«داعش خراسان»... تنظيم إرهابي جديد يترسخ في أفغانستان

الشريط الحدودي مع باكستان بيئة خصبة وجاذبة للمتطرفين

عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
TT

«داعش خراسان»... تنظيم إرهابي جديد يترسخ في أفغانستان

عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)

ما الذي يجري في أفغانستان هذه الأيام وهل ستضحى منطقة خراسان الموقع والموضع لنشوء وارتقاء النسخة الثانية من تنظيم داعش، وفي منطقة لا يزال المد الأصولي فيها فاعلاً من جهة ممثلة في «طالبان»، ومن ناحية أخرى الصراع بين موسكو وواشنطن يتفاعل على الأرض من جديد؟
الشاهد، أننا أمام تصريحات وتحليلات عدة، شواهد وأحداث، تجعل المخاوف تتصاعد بشأن ما يحدث في تلك المنطقة الملتهبة تاريخياً، والتي لم تخلُ من الحرب والإرهاب طوال عقود... ماذا عن ذلك؟
في الثالث من سبتمبر (أيلول) الحالي أطلقت السلطات البريطانية تحذيراً مفاده، أن الإرهابيين يجمعون شتاتهم في أفغانستان، ولا سيما بعد الاندحار الذي حدث لهم في العراق وسوريا.
التصريحات أطلقها وزير الدفاع، غافين ويليامسون، في حديثه لصحيفة «التايمز» البريطانية وقد جاءت في سياق تعليل إرسال بريطانيا لمئات عدة من جنودها إلى أفغانستان.
ولعل القارئ للتقرير الذي نشرته «التايمز» يوقن بأن الاستخبارات الخارجية البريطانية تتوافر لديها معلومات عن الحضور الداعشي الجديد في الداخل الأفغاني، باعتبار أفغانستان على رأس الدول المرشحة لاستضافة عناصر التنظيم؛ لأنها تتسم بتصاعد التيارات الدينية فيها، فضلاً عن الغياب الكامل لمفهوم سيادة الدولة لديها، ومن ثم يمكن أن يكون الشريط الحدودي بين باكستان وأفغانستان، مرشحاً لأن يصبح بيئة خصبة وجاذبة لتنظيم داعش لإعادة ترتيب صفوفه، ومن ثم استعادة قوته. والمؤكد، أنه منذ عام 2015 والصراع جارٍ في أفغانستان بين الدواعش و«طالبان» في محاولة للسيطرة على ساحة التطرف هناك، ووصل الأمر إلى مواجهات مسلحة بين الجانبين. وفي 26 يناير (كانون الثاني) 2015، أعلن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش «قيام ولاية خراسان» فرع لتنظيم داعش «يتخذ من باكستان وأفغانستان محل نشاطه، حيث يتشكل فرع التنظيم من مجموعات مقاتلة، منها مجموعة منفصلة عن حركة طالبان، وأخرى من حركة أوزبكستان الإسلامية، وضمت مقاتلين من آسيا الوسطى والقوقاز وإقليم الايجور، وقد صنفت ولاية خراسان منظمة إرهابية من قبل الولايات لمتحدة الأميركية في يناير 2016».

