بعد ظلام «داعش»... إذاعات سورية تطرب جمهور الرقة

مبادرات شبابية تخاطب المستمعين بلكنة محلية

المذيعة حورية إسماعيل وزميلها أحمد دالي في استوديو إذاعة «صوت الرقة» في فترة البث الصباحي
المذيعة حورية إسماعيل وزميلها أحمد دالي في استوديو إذاعة «صوت الرقة» في فترة البث الصباحي
TT

بعد ظلام «داعش»... إذاعات سورية تطرب جمهور الرقة

المذيعة حورية إسماعيل وزميلها أحمد دالي في استوديو إذاعة «صوت الرقة» في فترة البث الصباحي
المذيعة حورية إسماعيل وزميلها أحمد دالي في استوديو إذاعة «صوت الرقة» في فترة البث الصباحي

«برنامج صباحكم فرات بلش معي أنا جلنار سعيد... واليوم هو اليوم العالمي لمحو الأمية، وسؤال حلقتنا لليوم: برأيك التعليم شو ممكن يفيد؟»... بهذه الكلمات تبدأ المذيعة جلنار سعيد الفترة الصباحية من إذاعة «أمل إف إم»، وتستمر نحو ساعتين ونصف الساعة، من الساعة 9:30 صباحاً حتى الساعة 12 ظهراً.
تذكّر الجمهور بمتابعة البرامج المنوعة ونشرات الأخبار على مدار الساعة بالرقة وما حولها على الترددات (99.0) إلى (99.5) على موجات الـ«إف إم»، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني، وقناة على قمر «نايل سات» العربي.
في بداية حديثها لـ«الشرق الأوسط» قالت جلنار (29 سنة) «طلبت من المستمعين يخبرونا عن وضع المدارس في مدينتي الرقة ودير الزور وريفها، مع بداية العام الدراسي الجديد».
حيث عمد عناصر تنظيم داعش وأثناء سيطرتهم على المدينة منذ يناير (كانون الثاني) 2014 حتى سبتمبر (أيلول) العام الماضي، إلى إغلاق جميع المدارس، وتوقفت العملية التربوية نحو 3 سنوات، لكن المنظمات الإنسانية ومجلس الرقة المدني افتتحوا المدارس والمجمعات التربوية مع بداية العام الدراسي. وتضيف جلنار «نقل لنا المستمعون حالة المدارس بعد حرب استمرت 4 شهور، بدورنا خاطبنا المسؤولين بالمجلس المحلي بالتجاوب مع الأهالي وشرح الخطط التي سيقومون بها لإعادة التلاميذ إلى مقاعدهم».
تعد الفترة الصباحية في «راديو أمل» بشكل خاص والبرامج الاجتماعية عموماً، أكثر البرامج التي يتابعها جمهور الرقة؛ لأنها تركز على هموم الناس اليومية، ولفتت جلنار قائلة «أما أكثر البرامج تفاعلاً على منصات التواصل الاجتماعي (تعاليل فراتية) بالفترة المسائية؛ كونه ينقل الأحاديث والمعلومات الشيقة التي يرسلها لنا متابعو الحلقة»، منوهة بأن قسم التشبيك والاتصال في الإذاعة يستقبل نحو 600 رسالة أسبوعياً، وتقول «الكثير منها تكون شكاوى وطلبات استفسارات، تصلنا إما عبر تطبيق (واتساب) أو صفحة الإذاعة الرسمية على موقع (فيسبوك)».
تقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، خرجت عن سيطرة النظام الحاكم ربيع 2013، لكن عناصر تنظيم داعش أحكموا قبضتهم عليها نهاية العام نفسه، قبل أن يطردوا على يد «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
وانطلقت إذاعة «أمل إف إم» بداية أبريل (نيسان) 2017 ويعمل فيها 10 موظفين، من بينهم 4 مقدمين ومذيعات، و4 محررين ومخرج ورئيس غرفة الأخبار، وتحت شعار «صوت كل السوريين» تقدم الإذاعة نشرات إخبارية متخصصة وسلسلة من المواجز الإخبارية على رأس الساعة، إضافة إلى الأخبار العاجلة طوال اليوم، بحسب الصحافي رامي السالم (30 سنة) رئيس قسم الأخبار في «راديو أمل» والمتحدر من مدينة الرقة.
وتابع حديثه «نسلط الضوء على الأخبار المحلية في مدينة الرقة وضواحيها، وريف دير الزور شرق الفرات، عبر شبكة من المراسلين المحليين ومصادر إخبارية»، ويزيد «تسعى أسرة (أمل FM) إلى تسخير كل إمكاناتنا الإعلامية لنقل صوت أهلنا في الرقة وما حولها، لنحمل أمانة هذا الصوت إلى السوريين والعالم والمجتمع الدولي».

