وإرهاب، ورفضه لسلاحها، هو طعنة نجلاء في خاصرة الشعب وتاريخه ومقاومته وشهدائه، وهدية مجانية للاحتلال».
ورأت الحركة أن الخطاب كان في «مجمله خطاباً مكرراً يستعرض الحال الذي وصلت إليه القضية بفعل سياسات الرئيس، ونتيجة أخطائه في عدم توقع سلوك الأطراف المختلفة رغم تحذيرات كل الفصائل». واعتبرت أن دعوة عباس للاستمرار في مسار المفاوضات ما هو إلا «استنساخ للفشل ومضيعة للوقت، وفرصة ممنوحة للاحتلال يستغلها لتغيير الواقع السياسي عبر الاستيطان والتهويد وغيره».
واتهمت الرئيس الفلسطيني بأنه استخدم منبر الأمم المتحدة لإعلان «الانفصال» عن قطاع غزة، وتهديد أهله وسكانه بالمزيد من العقوبات، ما يشكل «خطراً على النسيج الوطني الفلسطيني ومستقبل المصالحة»، وفق البيان.
من جانبها، وصفت «الجبهة الديمقراطية» خطاب عباس بأنه كان دون ما ينتظره الفلسطينيون بالإعلان عن تنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني حول قطع العلاقات مع إسرائيل، معتبرة أن الخطاب خالف تلك القرارات. وشددت على ضرورة أن يقوم الرئيس عباس بـ«استنهاض المقاومة الشعبية الشاملة والتحول إلى حالة من العصيان الوطني ونقل القضية إلى المحافل الدولية لنزع الشرعية عن الاحتلال».
أما «الجبهة الشعبية» فرأت أن الخطاب كان «باهتاً ومخيباً للآمال»، ولم يكن بمستوى «التحديات الجسيمة» للقضية الفلسطينية. واعتبرت أنه استند إلى أسس مكررة مرتكزة على برنامج يؤمن بالتسوية والمفاوضات، وهو ما «ثبت فشله» من خلال التجربة على مدار ربع قرن.
واعتبرت خطابه بشأن غزة لا يساهم إطلاقاً في دفع عجلة المصالحة، بل يزيد من حالة الشرذمة، مشددة على ضرورة دعوة الإطار القيادي المؤقت بصورة عاجلة من أجل إطلاق حوار وطني شامل جاد.
ودعت الرئيس عباس إلى الإجماع الوطني والتحرك وفق خطة واستراتيجية وطنية موحدة تؤمن عبور الفلسطينيين إلى مرحلة جديدة، بدلاً من الرهان على المفاوضات والحلول المجربة والفاشلة، وفق بيانها.
انتقادات لخطابي عباس ونتنياهو في الأمم المتحدة
أولمرت وباراك يهاجمان رئيس الوزراء الإسرائيلي «المغرور»... و«حماس» تعتبر أن الرئيس الفلسطيني يهدد المصالحة
انتقادات لخطابي عباس ونتنياهو في الأمم المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة