العراقيون أمام صراع محاور وإرادات

في انتظار تصاعد «الدخان الأبيض» من مبنى البرلمان

العراقيون أمام صراع محاور وإرادات
TT

العراقيون أمام صراع محاور وإرادات

العراقيون أمام صراع محاور وإرادات

على الرغم من إنفاق مئات ملايين الدولارات على الانتخابات العراقية عبر دوراتها الأربع، بدءاً من الدعاية وانتهاء بالتنظيم والإجراءات الإدارية واللوجيستية، فإن مهمة الـ329 نائبا بعد أدائهم القسم هي، بلا شك، أكثر من مجرد الموافقة على ما يجري طبخه في الغرف السرّية أو المشادات الكلامية.
العراق بجد نفسه اليوم في قلب صراع المحاور الإقليمية والدولية، فضلاً عن أن الإرادات المختلفة الداخلية والخارجية تهيمن على الحراك السياسي العراقي في كل مراحله وفصوله.
وهي التي تقرر في النهاية ما يتوجب الأخذ به أو التخلي عنه حتى ظهور «الدخان الأبيض»، أي مؤشر النجاح في انتخاب رئيس البرلمان، ومن بعده رئيس الجمهورية، وإعلان الكتلة الأكثر عددا وترشيح ممثل عنها لتشكيل الحكومة.
ولكن هذا لن يأتي من مبنى البرلمان، الذي يفترض أن يكون «بيت الشعب»، بل من أمكنة أخرى بعضها شديدة التحصين أو السرّية.

