استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد

وزارة الدفاع: المعتدون تونسيون وجزائريون متدربون بشكل جيد على الجبال

استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد
TT

استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد

استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد


أعلنت تونس أمس حالة حداد وطني لمدة ثلاثة أيام، مع تنكيس الأعلام في المؤسسات العمومية، إثر الهجوم الإرهابي الذي نفذته، الليلة قبل الماضية، كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية، ضد قوات الجيش التونسي في جبال الشعانبي (وسط غربي البلاد)، وأسفر عن مقتل 14 عسكريا في حصيلة أولية، وإصابة 23 آخرين، من بينهم ثلاث حالات خطيرة، إلى جانب فقدان أحد العسكريين، في أكثر الهجمات دموية في تاريخ المواجهات مع المجموعات الإرهابية. وكان من بين العسكريين الذين قتلوا في هذا الهجوم ضابط برتبة رائد، وآخر برتبة ملازم أول.
ودخلت تونس حالة استنفار قصوى، بعد الهجوم الدموي الذي شنه إرهابيون عند موعد الإفطار، أول من أمس، باستعمال أسلحة نوعية، مثل قاذفات «آر بي جي»، وأسلحة رشاشة، وقنابل يدوية، حسب المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع، فيما أصيب قسم كبير من التونسيين بالذهول والمفاجأة، جراء فشل الأجهزة الأمنية في تعقب الإرهابيين، ونجاحهم في توجيه ضربة موجعة إلى إحدى أهم المؤسسات التونسية، بعد نحو سنة من ذبح ثمانية عسكريين في المنطقة ذاتها. وتوعد نضال الورفلي، المتحدث باسم الحكومة، بتتبع كل من احتفل باغتيال العسكريين التونسيين في جبال الشعانبي، بعد تواتر أنباء تفيد بإقامة حفلات وولائم أقامها أنصار كتيبة عقبة ابن نافع الإرهابية، احتفالا بسقوط العسكريين بين قتلى وجرحى.
ومباشرة بعد وقوع الهجوم، شكل مهدي جمعة، رئيس الحكومة، خلية أزمة مكونة من وزارة الداخلية، ووزارة العدل، ووزارة الصحة، وقيادات عسكرية لمتابعة آثار العملية الإرهابية، ووضع خطة بديلة لمكافحة آفة الإرهاب.
وبدأت وزارة الدفاع التونسية، منذ أمس، في نقل جثامين بعض العسكريين على متن سيارات عسكرية إلى عائلاتهم من أجل التعجيل بدفنهم، وأدانت الأحزاب السياسية العملية الإرهابية، ودعت إلى مسيرات شعبية تدين الإرهاب وتدعو إلى محاربة كل الأطراف الداعمة له، إذ دعت حركة النهضة، ذات المرجعية الإسلامية، إلى مسيرات حاشدة بعد صلاة الجمعة (اليوم) في كل المدن التونسية، فيما حمل حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي مسؤولية العملية الإرهابية إلى المجلس التأسيسي (البرلمان) واتهمه بالتباطؤ في التصديق على قانون الإرهاب.
وشهد المستشفى الجهوي بالقصرين تدفق عائلات العسكريين الذي كانوا هدفا للإرهابيين، وحاول بعضهم اقتحام الممر المؤدي إلى قاعة حفظ الأموات من أجل التنكيل بجثة الإرهابي الوحيد الذي سقط قتيلا في المواجهات مع قوات الجيش، إلا أن الوحدات الأمنية والعسكرية نجحت في تهريب الجثة على متن سيارة عسكرية مصفحة.
