11 سبتمبر... العيد الحركي لتنظيم «القاعدة»

الظواهري محاولاً بيع إرث بن لادن في أسواق العنف المزدحمة

الظواهري وابن لادن
الظواهري وابن لادن
TT

11 سبتمبر... العيد الحركي لتنظيم «القاعدة»

الظواهري وابن لادن
الظواهري وابن لادن

خرج أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، دون أن يفاجئ أحداً على مستوى التوقيت، فالكل مترقب؛ الأتباع والمناصرون ووسائل الإعلام والمحللون الاستراتيجيون، إذ جرت العادة أن يستثمر التنظيم الإرهابي مناسبة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، للتأكيد على تسيده المشهد العنفي، في سنوات خلت، ثم على بقائه على قيد الحياة إبان صعود تنظيم داعش، واليوم على وقع انكسارات الخلافة «الداعشية» تنبعث «القاعدة» مجدداً في مناطق متعددة، وتحاول أن تأتي بالجديد لملء الفراغ الذي سببه خفوت الصوت «الداعشي» وانحساره.

بعد سبعة عشر عاماً على «حدث الأحداث»، كما تحرص الولايات المتحدة أن تبقيه في صدارة الذاكرة الجمعية، باعتباره حدثاً كونياً، وبالجذوة والحماسة نفسها يحرص تنظيم القاعدة على إعادة الاعتبار لغزوته الأضخم في مسيرته الطويلة، وتحولاته من تنظيم جمع شتات العرب وميّزهم عن الأفغان إلى ابتلاع لتيارات جهادية مسلحة محلية، ثم لقاء بن لادن والظواهري، والاتفاق مع قادة عسكريين على تصدير الثورة «القاعدية»، وجعلها تياراً معولماً يستهدف جغرافيا العالم، ويعبر انتحاريوه الحدود ويتمركزون في شكل تنظيمات صغيرة ومعسكرات تجنيد في كل قارات العالم.
تنظيم القاعدة بعد رحيل بن لادن خسر رمزية الشخصية، ليعود الظواهري ويحقنها في الحدث (11 سبتمبر) ليتحول إلى ما يشبه العيد الحركي للتنظيم، كما هو الحال في أعياد مشابهة لتنظيمات راديكالية ثورية، لكنها سرعان ما تحيلها إلى أعياد استقلال وطنية، في حين أن تنظيم القاعدة يستلهمه كمحرك لإعادة شرعيته في الساحة العنفية «الجهادية»، خصوصاً في مناطق التوتر في العراق وسوريا التي ساهم بقاء تفجر الأوضاع فيها في ولادة تنظيمات عديدة محلية تحاول النأي عن «القاعدة» و«داعش»، كي لا تدخل بوابة الشهرة وهو ما يعني الاستهداف والتوصيف القانوني بالإرهاب. زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري يجتهد في تعويض كاريزما بن لادن وكلماته المرتجلة ذات التأثير النفسي البالغ على أنصاره، بأن يصور فيديوهات يقرأ فيها من شاشة أمامه، حيث تفضحه عيناه وهو يحاول التحديق في الكلمات، لكن محتوى هذه الكلمات، سنة بعد سنة، وبحسب وضعية تنظيم القاعدة على الأرض، يتصاعد على مستوى دقة الرسائل التي يوجهها ودخول شرائح جديدة من المستهدفين بخطابه، كما رأينا في هذا العام.
كلمة الظواهري هذه السنة، ربما كانت أهم كلماته وأكثرها تضميناً للرسائل المبطنة، فهو خطاب حركي نموذجي على مستوى اللغة بتقديم رسائل مزدوجة وإيصال رسائل متنوعة لشرائح مختلفة، إضافة إلى أنه بُني على استراتيجية واضحة في اختيار المفردات والخطاب، وهو ما يرقى به من مجرد خطاب ردة الفعل إلى خطاب تأسيس الفعل والتحريض على اتخاذ موقف، كما هو الحال في خطابات زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن، وإن كان الظواهري يفتقد الكثير من الرمزية والكاريزما على مستوى الإلقاء واللغة الجسدية.
الظواهري في خطاب هذه السنة استبدل ذكر أحداث 11 سبتمبر بالتذكير بالهجمات الأميركية على أفغانستان في استثمار لحالة التردي في الحالة الأفغانية، الذي ما زال مستمراً مع فشل في السيطرة على حركة طالبان، أو تقليم أظافرها، وجرها إلى طاولة الحوار.
