الإنسان ضد الآخر في «المفترس» وسواه

أفلام الأمس دروس... وباريس المدرسة

مشهد من فيلم «المفترس»
مشهد من فيلم «المفترس»
TT

الإنسان ضد الآخر في «المفترس» وسواه

مشهد من فيلم «المفترس»
مشهد من فيلم «المفترس»

من الدلالات ذات الشأن أن باريس ما زالت تنضح، منذ عهود طويلة، بالعروض السينمائية المتنوعة وأن الجديد مثل «المفترس» و«وايت بوي ريك» و«الراهبة» و«مهمة مستحيلة» و«ذا مَغ» وكل ما تضخه السينما من أفلام، معروضة جنباً إلى جنب مع «هيروشيما حبي» لآلان رينيه (1959) و«أيام الجنة» لترنس مالك (1979) و«أطفال الجنة» لمارسيل كارنيه (1945) و«ثيوريم» لبيير باولو بازوليني (1969).
كذلك أن النسخة الجديدة من «مولد نجمة» لبرادلي كوبر، ستواجهها في باريس نسخة فرانك بيرسون من الفيلم ذاته، تلك التي أنتجت سنة 1976. وهذه هي بعض من عشرات الأفلام القديمة التي توالى عروضها كل أسبوع في صالات متعددة في فرنسا تعيش في الماضي وتشعر بالأمان فيه.
أي فيلم من هذه يحمل ما يكفي ليكون درساً في السينما على عكس أفلام اليوم التي ترفه، لكنها لا تشكل أي إفادة لطالب إخراج أو كتابة. لذلك تتبدى عروس أوروبا، باريس، كالمكان الذي على المخرجين الشبان الطامحين إلى مستقبل في هذه المحنة أن يعيشوا فيه ويشاهدوا فيلماً كلاسيكياً واحداً في اليوم. إذا استطاعوا استيعابه انتقلوا إلى سواه حتى تكتمل بانوراما من أفلام العالم تساعد المخرج على القيام بمشروعه على وجه أفضل بكثير من مجرد دراسة السينما في المعاهد، على أهمية هذه الدراسة هذه الأيام.
مفترس وآخر
تلك الأمثلة الواردة أعلاه لأفلام قديمة تعرض كما لو أنها جديدة، تشترك أيضاً في أن الحكايات بشرية وعاطفية درامية وكوميدية سوداء. هي وسواها مما هو متاح حالياً اهتمت في معالجة مواضيع لها علاقة بالفرد والفرد الآخر. الإنسان ومثيله. المرء ونظيره. هناك أفلام تعيد الصالات الفرنسية عرضها من حين لآخر تنتمي إلى الخيال العلمي والفضائي تصور صراع الإنسان مع المخلوقات غير البشرية، لكنها تنتمي إلى بعض أفضل ما جرى تحقيقه في هذا المجال. أفلام تحدت العقود وما زالت مدهشة.
أما في الجانب الأقرب منالاً فإن الصراع الأكثر انتشاراً هو صراع الإنسان ضد سواه من المخلوقات غير الإنسانية. نعم هناك حكايات البوليس مع عصابات شوارع أو منظمات إرهابية وهذه ما زالت كثيرة ومنتشرة، لكن ما تحمله أفلام الخيال العلمي وأفلام الرعب جنباً إلى جنب هي كثرة الاعتماد على أعداء إما جاءوا من الفضاء الشاسع أو من المتحولين الذين أصابتهم لوثة إلكترونية أو جرثومية فنزعت عنهم الإنسان والإنسانية وحولتهم إلى سفاحين وقتلة ومصاصي دماء.
يحط «المفترس» في هذا الركب. وهو فيلم يقع بين إعادة صنع وإعادة تجذير منفرد معتمداً على الحكاية التي ظهرت في فيلم «مفترس» كما حققه جون ماكتيرنان سنة 1987، من بطولة أرنولد شوارزنيجر وخمسة من رفاقه المدججين بالأسلحة والعضلات، صوني لاندهام، وجيسي فنتورا، وبيل ديوك، كارل وذرز وريتشارد شافيز. كان فيلماً رجالياً بامتياز (الأنثى الوحيدة بينهم هي مواطنة من هنود أميركا الوسطى اسمها آنا ولعبتها إلبيديا كاريللو). كان كذلك فيلما يموه شخصية الوحش الضاري. نعم مخلوق يعيش في الغابة المكتظة ويتخذ أشكالاً وألواناً متعددة لكنه لا يُرى. ينقض على فريسته من حيث لا يمكن التنبؤ أو الشعور به.