ونظم سكان مدينة القصرين مسيرة سلمية تعبيرا عن رفضهم للإرهاب، ودعوا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات حازمة للقضاء على المجموعات الإرهابية المتحصنة في جبال الشعانبي. وقال الجنرال محمد الصالح الحامدي، رئيس أركان جيش البر التونسي، في مؤتمر صحافي عقده أمس بمقر قصر الحكومة، إن تونس ستنتصر على الإرهاب، وأضاف «الإرهابيون لن يتغلبوا علينا، سيؤلموننا لكنهم لن ينتصروا في النهاية على الدولة». ودعا الحامدي كل الفئات الاجتماعية إلى المشاركة في مكافحة الإرهاب، باعتبارها معركة الجميع، على حد تعبيره. وقال الحامدي إن تونس مستعدة لحرب طويلة الأمد. وأضاف أن المؤسسة العسكرية مستعدة نفسيا لتقبل خسائر أخرى، وصنف الحرب الحالية ضد الإرهابيين بأنها «حرب أعصاب».
وبشأن تفاصيل العملية الإرهابية، قال الحامدي إن الشهداء والجرحى كانوا موزعين على نقطتين عسكريتين، وهم مدربون جيدا، ولديهم خبرة في القتال. وأضاف أن الإرهابيين نجحوا في مخططهم خاصة أن هجومهم كان عند موعد الإفطار الذي يشهد إقبال التونسيين على منازلهم لتناول وجبة الإفطار، كما توقع هجمات إرهابية أخرى خلال الفترة المقبلة. وقال «يجب أن نستعد نفسيا لخسائر أخرى لكننا سننتصر عليهم».
وقدم العميد سهيل الشمنقي، قائد العمليات العسكرية في جيش البر، معطيات إضافية عن الهجوم الإرهابي، وقال إن الإرهابيين استعملوا ذخيرة مختلفة الأنواع في العملية، كلفت 14 قتيلا، خمسة منهم قتلوا بالرصاص، فيما لقي تسعة آخرون حتفهم حرقا داخل الخيمة، إضافة إلى 18 جريحا، ثلاثة منهم تعرضوا لإصابات خطيرة، وجرى نقلهم إلى المستشفى العسكري، فيما أخلي سبيل خمسة جرحى آخرين. وأكد فقدان عسكري تونسي أثناء الهجوم، فيما قتل إرهابي وحيد يحمل الجنسية التونسية. وأضاف أن هناك جنسيات أخرى شاركت في العملية الإرهابية.
وأشار الشمنقي إلى أن تونس تخوض حربا مفتوحة ضد الإرهاب، وقال إن «هذه العملية لن تثني المؤسسة العسكرية لحظة واحدة عن مواصلة تعقب الإرهابيين. كما أن المجهود الأمني بدأ منذ أبريل (نيسان) 2013، وهو متواصل ولن يتراجع».
وبشأن اللجوء إلى قذائف الـ«آر بي جي» لأول مرة في الهجمات الإرهابية، قال محمد الصالح الحدري، العقيد العسكري المتقاعد، لـ«الشرق الأوسط»، إن القذائف المستعملة روسية الصنع، وهي على الأرجح مهربة من ليبيا المجاورة، وتستخدم كأسلحة مضادة للدبابات وطائرات الهيلكوبتر وحاملات الجنود وبإمكانها اختراق الفولاذ. واستغرب الحدري استعمال هذا السلاح ضد الأفراد، وقال إن اللجوء إلى هذا النوع من الأسلحة يؤكد أن المجموعة الإرهابية أرادت تسجيل أكبر عدد من القتلى في صفوف العسكريين. ودعا الحدري إلى اعتماد استراتيجية جديدة في مكافحة الإرهاب بالابتعاد عن الطرق التقليدية في مجابهة المخاطر الإرهابية، وقال إنه على الحكومة التونسية اللجوء إلى نفس أسلوب الجماعات الإرهابية، وذلك باعتماد فرق مختصة، وأفراد مهمتهم ملاحقة الإرهابيين في أماكن تحصنهم والقضاء عليهم، على حد قوله.
وفي مؤتمر صحافي عقده كل من غازي الجريبي وزير الدفاع الوطني، ولطفي بن جدو وزير الداخلية، مساء أمس، أكدا على مواصلة محاربة الإرهاب إلى حين القضاء عليه من جذوره. وأشار الجريبي إلى فتح تحقيق داخلي حول العملية الإرهابية وتحديد المسؤوليات، وقال إن العملية الإرهابية خطيرة و«تدعونا إلى تغيير نمط تعاملنا مع المجموعات الإرهابية مستقبلا».
وبشأن العسكري المفقود خلال الهجوم الإرهابي، قال الجريبي إن المؤسسة العسكرية لا تتوفر على أي معطيات واضحة، وأضاف أن اليقظة والإبلاغ عن كل التحركات المريبة هو الطريق الأنجح لمكافحة الإرهابيين، مؤكدا أن أعداد الإرهابيين قد تكون «أكثر مما تصورناه».
