نيويورك تترنح في وجه التغيرات الجديدة

من عرض نعيم خان
من عرض نعيم خان
TT

نيويورك تترنح في وجه التغيرات الجديدة

من عرض نعيم خان
من عرض نعيم خان

كان مصمّم الأزياء الإيطالي الراحل جياني فرساتشي، الذي شكّل دخوله عالم الموضة ثورة حقيقية ما زالت تداعياتها تتردد إلى اليوم، يقول: «حذارِ من الخضوع لمقتضيات الموضة.. أنت التي تقررين من تكوني وما الذي تريدين التعبير عنه». لكن تكفي نظرة سريعة على كل ما يحيط بنا في عالم اليوم، لنتبين إلى أي مدى أصبحت حياتنا رهينة للموضة بكل منحنياتها التي لم تعد مقصورة على الملبس وما يستلزم من أدوات التبرّج، وكيف تحوّلت الأزياء إلى الوسيلة الأساسية للتعبير المباشر والفوري في مجتمعاتنا.
البداية كانت في أوروبا التي لا تزال السبّاقة في الإبداع والقدوة في الأناقة، لكن مركز الثقل التجاري انتقل منذ عقود إلى الطرف الآخر من المحيط الأطلسي ليستقرّ، كما في معظم القطاعات الأخرى، في الولايات المتحدة قبل أن يبدأ تمدده إلى الأسواق الآسيوية الناشئة. لذلك بات مألوفاً أن يكون أسبوع الموضة في نيويورك هو باكورة الأسابيع العالمية التي تتوالى في باريس ولندن وميلانو وغيرها، معلناً بداية المواسم مرّتين كل عام في فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول).
تعود بدايات أسبوع الموضة في نيويورك إلى الحرب العالمية الثانية عندما صار متعذّراً على الصحافيين الذهاب إلى باريس التي كانت تحت الاحتلال النازي، فقررت بعض دور الأزياء الكبرى تنظيم عروض لها في عاصمة ناطحات السحاب إلى أن وضعت الحرب أوزارها، ثم راحت تتكرر هذه العروض موسميّاً وتلقى إقبالاً متزايداً من الجمهور الأميركي، إلى أن استقرّت في صيغتها الراهنة اعتباراً من عام 1993.
ما زالت قاعات مركز لنكولن الفسيحة هي التي تستضيف معظم العروض. أسبوع شهد عودة المصمّم توم فورد الذي رفع الأسماء الأميركية إلى مصاف الدور الأوروبية العريقة. العلامات الأميركية الكبرى ستكون على الموعد هذا العام أيضا في نيويورك، من دونا كاران إلى مايكل كورس وكالفن كلاين ورالف لورين، إلى جانب علامات أوروبية بارزة للملبوسات الجاهزة مثل لاكوست. كما شهد الأسبوع عودة المطربة ريحانة التي منذ دخولها معترك الموضة تثير زوبعة تلو الأخرى لجرأة تصاميمها وأسلوبها الخارج عن المألوف. وقد تقرر أن تقدّم ريحانة مجموعتها الجديدة للملبوسات الداخلية تحت الشعار المدّوي «الأناقة المتوحّشة» عزفت فيها على وتر إبراز المفاتن.
نقلت نجمة البوب العرض من مانهاتن إلى بروكلين ليكون بمثابة الختام غير الرسمي للأسبوع بعد عرض مارك جاكوبس.
وبانتقالها إلى بروكلين تكون قد رسّخت الطقوس الجديدة في عروض أسبوع نيويورك التي صارت تتنقّل بين الفنادق العريقة وصالات العرض الفنيّة أو الدور السكنية الفخمة والمقاهي والمطاعم التراثية.
في المقابل قررت فيكتوريا بيكام أن تحتفل بالذكرى السنوية العاشرة لإطلاق علامتها التجارية بالعرض في لندن عوض نيويورك، فيما أصبح اتجاها يسود في السنوات الأخيرة بين العديد من المصممين الذين هجروا نيويورك إلى لندن أو باريس أو ميلانو. ومن الأسباب المباشرة التي أدّت إلى نزوح مصممين إلى العواصم الأوروبية، المحفزّات والتسهيلات التي تقدّمها هذه العواصم للمصممين، وبخاصة الشباب والمستقلّين الذين ليسوا تابعين للعلامات الكبرى. ولكون كبار التجّار ما زالوا يفضّلون الأسابيع الأوروبية لعقد صفقاتهم.
وتجهد الهيئة المشرفة على تنظيم أسبوع نيويورك للتكيّف مع هذه المستجدات التي باتت تهدد تظاهرة تدّر 900 مليون دولار سنوياً على منطقة مانهاتن وحدها، وتؤمّن 180 ألف فرصة عمل معظمها للشباب. وهي تدرس حاليا مشروعاً لتغيير مواعيد العروض السنوية وتنظيمها في يونيو (حزيران) وديسمبر (كانون الأول)، كما قرر عدد من المصممين بصورة أحادية، وفي طليعتهم ألكسندر وانغ الذي أعلن أنه يشارك للمرة الأخيرة هذه السنة في أسبوع نيويورك حسب الروزنامة التقليدية. لكن إنزال نيويورك عن عرشها في عالم الموضة لن يكون سهلاً، نظراً لما تتمتّع به من حيوية وقدرة على الابتكار والتكيّف والقيادة في شتّى المجالات، وللموارد الضخمة التي في تصرّفها.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
TT

