دفع تناقص موارد الطاقة المتوقع حدوثه، الكثير من الدول إلى البحث عن مصادر بديلة للوقود وإيجاد الحلول لتجاوز مشكلة عدم الوفرة المتوقعة في الوقود الأحفوري، لذلك قد يكون الوقود الحيوي هو البديل الأمثل.
ويعرف الوقود الحيوي بأنه الطاقة المستدامة من الكائنات الحية سواءً الحيوانية منها أو النباتية. وهو يعتبر من أهم مصادر الطاقة المتجددة على خلاف غيره من الموارد الطبيعية، مثل النفط والوقود النووي، لذلك سعت الكثير من الدول لزراعة أنواع معينة من النباتات خصيصاً لاستخدامها في مجال الوقود الحيوي، ومنها الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة الأميركية، وقصب السكر في البرازيل، وزيت النخيل في شرق آسيا.
الوقود الحيوي
ويتم إنتاج الوقود الحيوي من عدد من المحاصيل النباتية والطحالب والبكتيريا:
- محاصيل الجيل الأول حيث استخدمت بذور وحبوب النباتات لإنتاج الوقود الحيوي، ومنها الذرة والقمح وفول الصويا وقصب السكر واللفت والشعير وغيرها.
- الجيل الثاني يعتمد على المخلفات النباتية، كسيقان القمح والذرة ونشارة الخشب والتبن وغيرها، حيث يتم الحصول على الوقود السليلوزي والإيثانول والميثانول الحيوي والهيدروجين الحيوي.
- الجيل الثالث يستخدم الطحالب لإنتاج الوقود الحيوي، لاحتوائها على نسبة جيدة من الزيوت تصل إلى 60 في المائة من وزنها.
- الجيل الرابع يعدُ هذا الجيل أحدث اتجاه عالمي لإنتاج الوقود الحيوي، ويعتمد على إجراء تغيير في جينوم أحد الكائنات الدقيقة، وهي بكتيريا تسمى Mycoplasma Laboratorium، بحيث تصبح قادرة على إنتاج الوقود من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وتتميز الطحالب عن بقية المواد المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي بأنها تنمو في المياه ولذا فإنها تتغلب على واحدة من المشكلات الأساسية التي تواجهها المواد الأخرى، وهي التنافس على الأرض مع المحاصيل الزراعية الأخرى. وبعض الأشكال الشائعة من الطحالب هي الأعشاب البحرية، والتي لا تعتبر نباتات حقيقية ولكنها تقوم بعملية التمثيل الضوئي، حيث يمكن للطحالب تخزين ما يصل إلى 50 في المائة من وزن أجسامها من الدهون، وبالتالي تنتظر تحويلها إلى الغاز لإنتاج الإيثانول.
مؤشرات مهمة
إن صعود الوقود الحيوي لا يمثل سوى مرحلة جديدة ممتدة في الحضارة الإنسانية التي شهدت التحول من وقود الفحم التقليدي إلى البترول، ومنه إلى مصادر متجددة من الطاقة التي تحمل في طياتها من الفرص والتحديات والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئة والإنسانية، ويبقى إنتاج الوقود الحيوي رهن تجاذبات دولية بين مؤيد لعملية الإنتاج وبين معارض لها بدوافع أخلاقية.
أهم مميزات الوقود الحيوي: تتمثل في كونه وقودا بيئيا:
- بحلول عام 2050 يمكن للوقود الحيوي أن يختزل انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 1.7 مليار طن في العام أي ما يعادل أكثر من 80 في المائة من الانبعاثات الحالية الناجمة عن وسائل النقل. تعمل دورة إنتاج واستخدام هذا الوقود في المُجمل على اختزال ما يقارب 80 في المائة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتقريباً 100 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت. كما يؤدّي أيضاً لاختزالاتٍ مهمة في نسبة انبعاث غاز أول أكسيد الكربون السام بالمُقارنة مع ما يُنتجه البترول المُستخدم، وأيضاً تصل نسبة تقليله لمخاطر الإصابة بالسرطان بالنسبة لأنواع الوقود الأخرى لـ90 في المائة.
- يحتوي الديزل الحيوي على نسبة 11 في المائة من الأكسجين، ولا يحوي أي نسبة من الكبريت.
- يمكن أن يؤدّي استخدامه إلى إطالة عمر محركات الديزل، حيث إنه يحوي نسبة تشحيم أكثر مما يحويه البترول.
- يُعد الديزل الحيوي آمناً من جهة التحكّم به ونقله، إذ إن التحلُّل البيولوجي له مشابه للسكر، كما أن درجة سُمّيته تُعتبر أقل بـ10 مرات من ملح الطعام.
- أُثبِت نجاح هذه التقنيّة بالتجربة، حيث تمّ استخدامه لتسيير مركباتٍ لـ30 مليون ميل في الولايات المتّحدة الأميركيّة وحدها.