من جهته، قال بن جدو إن تونس أحبطت ست عمليات إرهابية خلال أقل من ثلاثة أسابيع، ورأى أن الهدف من هذه العمليات إدخال البلاد في الفوضى، ومن ثم تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وإفشال المسار الانتقال الديمقراطي في تونس. وأشار بن جدو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات المستعجلة، على غرار تأمين السجون ونقاط جمع وتوزيع المياه، وإعادة تدريب أعوان الغابات للمساعدة على مكافحة الإرهابيين في المناطق الغابوية.
من جهته, قال الملحق الإعلامي، بوزارة الدفاع التونسية، رشيد بوحولة، إن «الجيش في حالة استنفار أكثر من أي وقت مضى».
وحول ما جرى تداوله بشأن خطأ استراتيجي للجيش، في الهجوم الإرهابي الذي قتل فيه 14 من عناصره، وأصيب أكثر من 20، وأن الإفطار كان جماعيا وهذا غير مفترض في عمل الجيش، أكد بوحولة لـ«الشرق الأوسط» أن «الإفطار لم يكن جماعيا بل كانت مناوبة، وأن الإرهابيين، وكما يعمدون دائما لجأوا لعنصر المباغتة»، مؤكدا أنهم يستعملون هذا الأسلوب سواء في تحديد التوقيت أو في اختيار المكان، مشيرا إلى أن هذا لا ينقص من قيمة أداء الجيش، بل إنه حتى «أقوى البلدان الغربية جرى استهدافها من طرف الإرهابيين. ومساحة الشعانبي 100 كلم مربع وليس من اليسير أو الهين السيطرة عليه شبرا شبرا، وأنه حتى نقاط المراقبة يمكن استهدافها وخصوصا أن الإرهابيين مدربون»، وأضاف: «هم متدربون على الجبال جيدا وعلى الكهوف، وهم من التونسيين والجزائريين، وهذا ما يفسر اختيارهم للشعانبي الذي هو امتداد للجبال الجزائرية».
وحول التعاون بين تونس والجزائر لمكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية أكد الملحق الإعلامي لوزارة الدفاع أنه «على مدار السنوات كان هناك تعاون خاصة في مكافحة الإرهاب وعلى الحدود واتفاقية مشتركة بموجبها يقع تبادل المعلومات الأمنية».
وشدد على أن «القوات المسلحة وبغض النظر عن هذه الأحداث دائما على أهبة الاستعداد لحماية البلاد..كلها عزم وإصرار على مكافحة الإرهاب، والجيش التونسي في حالة استنفار أكثر من أي وقت مضى لتأمين وتوفير عوامل الانتقال الديمقراطي، والمشاركة بالمساعدة بفترة الانتخابات».
وحول صلاحيات الجيش بالتدخل مباشرة للرد على مثل هذه الأحداث قال بوحولة إن «الجيش يساهم في حفظ النظام العام بطلب من الحكومة أو وزارة الداخلية، متميز بحياده وهذا مصدر قوته، ووقت المحن أثبت الجيش التونسي قدرته على إعادة الأمور إلى نصابها والمحافظة على مؤسسات الدولة».
من جانبه, قال زعيم حركة النهضة التونسية (الحزب الحاكم) راشد الغنوشي، متحدثا عن منفذي العملية الإرهابية في جبل الشعانبي: «هؤلاء المجرمون هم خوارج العصر ولكنهم كأسلافهم لن يستطيعوا أن يصلوا إلى مبتغاهم لأن الشعب التونسي موحد ضد الإرهاب والتطرف، موحد باتجاه استكمال مسيرته نحو الديمقراطية. قلوبنا ودعواتنا لعائلات الشهداء الذين نرجو لهم الصبر والسلوان ونقول لهم إن كل التونسيين معهم في مصابهم». ودعا الغنوشي الدولة والمجتمع في تصريحات خص بها «الشرق الأوسط» لتسخير «كل الإمكانيات للوقوف مع عائلات الشهداء والجرحى. ندعو جميع قوى الشعب التونسي أن تتوحد في وجه سرطان التطرف والإرهاب، وكلنا ثقة أن المستقبل لقوى الخير والسلم والاعتدال لأن الله لا يحب المعتدين».



محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.