فريق الدفاع في محكمة الحريري يرافع سياسياً ويتجنب قرائن الاتصالات

لم يحاول تقويض الأدلة التي قدمها الادعاء

الجلسة الافتتاحية للمرحلة الأخيرة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مؤخراً في لاهاي (رويترز)
الجلسة الافتتاحية للمرحلة الأخيرة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مؤخراً في لاهاي (رويترز)
TT

فريق الدفاع في محكمة الحريري يرافع سياسياً ويتجنب قرائن الاتصالات

الجلسة الافتتاحية للمرحلة الأخيرة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مؤخراً في لاهاي (رويترز)
الجلسة الافتتاحية للمرحلة الأخيرة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مؤخراً في لاهاي (رويترز)

تجنب فريق الدفاع عن المتهمين الأربعة في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، محاولة تقويض الأدلة التي قدّمها الادعاء العام ضدّ المتهمين، والطعن بالقرائن والأدلة الثبوتية، وكشف الوسائل التي استخدمها الجناة في مراقبة الحريري على مدى أربعة أشهر قبل اغتياله، وحتى ما بعد التفجير الذي أودى بحياة الحريري ورفاقه في 14 فبراير (شباط) 2015 في منطقة السان جورج وسط بيروت.
ولليوم الثاني على التوالي، انصرف محامو الدفاع في مرافعاتهم للردّ على الأدلة السياسية التي أثارها المدعي العام، والظروف السياسية التي كان يمرّ بها لبنان، وهيّأت الأجواء لاتخاذ القرار بتصفية الحريري جسدياً وإزاحته عن المشهد السياسي، متجنباً إلى حدّ كبير الغوص في مناقشة الأدلة المادية والفنية والتقنية، المرتبطة بدليل الاتصالات، وكيفية تحرك المتهمين في عملية مراقبة الحريري، واستخدامهم أربع شبكات هاتف مغلقة، في المحيط الجغرافي القريب جداً من مكان وجود الحريري وتنقلاته في مختلف المناطق اللبنانية.
وكان المدعي العام لدى المحكمة الدولية نورمان فاريل وفريقه، استهلّوا مرافعاتهم بإبراز الأدلة السياسية، والحديث بإسهاب عن توتر العلاقات بين الحريري والنظام السوري برئاسة بشّار الأسد، والقلق الذي كان ينتاب دمشق من انتقال الحريري إلى المعارضة وخوض الانتخابات النيابية في لوائح موحّدة معها، وسط استطلاعات ترجّح فوزاً كاسحا للحريري على حلفاء النظام السوري في لبنان، وبالتالي إضعاف القبضة السورية وفتح الطريق على المطالبة بخروج الجيش السوري، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1559، الذي صدر غداة فرض التمديد للرئيس السابق إميل لحود، بالقوة ورغم إرادة غالبية البرلمان اللبناني.
وفي التقييم القانوني للاستراتيجية التي يعتمدها فريق الدفاع عن المتهمين سليم عياش، حسين عنيسي، أسد صبرا وحسن مرعي، أكد محامٍ لبناني يعمل في القضايا الجزائية، أن فريق الدفاع «لم يقدّم جديداً عما سبق وأثاره خلال جلسات المحاكمة». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن استراتيجية الدفاع تركز على الجانب السياسي وإعطاء صورة سياسية أكثر مما هي صورة قانونية مكمّلة للأدلة». وقال المحامي، الخبير في القانوني الجزائي الدولي: «كنا نتوقع من الدفاع أن يقارع الدليل بالدليل، لكن كلامه بقي سياسيا، بعيداً عن الجوهر ويفتقر الإثبات العلمي، وكلما يقترب من دليل الاتصالات يحاول إسقاط هذه الأدلة نظرياً من دون الدخول في مناقشتها من الناحية العلمية». وذهب المحامي إلى حدّ القول: «الدفاع مفلس في تقديم الأدلة المقنعة، التي تفترض أن تدحض أدلة الادعاء، ولذلك نجده ينتقل من حقل الأدلة الصلبة، إلى الاتهام والتشويش على الأدلة وإعطاء نفس الصورة التي كان يعطيها أمين عام (حزب الله) حسن نصر الله ومسؤولو (حزب الله)، لا بل ذهب إلى حد تمجيد المقاومة، وهذه المرافعات تصلح لخطاب سياسي وليس إلى مقارعة قانونية».
وكان لافتاً في مرافعات الأمس، أن فريق الدفاع أكد عدم انتفاء الدليل على وجود أحمد أبو عدس في مسرح الجريمة، مرجحاً أن الأخير هو الانتحاري المفترض، بخلاف كلّ التحقيقات التي أجرتها لجان التحقيق الدولية، وأثبتت أن لا أثر لأبو عدس في موقع التفجير، وأنه استخدم للتضليل وإشاحة النظر عن المنفذين الحقيقيين.
وبغضّ النظر عن قوة الأدلة التي قدمها فريق الادعاء، أعاد وزير العدل الأسبق شارل رزق، التأكيد على «أهمية ترسيخ مفهوم العدالة»، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا تناقض بين العدالة ومصلحة لبنان». ولفت إلى أن «الحكم الذي سيصدر عن المحكمة هو حكم غيابي، وصادر عن محكمة البداية، وأي متضرر من هذا الحكم له الحق بالاستئناف، علما بأن لا أحد يعرف ما يدور في ذهن قضاة المحكمة ومن الصعب معرفة القناعة التي سيصلون إليها، سواء بإدانة المتهمين أو تبرئتهم». وأضاف رزق «أياً كان الحكم يجب مساعدة المجتمع اللبناني على تجاوز مرحلة الحكم وآثاره، والرئيس سعد الحريري ابن الشهيد رفيق الحريري أدلى من لاهاي (مقرّ المحكمة) بموقف معتدل وإيجابي، وقابله (حزب الله) بكلام هادئ أيضاً، والمهم أن يظهر اللبنانيون نضجهم، ويغلّبوا مصلحة البلد على أي مصلحة أخرى».
من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدولي المحامي الدكتور أنطوان صفير، أن «المسار القضائي للمحكمة ماضٍ في طريقه الطبيعي، بغض النظر عن محاولات التشكيك من عدمه». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «من الطبيعي أن يقوم فريق الدفاع باستخدام ما لديه ولأقصى الحدود لينقض ما أدلى به فريق الادعاء، لجهة اعتبار الأدلة ضعيفة أو غير موجودة، بغض النظر عن أحقية كلامه من عدمه»، لافتاً إلى أن المحاكمة «تجري أمام محكمة دولية قائمة بحكم قرار صادر عن الأمم المتحدة، للنظر بجريمة كبرى (اغتيال الحريري) وجرائم أخرى متلازمة، وهذه المحكمة وحدها المخوّلة بتقدير قوّة أدلة الادعاء، ومدى صوابية ما يدلي به فريق الدفاع أيضاً».



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.