اليوم، حين يفترض أن يكون البرلمان العراقي قد عقد جلسته الأولى منذ أكثر من أسبوع، بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، فإن الكتل السياسية لم تتوصل إلى صيغة مناسبة بشأن الترشيح للمناصب الرئاسية الثلاث... ولذا جعلت الجلسة مفتوحة في مخالفة دستورية واضحة.
عن هذا الأمر، يتحدث الخبير القانوني أحمد العبادي لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «الدستور العراقي لا يجيز بقاء الجلسة مفتوحة. وما يجري هو في الواقع مخالفة دستورية، لكن رئيس السن مضطر إلى الاستمرار في ترؤس الجلسات في ظل تعذّر حصول توافق بين الكتل السياسية التي تتحمل الخرق الدستوري». ويضيف العبادي: «الكتل الفائزة هي التي لم تلتزم بالسياقات والتوقيتات الدستورية الحاكمة على صعيد انتخاب الرئاسات، بدءاً من رئيس أصلي للبرلمان ونائبين له، ومن ثم فتح الترشيح لانتخاب رئيس للجمهورية وإعلان الكتلة الكبرى».
الخلافات الرئيسية تتمحور حول هوية «الكتلة الأكبر» التي جرى الحديث عنها طويلا خلال الشهور الماضية، والتي تركزت بين محورين شيعيين يمثلان الكتل الشيعية الخمس («سائرون» المدعومة من زعيم «التيار الصدري»، و«الفتح» بزعامة هادي العامري وتضم غالبية فصائل «الحشد الشعبي»، و«النصر» بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، و«دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، و«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم). غير أنه وبخلاف الدورات البرلمانية السابقة فإن البيت الشيعي الذي كان يمثله «الائتلاف العراقي الموحّد» أو «التحالف الوطني» فيما بعد، تفكك حاله حال تفكك البيتين السني والكردي. ومن ثم، لم يعد قادرا على فرص رؤيته بشأن اختيار الكتلة الأكبر، أو ترشيح شخص من داخل البيت الشيعي.
بناء عليه، بات لزاماً على المحورين الشيعيين المتصارعين: «النصر» و«سائرون» مقابل «الفتح» و«دولة القانون»، وبينما يشكل «تيار الحكمة» بيضة قبان لكليهما، الانفتاح على الكُرد والعرب السنة من أجل ضمهم إلى أي من الكتلتين. وعلى إثر ذلك تشكلت كتلتان داخل البرلمان العراقي خلال جلسته الأولى، كل واحدة منهما تدعي إنها الكتلة الأكبر من خلال جمعها أكبر عدد من تواقيع النواب وهما: كتلة «الإصلاح والإعمار» التي تضم العبادي والصدر والحكيم وعلاوي وهي تدّعي إنها جمعت 171 توقيعاً، تقابلها كتلة «البناء» التي تضم «الفتح» و«دولة القانون» التي تزعم أنها جمعت 150 توقيعاً. هاتان الكتلتان تسعيان راهناً إلى ضم الكُرد والعرب السنة إليهما من أجل تكوين غالبية مريحة لتمرير الحكومة التي تحتاج عند التصويت إلى 165 صوتاً.
في هذه الأثناء، بالنسبة للسنة والكرد، فإن أمر انضمامهما إلى أي من الكتلتين الشيعيتين (الإصلاح والإعمار) أو (البناء) ليس محسوماً برغم أن منصبي رئيسي البرلمان (حصة السنة) والجمهورية (حصة الكُرد) تحتاج إلى تصويت الشيعة لهما ما يجعل عملية الانضمام إلى أي من الكتلتين خياراً حتمياً. وفي هذا السياق يقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني شوان محمد طه لـ«الشرق الأوسط» إن «الكُرد ما زالوا لم يقرّروا بعد إلى أي من الكتلتين سينضمون على الرغم مما يجري الحديث عنه عن انضمامهم إلى هذه الكتلة أو تلك، أو القول إنهم قريبون من هذه الكتلة أو تلك». وأضاف طه أن «الكُرد لديهم مطالب لا شروط مثلما يدعي البعض، من أجل حسم خيارهم بالانضمام إلى الكتلة الأكبر، علما بأن هذه المطالب كلها دستورية... بدءاً من المادة 140 من الدستور إلى الموازنة إلى التوازن إلى البيشمركة وبناء دولة مواطنة عراقية حقيقية». بيّن القيادي الكردي أن «المباحثات تجري مع كل الأطراف في هذا الإطار».
من جهته فإن محمد الكربولي النائب السنّي عن محافظة الأنبار قال لـ«الشرق الأوسط» إن «السنة توزّعوا بين كتلتي (الإصلاح والإعمار) و(البناء) طبقاً لرؤية كل طرف سنّي لمصلحته أو مصلحة المناطق التي يمثلها، والتي تحتاج إلى جهود جبارة لجهة إعادة إعمارها وعودة ما تبقى من النازحين... فضلا عن إطلاق سراح السجناء والمغيبين». وأضاف الكربولي أن «الحوارات السياسية ما زالت مستمرة مع كل الأطراف لجهة حسم منصب رئيس البرلمان الذي هو الاستحقاق الأول، والذي حسم لصالح مرشحنا نحن (تحالف القوى العراقية) محمد الحلبوسي».

