الأطفال الصغار يهتمون بانطباعات الآخرين منذ سن مبكرة

يغيرون سلوكهم بعد رصد رد الفعل الإيجابي أو السلبي

الأطفال الصغار يهتمون بانطباعات الآخرين منذ سن مبكرة
TT

الأطفال الصغار يهتمون بانطباعات الآخرين منذ سن مبكرة

الأطفال الصغار يهتمون بانطباعات الآخرين منذ سن مبكرة

لا شك في أن آراء الآخرين لها أهمية كبيرة بالنسبة لمعظم الناس. وكلما كانت هذه الآراء والانطباعات إيجابية، زاد الرضا عن الذات والثقة بالنفس. والإحساس بالتقبل مهم جدا، وعلى النقيض تماما الإحساس بالرفض أو عدم التقبل ومعرفة أن الآخرين لديهم آراء سلبية عن الإنسان، يكون مؤلما ويقلل من الثقة بالنفس ويضعف المكانة الذاتية للإنسان poor self esteem.
ونتيجة لاهتمامنا بآراء الآخرين، فإننا بالطبع نحاول تغيير سلوكنا بالشكل الذي يجعلنا أكثر تقبلا على المستوى الاجتماعي وأقل في الرفض المجتمعي. وهذه السلوكيات الطبيعية قد تبدأ في عمر مبكر جدا (أقل من عامين) حتى قبل أن يتعلم الأطفال تكوين جمل الكلام بشكل صحيح والتواصل بشكل كامل؛ حسب أحدث الدراسات الطبية.

- اهتمامات الأطفال
الدراسة التي نشرت في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي في «مجلة علم النفس في مرحلة النمو» journal Developmental Psychology وقام بها باحثون من جامعة إموري Emory University بالولايات المتحدة، أشارت إلى أن الأطفال يبدأون بالاهتمام بما يعتقده الآخرون عنهم، ومحاولة تغيير سلوكهم تبعا لآراء الآخرين، مبكرا جدا من عمر 24 شهرا فقط، خلافا للدراسات السابقة التي كانت تشير إلى أن هذا الإدراك يحدث في عمر الرابعة أو الخامسة. وأوضح الباحثون أن هذا الاهتمام طبيعي وإنساني ويصاحب الإنسان طيلة حياته، ويشكل عاملا مهما جدا في الصحة النفسية. وقد قام الباحثون بإجراء التجربة على 144 طفلا تتراوح أعمارهم بين 14 و24 شهرا، مستخدمين روبوتاً على شكل لعبة يتم التحكم فيه من خلال الريموت كونترول.
قام الباحثون في التجربة الأولى بتعليم الأطفال كيفية التحكم في أزرار الريموت الخاصة باللعبة، ولاحظوا ردود فعل الأطفال حينما كان الباحث ينظر إلى الطفل أثناء اللعب وأيضا حينما يتظاهر الباحث بالانشغال عن الطفل والقراءة في إحدى المجلات. وتبين أن الأطفال يستخدمون الريموت بمزيد من الحرص في الضغط على المفاتيح المخصصة للروبوت أثناء مشاهدة الباحث لهم، أكثر من اللحظات التي يكون فيها منشغلا عنهم، وتساوى في ذلك الأطفال الإناث والذكور.
وفى التجربة الثانية قام الباحثون بإعطاء كل طفل ريموتين مختلفين للعبة. وفى المرة الأولى تم إعطاء الطفل الريموت مع ابتسامة من الباحث وذكر كلمات إيجابية على سبيل المثال: «ياله من شعور رائع». وفى المرة الثانية يقدم الباحث الريموت بوجه عابس مع ذكر كلمات سلبية: «يا له من حظ سيئ». وفى الحالتين تمت مراقبة الأطفال، وتبين أن الأطفال يستخدمون مفاتيح الريموت المصحوب بالكلمات الإيجابية بتركيز وحرص حينما تتم مشاهدتهم من قبل الباحث، وفى المقابل يتم استخدام الريموت المصحوب بالكلمات السلبية بغير تركيز أو حرص حينما يتظاهر الباحث بالقراءة في الجريدة والانشغال عن رؤيتهم.
وفى التجربة الثالثة التي تم إجراؤها لقياس مدى صحة النتائج control قام الباحث بتقديم جهازي الريموت إلى الأطفال وعلى وجهه تعبيرات محايدة وكذلك الكلمات لم تكن بالإيجابية أو بالسلبية. وفى هذه الحالة لم يقم الأطفال بتفضيل ريموت على آخر اعتمادا على مشاهدة الباحث لهم من عدمها. وأوضح الباحثون أن التجربة الثانية أظهرت أن انطباع الباحث الإيجابي عن أحد الأجهزة دفع بالطفل إلى تغيير سلوكه والاهتمام بالجهاز الذي تم اختياره من قبل الباحث أثناء مشاهدته له، والعكس بالعكس في حالة انشغاله، وهو الأمر الذي يعني أن الطفل استوعب الاهتمام وحاول تعديل سلوكه بالشكل الذي يوفر له القبول من الآخر.

- رصد الانطباعات
وفى تجربة أخيرة؛ قام اثنان من الباحثين بالجلوس معاًُ مستخدمين ريموتاً واحداً للتحكم في الروبوت، وقام أحدهما بالضغط على زر التحكم مع الابتسام وذكر كلمات إيجابية: «إنه لشيء رائع أن اللعبة تتحرك». وقام الآخر باستخدام الريموت نفسه والضغط على الزر نفسه بينما كان عابس الوجه ويتمتم بكلمات مثل: «ما هذا؟ اللعبة تتحرك». وحينما تم استدعاء الطفل للمشاركة في اللعبة وإعطاؤه الريموت وتبادل الباحثان النظر إلى الطفل وكذلك مطالعة المجلة، كانت النتيجة أن الأطفال قاموا بالضغط على الريموت حينما كان الباحث ذو التعبيرات الإيجابية هو الذي يشاهدهم أكثر من المرات التي قام فيها الباحث ذو التعبيرات السلبية بمشاهدتهم.
وأشار الباحثون إلى أنهم كانوا في دهشة من رد فعل الأطفال في هذه السن المبكرة ووعيهم بانطباع الآخرين والسعي وراء محاولة إرضائهم وذلك لتفاعلهم مع قيمة شيئين (جهازا التحكم في اللعبة الثانية) وأيضا مع شخصين كما في اللعبة الأخيرة. وهو ما يؤكد أن الأطفال أذكى بكثير مما نتصور حتى قبل إدراكهم الكامل وعدم مقدرتهم على التحدث. وأوضح الفريق البحثي الذي قام بهذه التجربة أنهم بصدد القيام بتجربة أخرى في المستقبل القريب على أطفال يبلغون من العمر 12 شهرا فقط لمعرفة استجاباتهم لانطباعات الآخرين عنهم وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر في سلوكهم. وأيضا أوضحوا أنهم سوف يقومون بمتابعة هؤلاء الأطفال أصحاب الدراسة الحالية لحين بلوغهم عمر الرابعة ومعرفة ما إذا كانت هناك أي تغيرات سوف تظهر عليهم في ذلك الوقت من عدمه.
وأشار الباحثون إلى أنه من المهم معرفة في أي عمر يبدأ الاهتمام بآراء الآخرين لتعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في عمر مبكر، حتى يمكن تجنب العزلة المجتمعية التي تؤدي إلى الأمراض النفسية، مع الوضع في الاعتبار الفروق الشخصية بين الأفراد، ونمو اللغة، والعامل البيئي، لكي تتم المساهمة في خلق أجيال أكثر صحة نفسية.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».