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن الأوضاع لن تكون جيدة في عام 2025. فالركود الاقتصادي مستمر، وسيزيد من سوئه الاضطرابات السياسية وتضارب القوى العالمية.

حتى سوق الترف التي ظلت بمنأى عن هذه الأزمات في السنوات الأخيرة، لن تنجو من تبعات الأزمة الاقتصادية والمناوشات السياسية، وبالتالي فإن الزبون الثري الذي كانت تعوّل عليه هو الآخر بدأ يُغير من سلوكياته الشرائية. مجموعات ضخمة مثل «إل في إم آش» و«كيرينغ» و«ريشمون» مثلاً، وبالرغم من كل ما يملكونه من قوة وأسماء براقة، أعلنوا تراجعاً في مبيعاتهم.

أنا وينتور لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

لكن ربما تكون بيوت بريطانية عريقة مثل «مالبوري» و«بيربري» هي الأكثر معاناة مع قلق كبير على مصير هذه الأخيرة بالذات في ظل شائعات كثيرة بسبب الخسارات الفادحة التي تتكبدها منذ فترة. محاولاتها المستميتة للبقاء والخروج من الأزمة، بتغيير مصممها الفني ورئيسها التنفيذي، لم تُقنع المستهلك بإعادة النظر في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير لم يتقبله. استراتيجيتها كانت أن ترتقي باسمها لمصاف باقي بيوت الأزياء العالمية. وكانت النتيجة عكسية. أثبتت أنها لم تقرأ نبض الشارع جيداً ولا عقلية زبونها أو إمكاناته. وهكذا عِوض أن تحقق المراد، أبعدت شريحة مهمة من زبائن الطبقات الوسطى التي كانت هي أكثر ما يُقبل على تصاميمها وأكسسواراتها، إضافة إلى شريحة كبيرة من المتطلعين لدخول نادي الموضة.

المغنية البريطانية جايد ثيروال لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

هذا الزبون، من الطبقة الوسطى، هو من أكثر المتضررين بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي فإن إمكاناته لم تعد تسمح له بمجاراة أسعار بيوت الأزياء التي لم تتوقف عن الارتفاع لسبب أو لآخر. بينما يمكن لدار «شانيل» أن ترفع أسعار حقائبها الأيقونية لأنها تضمن أن مبيعاتها من العطور ومستحضرات التجميل والماكياج وباقي الأكسسوارات يمكن أن تعوض أي خسارة؛ فإن قوة «بيربري» تكمن في منتجاتها الجلدية التي كانت حتى عهد قريب بأسعار مقبولة.

المعطف الممطر والأكسسوارات هي نقطة جذب الدار (بيربري)

«مالبوري» التي طبّقت الاستراتيجية ذاتها منذ سنوات، اعترفت بأن رفع أسعارها كان سبباً في تراجع مبيعاتها، وبالتالي أعلنت مؤخراً أنها ستعيد النظر في «تسعير» معظم حقائبها بحيث لا تتعدى الـ1.100 جنيه إسترليني. وصرح أندريا بالدو رئيسها التنفيذي الجديد لـ«بلومبرغ»: «لقد توقعنا الكثير من زبوننا، لكي نتقدم ونستمر علينا أن نقدم له منتجات بجودة عالية وأسعار تعكس أحوال السوق».

الممثل الآيرلندي باري كيغن في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

«بيربري» هي الأخرى بدأت بمراجعة حساباتها؛ إذ عيّنت مؤخراً جاشوا شولمان، رئيساً تنفيذياً لها. توسّمت فيه خيراً بعد نجاحه في شركة «كوتش» الأميركية التي يمكن أن تكون الأقرب إلى ثقافة «بيربري». تعليق شولمان كان أيضاً أن الدار تسرّعت في رفع أسعارها بشكل لا يتماشى مع أحوال السوق، لا سيما فيما يتعلق بمنتجاتها الجلدية. عملية الإنقاذ بدأت منذ فترة، وتتمثل حالياً في حملات إعلانية مبتكرة بمناسبة الأعياد، كل ما فيها يثير الرغبة فيها.