بين ماكغورك وسليماني

واقع الأمر، لم تشهد عملية تشكيل حكومة عراقية خلال الدورات الثلاث الماضية من التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية ما شهدته الحكومة الحالية، التي بات من الواضح أنها رهينة الصراع الأميركي - الإيراني. ويجسد هذا الصراع وجود المبعوثين الأميركي بريت ماكغورك والإيراني قاسم سليماني وما يجريانه من حوارات مكثفة مع كل الأطراف من أجل حسم التشكيلة بدء من الكتلة الأكبر.
وعلى الرغم من تعدد مساحة التحرّك لكلا المبعوثين، فإن رؤيتيهما غالباً ما تتأثران بمجريات الصراع بين واشنطن وطهران، واستمرار العقوبات الأميركية على إيران والموقف العراقي منها. وهو ما تسبب لرئيس الوزراء حيدر العبادي بأن يدفع ثمناً باهظاً حين أعلن التزامه بهذه العقوبات. وعلى الرغم من تراجعه النسبي، فإن مجرد الإعلان عن ذلك أخرج العبادي من «المعادلة الإيرانية» على صعيد الأسماء التي تؤيدها أو لا تعارضها طهران لرئاسة الحكومة المقبلة. في المقابل، تمسكت به واشنطن وحده إلى الحد الذي جعل مناوراتها تضيق حيال الأطراف الأخرى، لا سيما، بعد تطور مظاهرات البصرة التي صبت في مصلحة التيار المناوئ للعبادي، وهو ما جعل فرصه في ولاية ثانية تضعف كثيراً، حسب المراقبين السياسيين. وفي هذا السياق، يرى الدكتور خالد عبد الإله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، في حوار مع «الشرق الأوسط» أن «ما يحدث في البصرة يدخل في إطار الصراع السياسي ما بين كتل متنافسة حول تشكيل الحكومة المقبلة، كما يدخل في إطار تشكيل الكتلة الأكبر». وأردف: «الصراع السياسي وصل إلى مراحل خطيرة لأنه ليس صراعاً على السلطة فقط، بل هو أيضاً صراع على النفط وعلى الموانئ وتقاسم المغانم والمكاسب. وبالتالي. فإن الحل يكمن في إبعاد جميع المؤثرات للأحزاب السياسية العراقية، بما فيها التدخلات الإقليمية والدولية».
أما الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ، فيقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «من الواضح أن المظاهرات أخذت مساراً لا يعبّر فقط عن الغضب الشعبي من الشباب اليائس والمحبط، الذي لا يجد فرصة عمل فضلا عن أبسط مقومات حياته، وهو ماء الشرب في أغنى مدينة على وجه الأرض... هذا المسار المختلف الذي حرق مؤسسات الدولة وهاجم المرضى والمستشفيات يستهدف كل العراق والمتظاهرين الغاضبين، وأيضاً يعكس الصراع العنيف الداخلي والإقليمي والدولي على العراق». ويتابع الدباغ بأنه «إذا كانت أجندات إيران وأميركا لا تلغي إحداها الأخرى في العراق، فإننا نجد الآن استقطاباً واضحاً في خطابات السياسيين الذين يهددون بإسقاط حكومة منافسهم خلال شهر إن استطاع تشكيلها. وهذا يعكس حقيقة أن الأجندات أخذت طابع الإلغاء نتيجة ما نشهده من تطور النزاع بين إيران والولايات المتحدة، في حين لا تستطيع الحكومة إدارة الأزمة، التي تدور منذ أكثر من شهر... ومع ذلك لم يستطع رئيس الوزراء العبادي احتواءها ومعالجتها لتفويت الفرصة على مشاهد التدمير والحرق المنظم لمنشآت الدولة».

بين «الفتح» و«سائرون»