الفيلم الجديد، من إخراج شاين بلاك الذي كان له دور صغير في الفيلم السابق «أول ضحايا الوحش»، يقرر إزالة ذلك الغموض المحبب لماهية الوحش ويظهره قريب الشكل وبشع الهيئة كأي وحش آخر في السنوات القريبة. الغموض ليس الوحيد الذي يختفي من كيان هذا الفيلم، بل كذلك الرعب.
من يشاهد الفيلم السابق لا يستطيع التثاؤب ولا النظر إلى ساعته أو اللجوء إلى هاتفه الجوال. إدارة متينة لأحداث لا مزاح فيها تنتمي إلى سينما الرعب بإجادة. أما «المفترس» الحالي فيزيل الرعب من مفرداته ويلجأ إلى كل ما هو يسير الفعل من مؤثرات ومتكرر من توقعات مع إضافة قليل من التأثيرات بأفلام حديثة أخرى. «ذا آيرون مان» (الجزء الثالث تحديداً) يقفز إلى البال هنا و«ذا أليان» هناك والبطل (بويد هولبروك) مزود بقدرات الكونغ فو والنينجا وفنون قتال أخرى. أما مسيرة القصة ذاتها فتتعرج على النحو التقليدي: البداية بكيف حط الوحش على كوكب الأرض. من ثم الانتقال إلى المهمة المسنودة إلى بطل الفيلم مع من سيصبحون أزلامه في تلك الرحلة اللعينة وبعد ذلك المواجهة وفي النهاية نصف نصر مع احتمال أن يتحول النصر إلى هزيمة كاملة إذا ما حقق الفيلم إيراداً عالياً.
زومبي وسيارة
وهو أنجز إيراداً متوسطاً (26 مليون دولار مع بعض الفكة مقابل 88 مليون دولار كتكلفة) مما يدعو للطمأنينة من أن الفيلم أو الوحش لن يلد جزءاً ثانياً.
هذا أيضاً هو حال فيلم «تحسين» (Upgrade) الذي عرض على مراحل. افتتح في الولايات المتحدة أولاً ثم امتد شمالاً صوب كندا وشرقاً صوب أوروبا وهو يُعرض حالياً في عدد من الدول الشرق أوسطية.
هو عن رجل تعرض لحادثة مدبرة نتج عنها شلل نصفه السفلي بأكمله. يتدخل عالم لإعادته إلى هيئة رجل كامل ورفع قدراته القتالية لكي ينتقم ممن تسبب له في تلك الحادثة التي أودت بزوجته أيضاً. يكتشف أن هذه القدرات مصدرها شريحة كومبيوتر زُرعت في ظهره تُرشده بما عليه أن يفعل وما تلبث أن تفرض عليه ما يفعل فيقتل من حيث لا يريد.
إذا كان الآخر في «المفترس» هو وحش الفضاء النموذجي في الكثير من الأفلام، فإن الآخر هو المستوحى (من دون قصد) عن شخصية «دكتور جيكل ومستر هايد» في «تحسين»: ذلك الوحش الكامن في داخل الذات الواحدة، لكن مع رسالة معادية للتكنولوجيا تذكر بمعاداة فيلم «2001 أوديسا الفضاء» لها مع حفظ المستويات.
وفي غضون الأسابيع المقبلة سنتعرف على الآخر مجسداً في أكثر من فيلم، لكن ليس بالضرورة على نحو من القتال الدموي وفك الأطراف. أحدها في الواقع فيلم سيعرض في عيد الميلاد المقبل بعنوان «آنا وسفر الرؤيا» حيث تكتشف الفتاة إيلا هانت أن البلدة الصغيرة الآمنة تحولت إلى مرتع للزومبيز. كل ذلك مع نمر غنائية - استعراضية.
وعلى النحو المخفف ذاته سنرى «بامبلبي» (Bumblebee) حيث ستسرق هايلي ستاينفلد سيارة فولسفاغن صفراء قديمة وتأخذها إلى جراج منزلها. هناك تتحول السيارة، تلقائياً، إلى مخلوق من الصلب والحديد والإلكترونيات وتصبح صديقاً مخلصاً لبطلة الفيلم التي عليها الآن الحفاظ عليها من الأعداء.
تصميم المخلوق الحديدي يشبه ذلك الذي استخدم في سلسلة «ترانسفورمرز» وتحوله لا يختلف كثيراً عن حكاية من يجد خاتماً فيفركه وإذا بمارد كبير يخرج منه. هذه التداعيات متوفرة أيضاً في سينما اليوم، وكانت متوفرة سابقاً في أفلام الأمس. لكن تلك كانت مثل السيارات الكلاسيكية... رفاهية وجمال وتميز وسعيد من له حظ قيادتها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.