رحيل إسماعيل فهد إسماعيل... مؤسس الرواية الحديثة في الكويت

إسماعيل فهد إسماعيل
إسماعيل فهد إسماعيل
TT
20

رحيل إسماعيل فهد إسماعيل... مؤسس الرواية الحديثة في الكويت

إسماعيل فهد إسماعيل
إسماعيل فهد إسماعيل

لم يكن بعيداً جداً وهو يلوح بالسلام قبل الوداع... فقط منذ أسابيع مضت قالوا إن الأديب إسماعيل فهد إسماعيل تعرض لوعكة صحية، ولكنه قبل ذلك بفترة يومين تقريباً كان حاضراً في الملتقى الثقافي الذي أسسه الكاتب طالب الرفاعي في منزله، وجرت مناقشة رواية «صندوق أسود آخر» للراحل.
إسماعيل فهد إسماعيل هو «منعطف» التحول الروائي في الكويت، هذا الكلام بشهادة معظم النقاد الذين أرخوا للرواية في الكويت، فقبل ظهوره في السبعينات من القرن الماضي، كانت الرواية تسير بوتيرة هادئة على يد عدد قليل من الروائيين الذين قدم بعضهم عملاً واحداً فقط. وإذا اعتبرنا أن تاريخ الرواية في الكويت يعود إلى عام 1948 على يد فرحان راشد الفرحان من خلال عمله «آلام صديق» التي انقسم حولها النقاد هل هي رواية أم قصة طويلة، وإذا سلمنا بأن التاريخ التالي لظهور الرواية هو على يد عبد الله خلف عام 1962 من خلال روايته «مدرسة من المرقاب»، التي ذهب بعض النقاد إلى أنها هي التاريخ الحقيقي لظهور الرواية، فإنه منذ ذاك التاريخين وحتى السبعينات لم تكن الرواية قد ظهرت بشكلها الناضج والحرفي إلا حين ظهرت أعمال إسماعيل فهد إسماعيل التي اتفق معظم النقاد على أنها بداية الرواية الحقيقية في الكويت. ومن هؤلاء النقاد الدكتور محمد حسن عبد الله الذي ألف كتاباً ضخماً عن تاريخ الحركة الأدبية في الكويت. وسار معه عدد آخر نسبوا مهنية الرواية إلى إسماعيل فهد إسماعيل الذي انتهج أسلوباً جديداً على صعيد الشكل وكذلك المضمون.
تميزت حياة الراحل الأدبية بالاتزان والاعتدال، فلم يدخل صراعات أدبية أو خلافات مع أحد، باستثناء خلاف «فكري» مع الأديب الراحل أحمد السقاف الذي كان حينها أميناً عاماً لرابطة الأدباء الكويتيين. ما عدا ذلك، كان الراحل صديقاً ومقرباً من الجميع، وكثير من كتاب الأجيال الجديدة سبحوا في نهره الروائي. وكان سنداً لكثير من الروائيين الذين تميزوا لاحقاً، وأبرزهم الروائي سعود السنعوسي الذي حصل على جائزة البوكر بنسختها العربية، وأيضاً الكاتب طالب الرفاعي الذي لازم الراحل سنوات طويلة، واعتاد أن يناديه «خالي». وفي فترة من الفترات ارتبطت ثلاثة أسماء في المشهد الثقافي هم إسماعيل فهد إسماعيل والكاتبة ليلى العثمان والرفاعي، وشكل الثلاثة نسيجاً واحداً وصل صداه خارج الكويت.
كان الراحل شغوفاً بالأدب لدرجة أنه استغل مكتبه التجاري فحوله في فترات الفراغ إلى منتدى ثقافي يلتقي فيه الأدباء الذين غالبيتهم من الشباب، وقد حمل الملتقى اسمه، وكان يضم مختلف الجاليات العربية إلى جانب الأدباء الكويتيين. وحتى في أعماله كان الراحل يتوغل في مجتمعات عديدة، منها المحلي ومنها العربي، وهو ما أكسبه انتشاراً واهتماماً في شتى الاتجاهات الجغرافية.
كانت قريحة الراحل واسعة المدى، فلم يكتف بالرواية، بل كتب القصة والمسرح والنقد، وكان غزير الإنتاج، ولديه سباعية ضخمة جداً وثق بها وقائع أيام الاحتلال في الكويت بعنوان «إحداثيات زمن العزلة»، التي عايشها واقعياً، كما حصل مرتين على جوائز الدولة التشجيعية، ورشحت بعض أعماله لجائزة البوكر العربية.
كثيرون لن يتخيلوا اليوم المشهد الثقافي من دون إطلالة هذا الرجل الهادئ البسيط العميق، الذي كان يسير كأنما خطواته فوق بساط من الهواء لا صوت له... أعماله هي التي كانت تتحدث نيابة عنه ويترك ما لا يريد قوله شخصياً إلى أبطال رواياته.