الفترة الصباحية الأكثر استماعاً

وكانت سوريا بلد الإعلام الموجه بامتياز خلال عقود مضت، حيث إن الدولة وحزب البعث سيطروا على كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية؛ لكن وبعد انطلاقة الحراك المناهض لنظام الحكم ربيع 2011، تغير المشهد، حيث ظهرت الكثير من الإذاعات والقنوات التلفزيونية الخاصة. هذا، وتعمل خمس إذاعات محلية تبث برامجها عَبر مواقع الإنترنت وصفحات السوشيل ميديا، أو موجات «FM» مخصصة لجمهور مدينتي الرقة ودير الزور ومناطق شرق الفرات، من بينها إذاعة «صوت الرقة».
تعمل المذيعة حورية العيسى (23 سنة) مذيعة ومعدة برامج في «صوت الرقة»، تخاطب الجمهور بلكنة أهالي الرقة المحلية، وتعبر عن مشاعرها قائلة «كوني بنت الرقة، أخاطب المستمعين بلكنة ولهجة محلية وكلام بسيط ومفهوم، رسالتي إرضاء أذواق المستمعين من خلال البرامج المنوعة والترفيهية والأغاني التي يطلبها الجمهور».
ومن بين برامج الإذاعة: في الفترة الصباحية تبث فقرة خاصة بالأبراج، وفي فترة الظهيرة يبث برنامج «نبض الرقة» و«وقت مستقطع» و«شخصيات تراثية»، في حين يأتي برنامجا «شبابيك» و«من كل شباك حكاية» بالفترة المسائية، أما مستمعو مدينة دير الزور وريفها فيكونون على موعد مع برنامجَي «صدى الدير» و«بين الرقة ودير الزور» يأتيان أيضاً في الفترة المسائية. (FM) 97,0
وذكرت حورية المتحدرة من مدينة الرقة، أن تردد الإذاعة على موجةFM) 97.0 (وتشهد الفترة الصباحية التي تمتد ساعتين، تفاعل الجمهور عبر التعليقات وطرح الأسئلة عبر صفحة الإذاعة على صفحات التواصل الاجتماعي، وتضيف: «اخترنا اللكنة المحلية لأنها مفهومة ومريحة لدى المستمعين، فاللغة العامية أو ما تسمى إذاعياً (اللهجة البيضة) مفضلة عند جمهور الإذاعة».
وتبث «صوت الرقة» نشرات الأخبار على رأس الساعة، وفي تمام الساعة الواحدة ظهراً، تبث نشرة أخبار مفصلة، ومثلها في الساعة 8 مساءً، إضافة إلى برامج إخبارية وحوارية يستضيفون مسؤولين وشخصيات رسمية من مجلس الرقة المدني، إلى جانب متحدثين من المنظمات المحلية والدولية الإنسانية العاملة في المنطقة.
ولدى حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال ستير جيلو، المدير التنفيذي لـ«صوت الرقة»، إن الإذاعة انطلقت بداية يونيو (حزيران) 2017، بمبادرة شبابية من أبناء مدينة الرقة، وقال «نغطي أوضاع مخيمات النازحين، ونتابع أعمال مجلس الرقة المدني، ونرصد أنشطة المنظمات الإنسانية الدولية منها والمحلية، عبر شبكة من المراسلين المحلين الذين ينتشرون في معظم مدن وبلدات الرقة».
وتعد إذاعة «صوت الرقة» إلى جانب إذاعة «أمل»، من بين أولى الإذاعات التي بدأت بث برامجها لسكان مدينة الرقة، تمتلك أبراجاً ومقويات لالتقاط موجات الإذاعة التي تتواجد في معظم مدن وبلدات الرقة ودير الزور.
وأضاف جيلو «دورنا رقابي، ومهمتنا تسليط الضوء على هموم ومشكلات الناس اليومية، نسعى للتواجد داخل كل بيت ومكتب ودائرة رسمية لنقل مشكلات الناس، وأن نكون صدى صوتهم».