تنظيم «داعشي» مختلف
هل نحن أمام تنظيم داعش القديم نفسه، أم أننا إزاء «داعش» جديد بلمحات ولمسات، بل توجهات أصولية مختلفة؟
قبل التنظير الفكري للجواب ربما يتوجب علينا الإشارة إلى الأحداث التي وقعت الأيام القليلة الماضية هناك، التي تكشف لنا أبعاد المشهد الداعشي الجديد أو جزءاً منه على الأقل. في 25 أغسطس (آب) الماضي أكدت القوات الأميركية في أفغانستان، أن قائد تنظيم داعش الإرهابي في البلاد قد قُتل في هجوم وقع في المنطقة الشرقية من محافظة ننغارهار، ومعه نحو عشرة مقاتلين آخرين.
المفاجأة هنا، أن القائد الذي قتل ليس أبو بكر البغدادي، الزعيم المعروف لـ«داعش» في العراق والشام، بل أبو سيد أوركزاي، والاسم يدلل على أنه ليس عربياً أو شرق أوسطي، بل آسيوي بدرجة أو بأخرى.
قبل هذا الهجوم الأميركي وبعده كان «داعش» هناك يوجه سهام نيرانه لقوات «طالبان» التقليدية؛ ففي منتصف أغسطس عينه اندلعت اشتباكات بين مسلحي حركة طالبان وتنظيم ولاية خراسان في الإقليم عينه؛ مما أسفر عن مقتل بعض عناصر تنظيم داعش في نسخته الأفغانية.
لم ينتظر «الدواعش الأفغان» أو العرب والأفغان وبقية الجنسيات طويلاً، فبعد شهر تقريباً، أي في منتصف سبتمبر الحالي كان عنصران من عناصر «داعش» يقتحمان منزلاً لأحد قادة «طالبان» يدعى قاري غضنفر، في ولاية سريبول، شمالي أفغانستان ويفتحان نيران أسلحتهما الرشاشة ليوقعا نحو خمسة عشر فرداً من «طالبان» الموجودين في حفل إقامة مراسم الفاتحة، وكان من بين القتلى عدد من أقارب غضنفر، في مقدمتهم شقيقه الذي فارق الحياة إثر تعرضه لوابل من الرصاص، في حين تمكن المهاجمان من الهرب.
وقبل بضعة أسابيع كان الجنرال الأميركي جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية المكلف الإشراف على الحرب في أفغانستان، يحذر من أن هناك علامات تنذر بأن تجمعات جديدة للإرهابيين باتت تعيد تنظيم صفوفها، وأنها تتهيأ لمهاجمة الغرب مرة جديدة، ملمحاً إلى أنها «داعش» ولو في ثوب مغاير عما سبق رؤيته في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما أنه استخدم «ولاية خراسان» في تصريحاته بشكل لافت للنظر.
إلى أي مدى تتسق تصريحات الجنرال فوتيل مع بعض الأوراق الصادرة عن المراكز البحثية الأميركية في الفترة الماضية؟
يبدو أن هناك تطابقاً كبيراً جداً يؤكد وجود «داعش خراسان» في ثوب إرهابي جديد، ومن تلك الدراسات ما جاد به مركز «الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب» من أن تنظيم داعش في ولاية خراسان يصنف على أنه جماعة إرهابية منفصلة عن «داعش» في سوريا والعراق، ولهذا تم إدراجه واحداً من أكثر عشر مجموعات إرهابية فتكاً في العالم، بعد أن نفذ 197 هجوماً في 2017 أدت إلى مقتل 1302 شخص.