رهانات السَّرد العربي المعاصر

رهانات السَّرد العربي المعاصر
TT
20

رهانات السَّرد العربي المعاصر

رهانات السَّرد العربي المعاصر

في كتابه «رهاناتُ السَّردِ العربيِّ المُعاصر: دراسات وقراءات مونوغرافية» يتابع الناقد والباحث المغربي أحمد المديني ما بدأه في آخر كتاب نقدي له «في حداثة الرواية العربية - قراءة الذائقة»، والذي قبله، أيضاً: «السرد والأهواء، من النظرية إلى النص»، بمعنى خطّ مواصلة قراءة نصوص روائيةٍ عربيةٍ مميّزةٍ باندراجها في الخط العام لتطور وتجديد السّرد التخييلي، كما كتبته الأقلام اللّاحقة وتجرب فيه بعد المتن المؤسس لأجيالِ الرّواد والمرسِّخين.

يتضمن الكتاب الصادر عن «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن (2025)، طيفاً واسعاً من الدراسات التي ركزت على الرواية العربية التي رأى الباحث أنه يمكنها أن توازي وتساوق في تعبيراتها ما بلغته الكتابة السردية في آداب العالم، وتتميز بفرادتها وخصوصيتها المحلية لغةً، وأسلوباً، ومهاراتِ بناء، وغنى عوالمَ، وشخصياتٍ تنتمي إلى العالم وتستشرف الغد.

وإذ يعتمد الباحث في تحليله على مناهج محكمة، وبتمثل لمفاهيم نقدية ونسقية ملائمة للتحليل وقراءة النصوص؛ فإنه يولي عناية خاصة للذائقة بوصفها، عنده، أداةً وغربالاً تصبح كما يوضح منهجاً للعمل واستعداداً فطرياً يُمتحن ويتغذّى باستمرار، مشيراً إلى أنها أعلى مرتبةٍ يمكن أن يصل إليها دارسُ الأدب والناقد، حين تختمر ثقافتُه فتعطي زُبدتهَا بما هو أكبرُ من النظريات وأدقُّ من رطانة المصطلحات ومهارةِ وربما حذلقةِ التنقل بين المناهج لاختبار النصوص وتقليبها على وجوهٍ ومواضعَ شتى.

وقدم المديني دراسات تسجل خلاصة ملاحظات واستنتاجات من عِشرةٍ طويلة له مع النصوص وحوارٍ معها بين «أُلفة وجدل» كما يقول، مشيراً إلى أنه أراد أن يتجاور النظريّ والتحليليّ ويتفاعلان ذهاباً وإياباً، مع عنايته أكثر بالثاني لأنه مضمارُ القراءة ومِحَكُّها ومختبرُ محاليلِ كيمياءِ النص الروائي جزءاً وكلّاً.

واشتمل الكتاب على مجموعة مواضيع وعناوين كبرى وأخرى فرعية ترسم خريطةً مجملةً تتوزع على جغرافيتها القضايا المحوريةُ للرواية العربية سواء في وضعها التاريخي الكلاسيكي، أو في خط تخلّقها المستمرِّ على نهج ما تطمح إليه أو تحققه من حداثة نسبية.

ويؤكد المديني أيضاً على خصوصية ما سماه «القراءة المونوغرافية» التي «تتفرد ولا تدّعي الشمول، وفي الوقت نفسه فهي قابلةٌ لأن تتحول إلى مرصد قراءة عامة ودليلِ سير لذائقة أدبية مدرّبةٍ وعالمةٍ وتركيبيةٍ لتضع السردَ العربيَّ العصريّ في موقعه الصحيح بلا تزيُّد ومبالغة، وتنظيرُه وتذوُّقُه وتقويمُه منبثقٌ من قلب النصوص، أولاً، ومرجعياتها وخلفياتها، ثانياً، بما يمُكّن من الجمع بين الجمالي واستقصاء المعاني في دائرة الأدب العربي شاملاً، مرةً، وقُطرياً، مرة أخرى. فالتفاوت، كما يؤكد الناقد، موجودٌ ومفروض، وإن كنا لا نرى له مكاناً في المستوى الفني ولا تنسيباً».

وكانت قد صدرت للمديني مجاميع قصصية، وروايات، ودواوين شعر، ودراسات أكاديمية، إضافة إلى كتب نقدية لمدوّنة سردية مغربية ومشرقية، وأعمال مترجمة.