وحين عرج على تحليل العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، لجأ إلى استخدام مفردات الخطاب الأصولي السياسي، مذكراً بصدام الحضارات، وأن الحرب دينية صليبية، وليست سياسية أو اقتصادية، وأنه يجب أن يتضافر الجميع حتى من لا يؤمن بـ«القاعدة» في التصدي لهذه الحملة الشرسة ضد الإسلام، حسب قوله، داعياً ولأول مرة زعماء المسلمين، وهي لفظة هجينة على خطاب «القاعدة»، الذي لا يعترف بشرعية أي دولة إسلامية، وربما هذا الإبهام هو محاولة لفتح باب التأويل تجاه تحول موقف «القاعدة» من إردوغان تحت ضغط الشعبية الكبيرة داخل الإسلام السياسي وجماعة «الإخوان» الأم الرؤوم لـ«القاعدة» والتنظيمات العنفية التي انشقت عنها، لا سيما أن إشارة الحرب الاقتصادية تحيل إلى تحليلات إسلاموية مجنحة تجاه أزمة «الليرة التركية».
في الخطاب ذاته، دعا الظواهري «المجاهدين» إلى الانتقال إلى شمال غربي أفريقيا، وليس أفغانستان، ولفظة «المجاهدين» عادة ما يشير بها الظواهري إلى شريحة «العائدين من أفغانستان»؛ هذه الشريحة التي تعتبر رأس مال «القاعدة»، بعد أن أخفقت في تجنيد الأجيال الجديدة من المتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية، التي عادة ما تميل إلى منافس «القاعدة»، تنظيم داعش الأكثر وصولاً إلى هذه الفئة، عبر قدرته على الاستقطاب الرقمي، وقطيعته مع مفهوم «المرجعية» أو حتى رمزية قادة «الجهاد»، طلب الظواهري منها السفر إلى المنطقة الجديدة التي تستثمرها «القاعدة»، وهي شمال غربي أفريقيا بشكل أساسي.
اللافت في كلمة الظواهري أنه لم يتحدث عن أحداث سياسية، أو قضايا تحشيدية متصلة بنشاط تنظيم القاعدة في مناطق التوتر، أو التعليق على جديد الأزمات المتصلة بتلك المناطق في العراق وسوريا وشمال غربي أفريقيا، بل أشار إلى حدثين أساسيين لا يتماسان مع تأثير التنظيمات الإرهابية، وهما: أزمة نقل السفارة إلى القدس، وأزمة الروهينغا، ويعود ذلك في هذا التوقيت إلى استثمار كل الأحداث الساخنة التي تحظى بتعاطف عدد أكبر من الشرائح يتجاوز حتى العالم الإسلامي، باعتبار أنها مظالم؛ لكثيرٍ من الدول والأحزاب والجمعيات الحقوقية موقفٌ أخلاقيٌ وإنسانيٌ منها.
الظواهري، في كلمته، خالف السائد لدى تنظيم القاعدة من عدم التعرض لملالي طهران التي تحتضن قيادات التنظيم الشابة، ومنها نجل بن لادن، فقام بالهجوم على إيران عبر نقد مشروع الحوثيين باعتباره جزءاً من المشروع الصفوي، كما وصفه، لكنه عاد ليحمل الولايات المتحدة الأميركية السبب في بقاء الحوثيين في اليمن، وأنها تدعمهم رغم عداء الحوثيين لهم، وترديدهم «الموت لأميركا»، وأبعد من ذلك اعتبر أن الأزمة السورية هي أيضاً مخطط أميركي، وما إيران وروسيا و«حزب الله» إلا أدوات للمخطط الصليبي في المنطقة الذي تقوده أميركا حصراً. ورغم سذاجة مثل هذا التناول السياسي وسطحيته، لكن الظواهري وغيره من قيادات ومنظري «القاعدة» يصرّون عليه لأسباب استراتيجية تتصل بتركيز الاستهداف، وتوحيد الجهود ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، واعتبارهم عدوها الأول، كما أن توحيد منطق «الاستعداء» والتركيز على استهداف أميركا أكثر تأثيراً عند أنصار «القاعدة» وأجدى في استقطاب المقاتلين والكوادر الجديدة.
على مستوى اللغة، استخدم أيمن الظواهري، في كلمته المكتوبة والمعدة سلفاً، لغة مغايرة للغة «القاعدة» أو منافسه تنظيم داعش، فهو يبتعد عن العبارات اليقينية والحاسمة، ويحاول استخدام الأسلوب الحجاجي الفكري أو التحليلي، وتتكرر عبارات وأساليب غير مألوفة، فالعنوان يطرح سؤال: كيف نواجه أميركا؟ وفي المتن نعثر على عبارة «فهم طبيعة عداء الكفار».
خطاب الظواهري يعكس محاولة حثيثة منه لإبقاء جذوة «القاعدة» مشتعلة على مستوى الإعلام الذي يرى، كما قال ذات مرة، أن نصف معركة «المجاهدين» تكمن فيه، وهو بهذا التنقل بين القضايا والمواقف والرسائل المزدوجة واللغة ذات الطابع السياسي يريد أن يقدم تنظيم القاعدة ككيان مستقل له رأيه في الأحداث السياسية معلقاً وشارحاً ومحذراً، معتمداً على إرثه التاريخي الذي كانت ذروته تفجير برجي التجارة، في محاولة لبيع تلك الصورة التي ما زالت عالقة في الأذهان ودلالاتها المكثفة في سوق العنف المزدحم جداً بالتنظيمات ومناطق التوتر وبؤر الفوضى.


مقالات ذات صلة

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».