ماكرون سيستغل وجوده في نيويورك لـ {إخراج لبنان من أزمته}

مصادر رئاسية: سيناقش الملف اللبناني مع روحاني وأطراف أخرى

TT

ماكرون سيستغل وجوده في نيويورك لـ {إخراج لبنان من أزمته}

خلال اللقاء الذي سيجمعه بالرئيسين الأميركي دونالد ترمب الاثنين القادم والإيراني حسن روحاني الثلاثاء، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، سيكون الملف اللبناني أحد المواضيع الرئيسية التي سيثيرها الرئيس ماكرون معهما، بحثا عن وسائل لتسهيل خروج لبنان من أزمة تشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من أربعة أشهر على الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر مايو (أيار) الماضي، بحسب مصادر رئاسية لـ«الشرق الأوسط».
وليس جديدا اهتمام باريس بتطورات الوضع الداخلي في لبنان وقيامها بدور «الميّسر» في بلورة حلول عن طريق توفير «الظروف الخارجية» التي من شأنها تمكين اللبنانيين من التوافق مرة على اسم رئيس الجمهورية ومرة أخرى على استيلاد حكومة. ومصدر القوة، بالنسبة لفرنسا، وفق ما تؤكده مصادرها، أنها «تتحدث إلى الجميع» في الداخل والخارج وهي قادرة بالتالي علي «تمرير الرسائل» لكل الأطراف. وليس سرا الدور الذي لعبته فرنسا في ايجاد تعبئة دولية في المؤتمر الذي استضافته العاصمة الفرنسية المسمى «سيدر»، بما وفره من التزامات استثمارية لإنهاض الاقتصاد اللبناني «أكثر من عشرة مليارات دولار» شريطة أن يتوافر أمران: الأول يتناول الإصلاحات الاقتصادية البنيوية الإدارية التي يحتاج إليه لبنان مقرونة بـ«الشفافية» التي تحمي من الفساد، والثاني التزامه في سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة وخصوصا الحرب في سوريا. والحال أن لا إصلاحات من غير حكومة تعدّ المشروعات وتقدمها إلى المجلس النيابي، ولا نأي بالنفس بالنظر للتطورات السياسية الحاصلة.
تقول مصادر رئاسية فرنسية سألتها «الشرق الأوسط»، أمس، إن فرنسا «مع تمسكها باستقلال وسيادة لبنان ما فتئت تعبر على جميع المستويات وبفضل حوار قائم ودائم عن قلقها ومشاغلها»، إزاء الوضع السياسي وعرقلة تشكيل الحكومة العتيدة معيدة إلى الأذهان «الجهود الكبيرة» التي بذلتها من أجل الأمن والاستقرار في لبنان، أكان في مؤتمر «سيدر» أو في مؤتمر «روما2» لدعم الجيش اللبناني. وتضيف المصادر الرئاسية: «نحن بحاجة بعد مرور فترة أربعة شهور على الانتخابات، لحكومة تحقق تقدما في مجال الإصلاحات وفي خطة الاستثمار التي تم تبينها في مؤتمر (سيدر)».
لذا، فإنه «من المهم جدا أن ندفع باتجاه أن يتفق اللبنانيون فيما بينهم وأن ينجحوا في تشكيل حكومة جديدة». وسبق لوزير الخارجية أن قال رسميا إن باريس «مستعدة للتعامل مع أي حكومة ترى النور، شرط أن تحترم النأي بالنفس وتعمد إلى القيام بالإصلاحات». ولا يختلف موقف باريس عن مواقف شركائها الأوروبيين أو أولئك الذين ساهموا في مؤتمر «سيدر» وقدموا التزامات مالية كبيرة.
بيد أن الحرص الفرنسي الثابت لن يترجم هذه المرة باجتماع بين الرئيس ماكرون ورئيس الجمهورية ميشال عون. وقالت أوساط الرئاسة إنه «لا اجتماع ثنائيا محددا» مع الرئيس عون، لأنه كان من الصعب إيجاد الوقت المناسب. لكن هذا لا يعني أنهما لن يلتقيا «عرضا» خلال وجودهما معا في نيويورك. وبالمقابل، فإن وزيري الخارجية لودريان وجبران باسيل سيحضران معا الاجتماع الخاص بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الذي سيعقد في الجمعية العامة الخميس القادم، وسيكون الهدف منه توفير الأموال لاستمرار تشغيل الوكالة بعد أن قررت واشنطن قطع مساهماتها المالية عنها.
ورغم غياب الاجتماع على مستوى الرئيسين، فإن باريس تؤكد أنها «على تواصل دائم» مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين عبر سفيرها برونو فوشيه في بيروت الذي «أوصل رسائلنا إلى الجميع». وثمة زيارة مرتقبة لرئيس مجلس النواب اللبناني إلى باريس. بيد أن أوساطا سياسية أخرى في العاصمة الفرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، ترى أن أوراق الضغط على الأطراف التي من شأنها أن تدفع جديا باتجاه تسهيل مهمة رئيس الوزراء المكلف «ليست كثيرة» بيد الدبلوماسية الفرنسية. لكن باريس تعتمد على «علاقاتها الجيدة» مع الأطراف الخارجية المؤثرة في الوضع اللبناني، كما أنها قادرة على تعبئة الاتحاد الأوروبي لهدف توفير «شبكة أمان» للبنان تسهل له الاستمرار في أن تكون له حياة عادية «في ظل وضع شرق أوسطي بالغ التعقيد وعميق الانقسامات». فهل تنجح باريس في مساعيها؟



انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)

بالتزامن مع بيانات أممية أكدت اتساع رقعة الفقر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تواصل الجماعة المدعومة إيرانياً إشعال الصراعات القبلية التي تحولت إلى أحد مصادر كسب الأموال لدى قادتها، إلى جانب إشغال فئات المجتمع بالصراعات البينية لتجنب أي انتفاضة شعبية نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.

وذكرت مصادر قبلية أن وجهاء محليين في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) أبرموا اتفاقاً للهدنة بين قبيلتي «المعاطرة» و«ذو زيد» بعد أسبوع من المواجهات القبلية التي أدت إلى وقوع 16 قتيلاً وجريحاً من الجانبين.

عناصر حوثيون في صنعاء خلال حشد دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

وأوضحت المصادر أن الوسطاء أعادوا فتح الطرقات بين منطقتي المواجهة التي تأتي في سياق تغذية الصراعات القبلية في المحافظة لإضعاف القبائل وإبعادها عن أي مواجهة مرتقبة مع الحوثيين.

واندلعت الاشتباكات - بحسب المصادر - نتيجة خلافات قبلية على ملكية جبل يسمى «نهم» يفصل بين القبيلتين، ويدَّعي كل طرف ملكيته، لكنها اتهمت قيادات في جماعة الحوثي بالوقوف خلف تلك الاشتباكات بعد تغذيتها للخلافات بين الطرفين منذ ما يقارب الشهرين، وعدم فصلها فيها رغم لجوء الطرفين إلى المشرفين الحوثيين هناك.

نزاع في إب

وفي مديرية الشعر التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) قام القيادي الحوثي أشرف الصلاحي، وهو المسؤول عن إدارة المديرية، بشن حملة لاختطاف العشرات من السكان، وتغذية خلافات بين عائلتي «شهبين» و«عبية» على خلفية السعي لافتتاح طريق فرعي يمر عبر أراضٍ زراعية تملكها الأولى، رغم وجود طريق رئيسي تم تعبيده على نفقة السكان، ويُستخدم منذ عشرات السنين.

ووفقاً لما ذكره سكان في المنطقة التي تعد واحدة من بؤر المعارضة لسلطة الحوثيين، نشب خلاف بين الأسرتين في قرية «الشريحيين» بعزلة الأملوك حول استحداث طريق إضافي في المنطقة، حيث رفضت عائلة «شهبين» ضغوط القيادي الحوثي الصلاحي المعين مديراً للمديرية لفتح الطريق بقوة السلاح.