معروفٌ أن كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر احتلت المرتبة الأولى في الانتخابات (54 مقعدا)، بينما احتلت كتلة «الفتح» التي يتزعمها هادي العامري المرتبة الثانية (47 مقعدا). وعلى الرغم من انتماء كل من الكتلتين إلى معسكرين شيعيين متنافسين ضمن صراع الكتلة الأكبر («سائرون» ضمن محور «الإصلاح والإعمار») و(«الفتح» ضمن محور «البناء») فإن هناك رغبة كبيرة في أن تشترك الكتلتان في تشكيل الحكومة المقبلة. ولعل الشروط التي وضعتها المرجعية الدينية في النجف لمن يتولى رئاسة الحكومة المقبلة، على ألا يكون ممن كانوا مشاركين في السلطة على مستوى الإدارات التنفيذية، سهّلت كثيرا طريقة الحوار بين زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر وزعيم «الفتح» هادي العامري.
وفي هذا السياق، قال سياسي عراقي، فضل التكتم على اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إن «جسور العلاقة لم تنقطع بين زعيم (الفتح) هادي العامري مع زعيم (التيار الصدري) مقتدى الصدر بمؤازرة واضحة من زعيم (العصائب) قيس الخزعلي، الذي بات يملك 15 مقعدا في البرلمان العراقي، وذلك لجهة أن تشترك (سائرون) في الحكومة القادمة من منطلق أن اشتراكها في حكومة تمثل جناحها الآخر (بدر) و(العصائب) يمثل ضمانة لهدوء الشارع... وذلك لأن لدى كل هذه الأطراف شارعها وسلاحها». ويضيف السياسي العراقي أن «الصدر كان قد مضى بعيداً في تحالفاته منذ البداية بعيداً عن الاثنين، خصوصاً، لجهة تقاربه مع (حيدر) العبادي زعيم (النصر) و(عمار) الحكيم زعيم (تيار الحكمة) و(إياد) علاوي زعيم (الوطنية)، بالإضافة زعيم (ائتلاف القرار) أسامة النجيفي، لا سيما، أن قائمة الصدر تتصدر النتائج بوصفها الفائزة الأولى... وهو ما يعني أنه لا يريد أن يكون ملحقا لأحد، بل يريد من الآخرين الانضمام إليه».
وردا على سؤال بشأن أسباب التقارب السريع بين الطرفين، يعتقد السياسي العراقي أن «العقدة كانت بالنسبة للصدر هي المالكي زعيم (دولة القانون) المتحالف مع (الفتح)، بينما يمثل العبادي عقدة بالنسبة لجماعة (الفتح) لأنه لم يعد مرغوبا به من الجانب الإيراني.. مع أنه حتى وقت قريب كان مرحباً به في الانضمام إلى ذلك المحور، شريطة أن يكون مرشحاً بين المرشحين لا المرشح الوحيد مثلما يريد هو».
ويتابع السياسي العراقي شارحاً أن «ما صدر عن مرجعية النجف أخيراً شكل نقلة نوعية في العلاقات بين الطرفين... أو بالأصح تم استثمار أجوائها لأن المرجعية دعت إلى المجيء بوجوه جديدة. وهو ما أدى إلى التعجيل بتطوير العلاقة بين (الفتح) و(سائرون)... ما بات يثير مخاوف داخل ائتلاف (دولة القانون) لجهة إمكانية انسلاخ (الفتح) عنه وتكوينها كتلة مع (سائرون)، وكذلك مخاوف لدى (النصر) و(تيار الحكمة) وذلك لجهة انسلاخ (سائرون) عنهما ما يعني نهاية كتلتي الإصلاح والإعمار والبناء».
وبشأن ما إذا كانت حظوظ العبادي تراجعت يرى السياسي العراقي إن «هناك، بلا شك، متغيرات قد لا تصب في صالح العبادي، وخاصة، أنه تم تصويره وكأنه خيار الولايات المتحدة الوحيد، في حين لم تطرح إيران بعد مرشحاً محدداً لكي تدعمه... بل تبدو وكأنها تسعى إلى تكوين كتلة ترضى عليها... وهي ترشح من تشاء. ولذا تبدو مناوراتها أكبر لكن هذا لا يعني أن العبادي خرج من التنافس».
وفي السياق نفسه يقول نعيم العبودي، عضو البرلمان العراقي عن تحالف «الفتح» لـ«الشرق الأوسط» بشأن التقارب بين «سائرون» و«الفتح»... وما إذا كان سيفضي إلى تحالف أنه «حتى هذه اللحظة، التقارب والتفاهم بين (الفتح) و(سائرون) لا يعد تحالفاً، وإنما هو تفاهم وتقارب حول شخص رئيس الوزراء، وكذلك دعم من سيكون رئيسا للبرلمان، وكذلك رئاسة الجمهورية... وبالتالي، هو ليس تحالف». واستطرد العبودي قائلا: إن «مع التقارب والتفاهم بين (سائرون) و(الفتح) لم يعد هناك ضير إزاء مَن سيكون هو الكتلة الأكثر عدداً، وسوف ننتظر أيضا قرار المحكمة الاتحادية». وأشار، مكرّراً، إلى أن «المساعي بين (الفتح) و(سائرون) الآن هي التنسيق والتفاهم والاتفاق على شخص رئيس الوزراء بصرف النظر عمّن ستكون هي الكتلة الأكثر عددا».

