ما حقيقة استيلاء الجيش الليبي على أموال البنك المركزي في بنغازي؟

المصرف رد بالفيديو على تقرير أممي يتهم نجل حفتر... ونواب يطالبون بالتحقيق

البنك المركزي الليبي (غيتي)
البنك المركزي الليبي (غيتي)
TT

ما حقيقة استيلاء الجيش الليبي على أموال البنك المركزي في بنغازي؟

البنك المركزي الليبي (غيتي)
البنك المركزي الليبي (غيتي)

ينشغل الرأي العام الليبي هذه الأيام بتقرير أنجزه فريق من الخبراء، وجرى توجيهه إلى مجلس الأمن الدولي، تضمَّن اتهامات مبطَّنة لصدام، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، بـ«السيطرة على فرع المصرف المركزي في مدينة بنغازي (شرق البلاد) نهاية العام الماضي، ونقل أموال طائلة بالعملات المحلية والأجنبية، وكميات كبيرة من الفضة إلى وجهة مجهولة»، مع مسلحين من الكتيبة «106» التي يتولى قيادتها.
وفي غضون ذلك طالب برلمانيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أمس بضرورة «إحالة التقرير إلى النائب العام للتحقيق».
التقرير، الذي أحدث دوياً داخل الأوساط السياسية الليبية، أمس، وتكتمت عليه بعض وسائل إعلام محلية، جرى رفعه من طرف الفريق المعني بليبيا في الخامس من سبتمبر (أيلول) الحالي إلى رئيس مجلس الأمن، وتطرق إلى مُجمل الأوضاع في البلاد، من بينها «ابتزاز المؤسسات المالية الحكومية، والمؤسسة الوطنية للنفط، وعمليات نقل العتاد العسكري من ليبيا»، ومحاولة الفريق التقاء الساعدي، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي المودع السجن «لكن دون جدوى» من حكومة (الوفاق الوطني) في طرابلس.
وانشغلت وسائل التواصل الاجتماعي في ليبيا بما ورد في التقرير الأممي، وسط مطالب نشطاء وإعلاميين بكشف حقيقة ما تضمنه من اتهامات، في ظل صمت رسمي، قبل أن يخرج المصرف المركزي في مدينة البيضاء بشرق البلاد أمس، لينفي الاتهامات التي وجُهت إلى نجل حفتر، مقدماً ما وصف بـ«الأدلة التي تبرئ ساحة الجيش الوطني»، وطالب لجنة عقوبات مجلس الأمن بالكشف عن «المصادر المجهولة التي اعتمد عليها الفريق»، وحمَّلها «مسؤولية تضرر سمعته بشكل يؤدي إلى تفاقم أزمة السيولة، وتعقيد الوضع المالي للدولة».
وبث المصرف المركزي في البيضاء أمس مقطع فيديو، عبر صفحته على «فيسبوك»، قال فيه إنه «يوثِّق لحظة عثور فريق كلف من طرف محافظ المصرف علي الحبري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 على المبالغ، التي قال فريق الخبراء إنها فُقِدت»، مشيراً إلى أن فريق الحصر فوجئ بحجم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالأموال المودعة في مصرف بنغازي، ما تسبب في تحويل مهمتهم «من حصرها، إلى إنقاذها من التلف»، وذلك بسبب وقوع المصرف في موقع اشتباكات دامت نحو ثلاثة أعوام.
وأظهرت لقطات فيديو، بثتها لأول مرة «فضائية ليبيا» الموالية للحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء، محاولة فريق تابع للمصرف بتنظيف مبالغ، قيل إنها متضررة بمياه الصرف الصحي، وذلك بعد تجفيفها وإزالة عفن وسواد طالها. وقال المصرف إن «الفريق نجح في إنقاذ 91 في المائة من المبلغ، وأتلف البقية لأنها تمزقت واهترأت جراء المياه الملوثة»، مبرزاً أن «اللجنة المكلفة تسلمت المبالغ التي تمت معالجتها، وسلمتها بدورها عبر شاحنات صغيرة إلى مصرف ليبيا المركزي في شرق البلاد».
وسبق للحبري أن برّر في مقابلة تلفزيونية أسباب عدم قيام المصرف المركزي بنشر نتائجه المالية وأصوله السنوية، «بازدواجية المؤسسة»، موضحاً أن الفرع الموجود في بنغازي «كان في مرمى النيران من عام 2014 إلى غاية 2017، كما كانت النقود الموجودة في الخزينة قد تعرضت للتلف من مياه الصرف الصحي»، وهي التصريحات التي وصفها فريق الخبراء بأنها «متناقضة وغير متكاملة».
وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بالعميد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني وقائده، دون رد. لكن نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الدكتور عمر غيث قرميل، قال إن «حالة فرع المصرف المركزي في بنغازي كان يعرفها كل الليبيين في هذا التوقيت من عام 2017»، مبرزاً أن «الجميع يعلم أن مياه الصرف الصحي أغرقت بدروم المصرف الذي يضم خزينة الأموال».
وأضاف قرميل لـ«الشرق الأوسط» أن «المصرف المركزي في البيضاء يتحمل المسؤولية القانونية عما أُتلف من هذه الأموال، ويُسأل عن كيفية معالجتها، وهل يحق له حرق التالف منها، وعن مدى اتخاذه الإجراءات القانونية أثناء عملية التخلص من الهالك» من النقود.
وانتهى قرميل، وهو نائب عن مدينة الزنتان (جنوب غرب) قائلاً: «من وجهة نظري، يجب أن يحال التقرير إلى النائب العام للتحقيق فيه، وكل من تثبت عليه تهمة يجب معاقبته... شاغلنا الأول معرفة الحقيقة مجردة، ومحاسبة المخالف أياً كان».
وتحفَّظ كثير من النواب، خصوصاً في شرق البلاد، على الحديث لـ«الشرق الأوسط» حول هذه الجزئية من التقرير. لكن نائباً رفض ذكر اسمه، دافع عن المؤسسة العسكرية الليبية، وقال إن الجيش الوطني «دفع أثماناً غالية كي يحرر البلاد من براثن الدواعش»، وبالتالي «لا يجب الالتفات إلى هذه التقارير التي تريد النيل من ليبيا وجيشها»، حسب تعبيره.
وكان فرع «المركزي» لفترة وجيزة تحت سيطرة فرج منصور، نائب وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني، قبل احتجازه من طرف الجيش الوطني في 20 من نوفمبر الماضي، وكانت محتويات الخزينة التي صودرت تحوي، وفقاً لتقرير فريق الخبراء، 639 مليوناً و975 ألف دينار ليبي، و159 مليوناً و700 ألف يورو، ومليوناً و900 ألف دولار، إضافة إلى 5869 عملة فضية».
ونقل التقرير الأممي عمن سماهم «أفراداً منتسبين للجيش الوطني»، أن الجيش «ساعد على تأمين نقل النقود والعملات الفضية من فرع المصرف المركزي في بنغازي، دون تحديد وجهتها النهائية».
كما تحدَّث فريق الخبراء عن عدة قضايا شهدتها البلاد، وتطرَّقوا للحديث عن طائرات شحن عسكرية كبيرة تابعة للقوات الجوية الأميركية، نفذت 15 رحلة بين مطاري مصراتة وبنينا خلال الشهور الخمسة الأخيرة، موضحاً أنه «طلب معلومات من سلطات الولايات المتحدة عن طبيعة تلك الرحلات، وعن المواد التي نقلتها إلى ليبيا، لكنه لم يتلقَّ رداً منها».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.