حملة عسكرية أرسلها الحوثيون لنصرة طرف ضد آخر في محافظة إب (إعلام محلي)

وأكد السكان أن الوضع في طريقه للانفجار في ظل إصرار القيادي الحوثي على انحيازه إلى أحد الأطراف، والحصول على أموال مقابل ذلك الموقف، وتمسُّك المعارضين بموقفهم.

وطبقاً لما روته مصادر قبلية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الحوثيين في معظم المناطق يعتمدون على الجبايات في جمع الأموال، وتدبير نفقاتهم وإدارتهم، حيث يرغمون السكان على دفع نفقات تحرك أفراد الشرطة لمعاينة أي حادثة أو إحضار أحد المطلوبين، كما يحرصون على أن يكونوا محكمين في أي قضايا خلافية بين السكان للحصول على مبالغ مالية والحيلولة دون وصول هذه القضايا إلى المحاكم.

العبث بالقضاء

كانت الجماعة الحوثية قد شكلت قبل عامين ما سمته «المنظومة العدلية» بقيادة محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، بهدف إدارة المحاكم والقضاة ومراقبتهم، واتخاذ العقوبات اللازمة بحقهم.

وأخيراً منحت الجماعة نفسها من خلال التعديل الأخير على قانون السلطة القضائية، حق تعيين معممين طائفيين قضاة في المحاكم، كما أضافت مادة إلى القانون تمنح هؤلاء القضاة حق معاقبة المحامين بالمنع من الترافع لمدة 3 أعوام إذا رأوا أن مرافعاتهم لا تسير وفق هوى الجماعة.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

التعديلات التي قوبلت باعتراض رسمي وشعبي واسع رفضتها نقابة المحامين اليمنيين؛ إذ عبّرت عن أسفها من إقدام ما يسمى مجلس النواب في صنعاء الذي يضم عدداً لا يزيد على 40 فرداً أغلبهم تم انتخابهم من قِبل الحوثيين بعد وفاة الأعضاء الأساسيين، على إقرار مشروع التعديل الخاص بقانون السلطة القضائية دون نقاش.

وبينما أكدت النقابة تمسُّكها الكامل بموقف المحامين الرافض للتعديلات القانونية برمتها، وإدانة تمرير المشروع، رأى محامون أن إفراغ القضاء والعد التنازلي لإنهاء استقلاله في مناطق سيطرة الحوثيين بدأ منذ قبول ما يسمى مجلس القضاء «الخضوع والتماهي مع مخططات الجماعة»، وإجبار القضاة على حضور دورات طائفية حتى يحافظوا على فتات لقمة العيش التي يحصلون عليها.

ووصف المحامون تلك التعديلات التي أُدخلت على قانون السلطة القضائية بأنها نتيجة التنازلات المؤلمة التي أصبح ضحيتها الشعب بأكمله.

اشتداد الفقر

تأتي هذه الممارسات الحوثية بينما لا يزال انعدام الأمن الغذائي مرتفعاً، حيث يعاني واحد من كل اثنين من الأسر من استهلاك غير كافٍ للغذاء، في حين تأثرت نحو 43 في المائة من الأسر في مناطق سيطرة الجماعة بشكل كامل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة استهلاك الغذاء الرديئة، وهي مقياس للحرمان الشديد من الغذاء، تعكس مستويات مثيرة للقلق حيث تأثرت نحو 20 في المائة من الأسر سلباً، وفق ما ورد في بيانات أممية حديثة.

مع اتساع رقعة الفقر يخشى الحوثيون من انتفاضة شعبية (الأمم المتحدة)

وطبقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين يرجع في المقام الأول إلى خفض المساعدات الإنسانية، ما يؤثر في أولئك الذين اعتمدوا عليها بشكل كبير، جنباً إلى جنب مع الفيضانات الأخيرة والانحدار العام في سبل العيش.

وأدى ذلك - وفق المنظمة الأممية - إلى صدمات للأسر وفقدان الدخل في تلك المناطق، حيث أثرت على نحو 59 في المائة من الأسر، وهي نسبة أعلى بكثير مقارنة بالشهرين الماضيين، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، فقد واجهت نحو 53 في المائة من الأسر صدمات خلال شهر.