- لا يُنتج احتراقه روائح كريهة كالتي تنتج عن حرق الوقود الأحفوري، وهو بذلك يقضي على شكلٍ من أشكال التلّوث.
إنتاج متزايد
في 2010 وصل الإنتاج العالمي من الوقود الحيوي إلى 105 مليارات لتر أكثر من 17 في المائة عن 2009 ويساهم الوقود الحيوي بنسبة 2.7 في المائة من الوقود في العالم المستخدم في النقل البري، وخاصة وقود الإيثانول والديزل الحيوي. ووصل الإنتاج العالمي من وقود الإيثانول إلى 86 مليار لتر في 2010. وكانت الولايات المتحدة والبرازيل على قمة المنتجين، حيث ساهمت معاً بنسبة 90 في المائة من الإنتاج العالمي. وأكبر منتج في العالم للديزل الحيوي هو الاتحاد الأوروبي، وساهم بنسبة 53 في المائة من إجمالي إنتاج الديزل الحيوي في 2010.
يتمّ سنويّاً إنتاج ما يقرب من مليار غالون من الديزل الحيوي، أما الإيثانول الحيوي فيبلغ الإنتاج السنوي منه نحو 22 مليار غالون، ولكن مع تزايد إنتاج الآليات الثقيلة والمتوسطة، وزيادة حاجة الإنسان لها والمترافقة مع تناقص كميات الوقود الأحفوري، فإننا نحتاج إلى زيادة إنتاج الوقود الحيوي والعمل على إيجاد أنواع أخرى من الوقود الاقتصادي والنظيف.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت بداية هذا القرن خطة تمتد 15 عاما لإنتاج 150 مليار لتر الإيثانول باستخدام القمح وبعض النباتات والأخشاب، بعد أن اعتمدت في إنتاجها من الإيثانول على الذرة وهي تنتج 45 في المائة من الإنتاج العالمي.
ومع استثناء الإيثانول الذي تنتجه البرازيل من قصب السكر الذي تعتبر تكاليف إنتاجه هي الأدنى بين بلدان العالم المنتجة للوقود الحيوي، فإن هذا النوع من الوقود حالياً لا يستطيع أن ينافس الوقود الأحفوري من دون الحصول على إعانات حكومية وتسهيلات خاصة، وحوافز ضريبية مكنته من الصمود التجاري في كثير من الحالات. تليها البرازيل التي تعتمد على قصب السكر وتنتج 36 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي، بينما تعتمد فرنسا وإسبانيا وألمانيا في إنتاج الإيثانول على القمح، أما إنتاج الديزل الحيوي، فإن أميركا والبرازيل تنتجانه من فول الصويا، ودول الاتحاد الأوروبي من بذور اللفت.
قيود بيئية وأخلاقية
إن استغلال الأراضي لزراعة محاصيل الطاقة، وتحويل الحقول الزراعية المنتجة للمحاصيل الغذائية المخصصة للاستهلاك البشري أو الحيواني إلى حقول لإنتاج الوقود الحيوي، يتسبب في خلل في التنوع الزراعي العالمي، واجتثاث كثير من الغابات والمحميات الطبيعية، وزيادة في معدلات انجراف التربة، واستهلاك كميات هائلة من المياه العذبة، وتقدر بعض الدراسات أن إنتاج لتر واحد من الوقود الحيوي يحتاج إلى 5000 لتر ماء، وأن إنتاج 13 لتراً من الإيثانول يحتاج - مثلاً - إلى 231 كيلوغراماً من الذرة.
ويتسبب الوقود الحيوي في ارتفاع مستوى تلوث المياه والهواء الناجم عن الكميات الكبيرة من المبيدات الزراعية والأسمدة التي تتطلبها زراعة محاصيل الطاقة، كما سيؤثِر على جودة التربة وينهكها
وتعتبر القيود الأخلاقية أهم القيود في ضوء إعلان بعض الدول النامية غير المنخرطة في إنتاج الوقود إدانتها في محافل دولية لإنتاجها من المنتجات الزراعية، لما يتضمنه من تحويل غذاء الإنسان إلى غذاء للآلة في الوقت الذي تعاني فيه الكثير من الدول أزمات غذائية وصلت إلى حد المجاعات.
وتشمل القيود الأخرى الاكتشافات البترولية في مناطق مختلفة من العالم وخاصة في الشرق الأوسط التي تلعب دوراً مهماً في إعادة ترتيب منظومة الطاقة الحالية المستقبلية، وصياغتها في اتجاه إعادة النظر في سياسات التوسع أو الإسراع في إنتاج الوقود الحيوي وبدائل الطاقة عامة.
إضافة إلى استقرار أسعار النفط، ما سيقلل من تنافسية الوقود الحيوي وتضعف اتجاهات الإسراع والتوسع في إنتاجه.