«خراسان»... صراع أميركي - باكستاني
من المفيد للقارئ في تحليل مشهد «داعش الخراسانية» الجديدة الإشارة إلى إقليم خراسان ولو في عجالة، تلك المنطقة الجغرافية الواسعة التي من الناحية التاريخية يشمل إقليم خراسان شمال غربي أفغانستان وأجزاء من جنوب تركمانستان، إضافة إلى مقاطعة خراسان الحالية في إيران ومن مدنه التاريخية «هيرات، ونيسابور وطوس التي تعرف باسم مشهد اليوم».
هذا الموقع الجغرافي يجعل إقليم خراسان مركزاً لتجاذب القوى السياسية المختلفة في المنطقة وبخاصة باكستان المرتبطة تاريخيا بـ«طالبان»؛ الأمر الذي دعا بعضاً من وسائل الإعلام الأميركية الأيام الماضية إلى الإشارة إلى وجود إشكالية حقيقية عميقة بين واشنطن وإسلام آباد، حيث تصر أميركا على أن تقطع باكستان علاقاتها بالإرهابيين الذين تأويهم لاستخدامهم أوراق ضغط في صراعاتها في المنطقة، ولكي تحافظ على حضورها رمانةَ ميزانٍ في منطقة آسيوية متفجرة. يعضد الحديث السابق ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بداية سبتمبر الحالي عن إلغاء المساعدات إلى إسلام آباد بسبب عدم اتخاذها إجراءً حاسماً ضد المتشددين، حيث توفر لهم ملاذات آمنة وبخاصة للمسلمين منهم الذين يشنون حرباً منذ 17 عاماً بينما تنفي باكستان الادعاءات الأميركية في هذا الشأن.
وتطالب واشنطن إسلام آباد باتخاذ إجراءات ضد حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني، ومعروف أن الولايات المتحدة قد دعمت باكستان طويلاً لمواجهة حركة طالبان في أفغانستان، ولتعزيز التعاون لمواجهة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، ومن بينها «داعش» الإرهابي.
من يدعم «داعش خراسان» و«طالبان»؟
ضمن الفوضى التي ستولد، ولا شك، كوارث إرهابية عالمية في قادم الأيام، فكرة وجود دعم دولي مزدوج لكل جماعة إرهابية، وبات وكأن هناك من يقدم دعمه لـ«طالبان»، في حين «داعش خراسان» يجد مدداً من جانب آخر وبينهما يقف الجيش الأفغاني حائراً في المنتصف على الرغم من الدعم الذي تقدمه له الولايات المتحدة الأميركية... ما هو وضع «طالبان» حالياً، وهل هي قادرة بالفعل على صد ورد هجمات «دواعش خراسان»؟ لكن يبقى السؤال محل البحث «من الذي يقوم بتزويد الدواعش الخراسانية بالأسلحة؟
الجواب غير واضح والبحث عنه شاق ومضنٍ؛ إذ يبدو أننا في معركة أقطاب كبرى بالوكالة على الأراضي الأفغانية وفي خراسان من جديد. لكن يلفت النظر في البحث عن رد مقنع للسؤال سابق الذكر ما أعلنته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأيام الماضية من أننا «نود التأكيد مجدداً على تحليقات تقوم بها مروحيات مجهولة الهوية شمالي أفغانستان لنقل أسلحة وعتاد لمقاتلي تنظيم داعش المحليين»، كناية عن «دواعش أفغانستان وخراسان» وعناصر «طالبان» الذين يتعاونون مع هذه المجموعات الإرهابية.
ذكرت زاخاروفا أيضاً، أن هناك تقارير إعلامية أفغانية محلية وإفادات لشهود عيان تؤكد رصد هذه التحليقات في ولاية سيربول شمالي أفغانستان مؤخراً، وأن التحليقات تجري بالقرب من حدود دول آسيا الوسطى والكثير من مسلحي «داعش» ينحدرون من هذه البلدان. شيء ما يجعلنا نكاد نشك في أن طرفاً قطبياً بعينه (الولايات لمتحدة الأميركية)، هو من يقوم بذلك، والسبب ما أضافته زاخاروفا في تصريحاتها؛ إذ أشارت إلى أن تحليقات المروحيات المشبوهة لا تلقى أي رد فعل من قبل أجهزة الأمن الأفغانية وقيادات القوات الأميركية والأطلسية المتواجدة في البلاد. التصريحات المتقدمة تستدعي تساؤلات عميقة وجذرية، فمن الذي يقف وراء هذه التحليقات ويسلح «دواعش خراسان» ويعمل سراً على إنشاء معاقل لهم بالقرب من حدود رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفياتية السابقة) الجنوبية، ولماذا يحدث ذلك في ظل بقاء أجواء أفغانستان تحت السيطرة الفعلية لقيادة الناتو؟

