موسكو تواجه دعوات إطلاق مسار جنيف بـ«رفض تسييس» الإعمار

TT

موسكو تواجه دعوات إطلاق مسار جنيف بـ«رفض تسييس» الإعمار

صعّدت موسكو من لهجتها ضد الأطراف الإقليمية والدولية التي تطالب بضمان تسوية سياسية شاملة للمشاركة في تقديم مساعدات اقتصادية والمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب في سوريا. وأعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، رفض بلاده ما وصفها بأنها «محاولات لتسييس» ملف إعادة الإعمار أو المساعدة في تهيئة الظروف الميدانية والاجتماعية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وقال الدبلوماسي الروسي، إن بلاده «ستواصل بذل جهودها لتحقيق عدم تسييس مسألتي تقديم المساعدة الاقتصادية والإنسانية لسوريا وعودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم». وشدد في حديث لوكالة أنباء «تاس» الحكومية، أن موسكو «تواصل العمل لمواجهة محاولات تسييس المساعدة الاقتصادية والإنسانية لسوريا، وضمان الظروف المناسبة كذلك للعودة السريعة للاجئين السوريين إلى أماكن إقامتهم التي غادروها بعد اندلاع النزاع. وفي الوقت نفسه تتواصل مكافحة الجماعات الإرهابية بإصرار».
وفي غمز مباشر من قناة الولايات المتحدة وبلدان أوروبية أعلنت رفضها المساهمة في تقديم مساعدات اقتصادية قبل إطلاق تسوية سياسية، قال نبينزيا إن «لا أحد من الأطراف يعمل أكثر من الدول الضامنة لاتفاقيات آستانة لتحريك العملية السياسية في سوريا». وأضاف أن «القمة الأخيرة لرؤساء روسيا وإيران وتركيا في طهران، بالإضافة إلى الاتفاقيات الروسية - التركية حول إدلب التي تم التوصل إليها في سوتشي، أثارت ردة فعل إيجابية في المجتمع الدولي».
ولمح الدبلوماسي الروسي إلى أن بلاده «قد تشارك في لقاء جديد حول سوريا ينظمه الاتحاد الأوروبي بهدف واحد فقط، وهو محاولة إقناع الدول الغربية بالتخلي عن سياستها الخبيثة تجاه سوريا»، موضحاً أن الاجتماع يشكل استكمالاً لمحادثات بروكسل حول سوريا التي أظهرت عدم الرغبة في المساعدة على إعادة إعمار سوريا قبل إجراء «إصلاحات سياسية» في هذا البلد. و«إذا شاركنا في هذا الاجتماع فلا ننوي تأييد هذا الموقف، وسنقوم بمحاولة جديدة لإقناع زملائنا بالتخلي عن السياسة الخبيثة التي يمارسونها».
ولفت المندوب الروسي إلى ما وصفها بأنها «وثيقة في سكرتارية الأمم المتحدة تدعو لعرقلة إعادة إعمار سوريا»، معرباً عن أمل في أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتسوية هذه المسألة. وأوضح أن موسكو «بذلت جهوداً بعد ظهور المعلومات حول وجود هذه الوثيقة وتوجهت إلى غوتيريش بطلب توضيح كيف ظهرت هذه الوثيقة المسيسة وغير الموضوعية في دائرة الشؤون السياسية للسكرتارية، وقال غوتيريش إنه لا يعرف شيئاً بهذا الصدد، وتوعد بتسوية هذا الاستفزاز الواضح الذي يقوض سمعة السكرتارية كهيئة محايدة. ونأمل بأنه قد يكون تم اتخاذ الإجراءات في هذا المجال».
على صعيد آخر، رد الكرملين بقوة على تصريح لوزير إسرائيلي قال أخيراً، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض تلقي الاتصالات من نظيره السوري بشار الأسد بعد إسقاط طائرة «إيليوشين - 20» الروسية في سوريا. ونفى الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، صحة المعطيات الإسرائيلية، مشدداً على أنها «لا تتوافق مع الواقع»، ودعا الصحافيين إلى «عدم التعامل» مع ما ورد في وسائل الإعلام العبرية بهذا الخصوص نقلاً عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس.
وأشار بيسكوف إلى أن بوتين «سبق أن أعلن بوضوح موقفه عندما قال إن حادثة إسقاط الطائرة الروسية نجمت عن سلسلة صدف مأساوية ولا يجب مقارنته بإسقاط تركيا مقاتلة روسية من طراز (سوخوي – 24) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015».
إلى ذلك، واصلت وسائل إعلام روسية حكومية، أمس، تكرار أسطوانة «نقل أسلحة كيماوية» إلى إدلب، ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن مصادر لم تحدد هويتها، لكنها وصفتها بأنها «مطلعة»، أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) سلمت مسلحي تنظيمي «داعش» و«أنصار التوحيد» ست عبوات تحوي غاز السارين وغاز الكلور.
وأضافت أن مقربين من قياديين في جماعات مسلحة تنشط في إدلب، قالوا إن الهيئة سلمت هذين التنظيمين اللذين انتشرا مؤخراً في بعض مناطق ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي، ست عبوات من غاز السارين وغاز الكلور، وهي مناطق دخل معظمها ضمن تصنيف (المنطقة منزوعة السلاح) بحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في سوتشي أخيراً بين الرئيسين الروسي والتركي. وزعمت المصادر، أن ثلاث عبوات مماثلة لا يزال مصيرها مجهولاً بعد مقتل عناصر من مؤسسة «الخوذ البيضاء» كانوا ينقلونها لتسليمها إلى جهة غير معروفة في الريف الشمالي الشرقي لإدلب عند الحدود الإدارية مع محافظة حلب. وذهبت «سبوتنيك» أبعد من ذلك، مشيرة إلى أن «جبهة النصرة» عملت، منذ منتصف الشهر الماضي، على دمج مقاتلي «داعش» المتحدرين من جنسيات آسيوية في صفوفها قبل تسهيل انتشارهم بمناطق سيطرة الحزب الإسلامي التركستاني في الجبهتين الغربية والجنوبية الغربية لمحافظة إدلب، في حين قامت الجبهة خلال الأسابيع القليلة الماضية بإسكان وتوطين «مقاتلي الخليجيين والعراقيين» وآخرين يتحدرون من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة، في بعض مناطق ريف حماة الشمالي.
وكانت موسكو أعلنت مرات عدة خلال الأسابيع الأخيرة، أنها تمتلك معلومات عن قيام النصرة بإدخال مكونات كيماوية لـ«فبركة» هجوم، وقالت إنها صورت لقاءات ولديها «أدلة دامغة»، كما حددت مرتين خلال الأسبوعين الأخيرين موعداً للقيام بـ«الاستفزاز الكيماوي» وفقاً لوصف الناطق العسكري الروسي، لكن موسكو لم تقدم تلك «الأدلة»، وفقاً لتعهد سابق إلى مجلس الأمن الدولي.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.