العرب السنة ورئاسة البرلمان

> تفكّك البيت السنّي انسحب بالضرورة على مرشحهم لرئاسة البرلمان بوصفه حصّة المكوّن السنّي. لكن تعددية الكتل السنّية («تحالف القرار» و«تحالف القوى العراقية» و«المشروع العربي»، وجزء من ائتلاف «الوطنية» و«بيارق الخير») أدت بالضرورة إلى تعدّدية المرشحين لهذا المنصب، الذي كان في الدورات الماضية يحسم حاله حال منصب رئيس الجمهورية والوزراء داخل المكوّن نفسه.
المرشحون لمنصب رئيس البرلمان من العرب السنة 9 مرشحين هم: محمد الحلبوسي وأسامة النجيفي وأحمد عبد الله الجبوري وخالد العبيدي ومحمد تميم وأحمد خلف الجبوري وطلال الزوبعي ورشيد العزاوي ومحمد الخالدي. وبسبب تمسك كل مرشح أو ككل كتلة من الكتل السنيّة بمرشحها، صار ضرورياً التصويت عليهم مرة داخل البيت السنّي ومرة أخرى - وهي الأهم - داخل البرلمان خلال جلسة السبت، لكن عبر الفضاء الوطني، وهو ما يعني أن يكون للشيعة والكُرد رأيهم في اختيار المرشح السني لرئاسة البرلمان.
بسبب ذلك توزّع المرشحون السنة الـ9 على الكتلتين الشيعيتين الكبيرتين (الإصلاح والإعمار) و(البناء). وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول أحمد الجبوري، النائب عن حركة «تمدّن» وأحد المرشحين التسعة لرئاسة البرلمان، إن «الاتفاق صار أن يُحسم أمر المرشح للمنصب داخل الفضاء الوطني بالتصويت داخل البرلمان. وهو ما يعني أن يكون للشيعة والكُرد رأيهم الحاسم في ترجيح كفة المرشح السنّي لهذا المنصب. وفي تفسير ذلك، يقول أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق والقيادي في تحالف القرار لـ«الشرق الأوسط» إن «المجموعة السنّية بأجمعها لا تمثل ثقلاً عددياً في البرلمان، يقابلها مجتمع محبط ويائس من العملية السياسية ومن المستقبل، وغير راغب بالمشاركة في الانتخابات».
ويضيف النجيفي أن «السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو... هل تنجح الأغلبية البرلمانية من المكوّنات الأخرى باختيار شخص يمكنه أن يبعث الأمل بمستقبل العمل السياسي في العراق... أم تستمر في إقصاء الشخصيات الموثوقة وإعطاء الفرصة للفاسدين لكي يُمعنوا في إحباط المجتمع».

... والكُرد ورئاسة الجمهورية

> ما ينطبق على العرب السنة على صعيد رئاسة البرلمان ينطبق بشكل أو بآخر على الكُرد لجهة كون منصب رئيس الجمهورية من حصتهم. وعلى الرغم من توزّع الكُرد على ثلاثة اتجاهات تمثلها ثلاث قوى هي: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وأحزاب المعارضة الكردية التي تمثل حركة التغيير والجيل الجديد والجماعة الإسلامية فضلا عن «تجمع العدالة والديمقراطية» الذي يتزعمه الدكتور برهم صالح نائب الأمين العام السابق للاتحاد الوطني الكردستاني على عهد الراحل جلال طالباني.
في العادة، فإن منصب رئيس الجمهورية بقي خلال الدورات البرلمانية الثلاث الماضية من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني (شغله جلال طالباني، الأمين العام السابق للاتحاد الوطني، ويشغله حالياً الدكتور فؤاد معصوم القيادي البارز في الاتحاد) مقابل بقاء رئاسة «إقليم كردستان» من حصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. ولكن هذه المرة، لا سيما بعد الاستفتاء الكردي الذي أجري العام الماضي ولم يحقق أهدافه، يبدو أن أولويات الحزب الديمقراطي الكردستاني تغيّرت بحيث صار يطالب بمنصب رئاسة الجمهورية في بغداد.
مع هذا، طبقاً لقيادي كردي بارز تحدث «الشرق الأوسط» طالبا إغفال ذكر اسمه، فإن «ما يقوم به الحزب الديمقراطي الكردستاني مجرد مناورة... لأن عينه دائماً ليست على بغداد، وليس لديه مرشحون يمكن أن يكونوا محل إجماع في بغداد».
وتابع أن «الاتحاد الوطني الكردستاني يعرف أن شريكه يناور لأنه يريد منه الحصول على أكبر قدر من المكاسب والامتيازات مقابل التخلي عن منصب رئاسة الجمهورية، وهذه المكاسب تتمثل في إطلاق يد الحزب الديمقراطي في كردستان من حيث المناصب، بما فيها رئاسة الحكومة بعد إلغاء منصب رئيس الإقليم فضلاً عن الحصول على وزارات سيادية في بغداد».
ومثل العرب السنة يتعدّد المرشحون لهذا المنصب داخل البيت الكردي. ففي حين يطرح فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني اسمي وزير الخارجية السابق هوشيار زيباري وفؤاد حسين للمنصب فإن الاتحاد الوطني لديه ثلاثة مرشحين هم الرئيس الحالي فؤاد معصوم ومحمد صابر ولطيف رشيد. غير أن ثمة متغيراً قد يكون مهماً هو دخول برهم صالح، القيادي البارز وأمين عام «تجمع العدالة والديمقراطية»، على خط الترشيح مدعوماً من قيادات بارزة داخل الاتحاد الوطني.