هل يدعم الروس «طالبان»؟
في مقابل الشكوك الدائرة تجاه الولايات المتحدة الأميركية، وإمكانية دعمها المستتر لـ«داعش خراسان» بدا وكأن هناك مؤخراً اتجاهاً لتحميل روسيا فكرة دعم «طالبان» من أجل وقف المد الداعشي في أفغانستان أولاً، وتجاه روسيا والصين ثانية.
في هذا الإطار، يمكننا استحضار استراتيجية الاستدارة نحو آسيا الصادرة في واشنطن في 2010، وجل ما فيها محاولة وقف النمو الروسي والصيني عن التمدد عالمياً، وغير خافٍ على أحد علاقة الولايات المتحدة الأميركية بجماعات الإسلام السياسي والتيارات الأصولية المختلفة في آسيا، وإمكانية اعتبارها خنجراً في الخاصرتين الروسية والصينية، وهذه قصة أخرى تحتاج إلى حديث مفصل.
مهما يكن من أمر، فإن السفير الأفغاني لدى موسكو، عبد القيوم كوتشاي، هو من أشعل نيران تلك التخمينات السياسية والاستخباراتية دفعة واحدة، وذلك حين أعلن عن «نية روسيا استخدام حركة طالبان في قتال تنظم داعش في أفغانستان»؛ الأمر الذي جعل وزارة الخارجية الروسية تصدر بياناً جاء فيه «نود أن نؤكد بكل وضوح أن تصريحات رئيس البعثة الأفغانية في موسكو غير صحيحة؛ إذ لا تتوافق مع الواقع، بل تشوه تماماً فحوى سياسة روسيا في المسار الأفغاني كما أكدنا ذلك مراراً لمفبركي تلك التلفيقات». لكن صراع الأقطاب الدولية يفتح الأبواب واسعة أمام جميع السيناريوهات، ولا سيما أن إجراءً أميركياً بعينه جعل كل المهتمين بشأن أفغانستان والدواعش يتساءلون، ما الذي تنتويه إدارة الرئيس ترمب تحديداً بالنسبة لهذا الملف الذي يكاد الغموض يلفه بشكل كبير؟

أميركا... قوات خاصة لا حكومية
يكاد الناظر للقرارات والتوجهات التي يدرسها الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الأيام، يقطع بأن اشتعال المشهد الأفغاني قادم لا محالة، وأن قصة «داعش خراسان» في أولى فصولها وربما الأسوأ لم يأتِ بعد؛ إذ يمضي الرئيس ترمب في سحب القوات الأميركية كافة من الداخل الأفغاني، والاستعاضة عنها بمجموعات مقاتلة من الشركات الأمنية الخاصة. خطة ترمب كما تسربت أخبارها الأولية للإعلام الغربي، تقوم على سحب نحو 15000 ألف جندي من القوات الأميركية واستبدالهم بثمانية آلاف من المتعاقدين، ويبدو أن شركة «بلاك ووتر» لها نصيب الأسد في هذه الخطة القادمة، ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في استبدال ترمب الجنرال جون نيكسون، قائد القوات الأميركية في أفغانستان، بالجنرال سكوت ميلر، المحارب المخضرم المتخصص بالعمليات الخاصة.
هنا، فإن أمرين يمكنهما أن يجعلا من هذه القصة حقيقية، الأول أنها ستخفض نحو 70 مليار دولار التي تشكل تكلفة الحرب في أفغانستان سنوياً؛ الأمر الذي يخدم أهداف ترمب الاقتصادية في الداخل.
والآخر، هو توفير الدم الأميركي الرسمي؛ ما يعني أن مخططات الحروب الجديدة، وضمنها الإرهاب في طبعته الداعشية المختلفة، ماضية قدماً من دون أن توجه اتهامات لترمب كتلك التي تواجهها إلى بوش الابن رسمياً وتاريخياً.
والخلاصة... «داعش خراسان» فصل جديد من فصول الإرهاب الأصولي لم تتكشف أبعاده بعد بالمطلق، وإن كان المتوقع أكثر ظلامية وسوداوية ربما من «داعش الشرق الأوسط».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.