هواها حرية

ومنذ انتهاء معركة طرد عناصر تنظيم داعش من الرقة شمال سوريا أكتوبر العام الماضي، ينفض سكان المدينة غبار الحرب عن مدينتهم، وينهمك العائدون إليها في إعادة إعمار منازلهم ومحالهم بإصرار وعزيمة كبيرة، في حين كان إسماعيل (37 سنة) يقوم ببناء وتلبين محله التجاري الكائن في شارع تل أبيض التجاري، يستمع إلى «صوت الرقة» عبر مذياع صغير يعمل على بطارية شحن، ووصف مشاعره قائلاً: «تطربني (صوت الرقة) وأنا استمتع إليها يومياً، حيث كل البرامج ونشرات الأخبار عن مدينتي. شعور لا يوصف».
وتحت شعار «هواها حرية» بدأت إذاعة «بيسان إف إم» بث برامجها أواخر أبريل الماضي، وهي إذاعة محلية اجتماعية خدمية إخبارية، تقول عن نفسها إنها مستقلة، تغطي مدينة الرقة والطبقة وريف دير الزور الشمالي، حيث يصل إليها الجمهور عبر موجاتها القصيرة، ويعمل القائمون عليها على تغطية جميع مدن وبلدات شرق الفرات.
ويرى مراقبون ومتابعون للإعلام المحلي الجديد الموجه لمدينة الرقة ومدن وبلدات شرق الفرات بعد أن خلعت هذه المناطق سواد تنظيم داعش، أن تعمل على نشر ثقافة التسامح والسلام وقبول الآخر، إلى جانب بناء ثقة بين المذيع والمستمع، وتعزيز صلة الوصل بين المستقبل والمتلقي.
ومن بين الإذاعات التي تطرب سكان الرقة، «إذاعة شوفي مافي»، شعارها «شوفي مافي، صوتك وصوتنا سوا» محطة الشباب السوري، ومن بين برامجها، «تعالم نسولف» (تعالوا نتحدث)، «يا مرحبا»، «شوفي مافي سبورت»، برنامج «قهوتكم عامرة».
والإذاعة بحسب تعريفها في صفحة من نحن على موقعها الرسمي، «فضاء مفتوح من دون قيود لكل السوريين للتعبير عن أنفسهم وحضارتهم بعيداً عن الحرب التي دمرت جوانب كثيرة في حياتهم، لكن لم تنل من عزيمتهم وإصرارهم على الحياة».
وتقول زينب (27 سنة) المتحدرة من الرقة، وتعمل في مخبز لصناعة الخبز، إنها وزملاءها العمال يستمتعون وهم يتابعون الإذاعات المحلية طوال فترة عملهم الممتدة لثماني ساعات يومياً، وأضافت «ميزة إذاعتَي (أمل) و(صوت الرقة) أنهما تبثان عبر موجات الـ«إف إم» من أي مكان ونسمعهما من الراديو، أما باقي الإذاعات فتحتاج إلى خدمة الانترنت غير المتوافرة في معظم الأوقات بسبب انقطاع التيار الكهربائي».
وقام نشطاء وإعلاميون من أبناء مدينة الرقة، بتأسيس «راديو الرشيد»، وستبث برامجها قريباً على موجات الـ«إف إم» ومنصات السوشيل ميديا، حيث أطلق القائمون عليها صفحة رسمية على موقع «فيسبوك»، وأوضحوا أنها «إذاعة مجتمعية خدمية مستقلة شاملة، نسعى لرسم البسمة على شفاه السوريين بعد سنوات الحرب والاضطرابات التي جعلت الحزن أكثر ما يملأ أوقاتهم».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.