مقالات ذات صلة

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

حصاد الأسبوع الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين…

الشيخ محمد (نواكشوط)
حصاد الأسبوع ميرتس

فريدريش ميرتس... محافظ وواقعي يقود سفينة الديمقراطيين المسيحيين الألمان في حقبة صعبة

انتظر فريدريش ميرتس 23 سنة قبل تحقيق طموحه بأن يصبح المستشار الألماني؛ إذ كان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي قاد حزبه إلى الفوز بالانتخابات

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع شولتز (رويترز)

ألمانيا: حسابات الداخل والخارج تدفع نحو تسريع التفاهم على الائتلاف الحاكم الجديد

تنتظر ألمانيا أسابيع، أو حتى أشهراً، من المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظ) بزعامة فريدريش ميرتس الذي فاز بالانتخابات الأخيرة،

«الشرق الأوسط» ( برلين)
حصاد الأسبوع زامير

إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

لم يعرف الجيش الإسرائيلي في تاريخه وضعاً أصعب من الوضع الذي يعيشه اليوم، لدى استعداده لاستقبال رئيس أركانه الجديد، إيال زامير. صعب، ليس لأنه يعاني من نقص في الذخيرة والعتاد، ولا لأنه ثبت فشله في تحقيق أي من أهداف الحرب على غزة، بل إن المشكلة الراهنة والاستثنائية هي أنه يفقد مزيداً من ثقة الناس، ويتعرّض في الوقت ذاته إلى حملة تحريض شعواء من الحكومة ورئيسها ووزرائها وجيش «النشطاء» في الشبكات الاجتماعية التابع لحزب «الليكود» الحاكم. هذه المشكلة تُدخل الجنرالات في أجواء توتر دائم وتهزّ ثقتهم بأنفسهم؛ ولذا فبعضهم يحاول إرضاء الحكومة بالنفاق، والبعض الآخر يحاول إرضاءها بتشديد القبضة ضد الفلسطينيين، وثمة فئة ثالثة أفرادها يرفضون فيستقيلون، وآخرون يرفضون ويبقون «دفاعاً عن أهم ركن من أركان الدولة العبرية» معتبرين أن الجيش يعيش موجة عابرة سيستطيع تجاوزها. ومع كل هذا، الجميع يشعرون أنهم في قلب معركة أقسى عليهم من الحرب على ست جبهات، ولا أحد سيخرج منها بلا جروح.

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع تعزيز سلاحي الدبابات والمدرعات في مقدم المطالبات الإسرائيلية لتطوير قدرات الجيش (آ ف ب)

رسالة مفتوحة إلى زامير من أكاديمي استيطاني يميني

إحدى الإشارات التي تدل على ما هو مطلوب من رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير، وردت على شكل رسالة مفتوحة وجّهها إليه الدكتور عومر أريخا؛ وهو ناشط يميني.


اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