الثري الصيني جاك ما يترك المليارات ليعود إلى مهنة التدريس والأعمال الخيرية

حَلُم بتعلم الإنجليزية وحاز درجات دكتوراه عدة وجوائز عالمية... وحقق 420 مليار دولار لمجموعة «علي بابا»

الثري الصيني جاك ما يترك المليارات ليعود إلى مهنة التدريس والأعمال الخيرية
TT

الثري الصيني جاك ما يترك المليارات ليعود إلى مهنة التدريس والأعمال الخيرية

الثري الصيني جاك ما يترك المليارات ليعود إلى مهنة التدريس والأعمال الخيرية

أعلن «جاك ما» Jack Ma الصيني، مؤسس مجموعة «علي بابا» للتجارة الإلكترونية، عن خطته للانسحاب التدريجي من الشركة بحلول العام 2020. ولقد نجح «جاك» – وهذا هو التحوير لاسمه الأصلي باللغة الصينية – بتطوير الموقع ليصبح من أكبر المواقع في التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت، حيث إنه يخدم حاليا أكثر من 79 مليون مستخدم من حول العالم، يخدمهم 66 ألف موظف يعملون بدوام كامل في الشركة التي تبلغ قيمتها السوقية نحو 420.8 مليار دولار. وللعلم، تقدّم مجموعة «علي بابا» خدمات تقنية متنوعة على مستوى العالم، في حين قدّرت ثروة جاك ما نحو 38.6 مليار دولار أميركي في شهر أغسطس (آب) الماضي، ما يجعله أحد أغنى أغنياء العالم.

قرّر جاك ما، الملياردير الصيني ومؤسس مجموعة «علي بابا» للتجارة الإلكترونية، في وقت سابق من سبتمبر (أيلول) الحالي التفرغ للعمل الخيري في المجال التعليمي كونه معلماً سابقاً وشغوفاً في هذا الجانب. ووضع خطة للانسحاب التدريجي من الشركة تاركاً المجال للرئيس التنفيذي الحالي دانييل زانغ لخلافته عبر انتقال قيادة المجموعة خلال الفترة المقبلة. ومن جهة ثانية، شدّد جاك على أنه سيبقى جزءاً من الشركة خلال هذه الفترة، بيد أنه سيقلص دوره ومسؤولياته بشكل تدريجي إلى حين إتمام عملية الانتقال الإداري، وفي حينه سيتخلى عن منصب رئيس مجلس الإدارة في 10 سبتمبر 2019. وسيكمل فترته الحالية في مجلس إدارة «علي بابا» لغاية موعد الاجتماع السنوي العام للشركة في العام 2020. ثم إنه لم يترك قيادة المجموعة لأبنائه، كما هو مألوف في الشركات الصينية العائلية، بل فضل تركها للشخص المناسب من حيث المؤهلات وليس الوراثة، ليعكس منهجية الحوكمة والشفافية.
يذكر أن جاك كان قد تخلّى عن منصب الرئيسي التنفيذي للشركة عام 2013. ويأتي قراره الأخير اللافت مع مرور 19 سنة على تأسيس مجموعة «علي بابا» القابضة. ويرى رغم الأعمال اللامع أن من واجبه السماح للجيل الأصغر سناً والأكثر موهبة بتولي أدوار قيادية لإكمال رسالته المتمثلة بتسهيل أداء الأعمال في أي مكان. وأكد أن المعلم داخله يشعر بالفخر الشديد بفريق المجموعة وثقافتهم الغنية، رغبة منه بتجاوز الطالب للمعلم. وبذا يسير جاك ما على خطى بيل غيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، الذي ودّع إمبراطوريته التقنية بالتدريج بدءا من العام 2006 إلى العام 2014. من أجل التركيز على الأعمال الخيرية العالمية.

نشأته وحياته

جاك ما من مواليد 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1964 – أي يبلغ عمره الآن 54 سنة – في مدينة هانغتشو في مقاطعة جيجيانيغ بشرق الصين. ومنذ طفولته أظهر رغبة جامحة في تعلم اللغة الإنجليزية، إذ كان يركب دراجته كل صباح لمدة 45 دقيقة باتجاه فندق لإرشاد السياح الأجانب حول المنطقة. ومن ثم، تعلم اللغة الإنجليزية واستخدمها معهم لمدة 9 سنوات، وصار صديقاً بالمراسلة لأحد السياح الذي أطلق عليه اسم «جاك» بسبب صعوبة نطق اسمه الصيني الأصلي.
درس «جاك» التربية والتعليم في جامعة هانغتشو لإعداد المعلمين، وتخرج فيها في العام 1988 حاصلاً على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، بعد فشله مرتين في تجاوز امتحانات القبول فيها. ومن ثم، عمل محاضراً في اللغة الإنجليزية والتجارة الدولية في جامعة هانغتشو ديانزي، ومن ثم انضم إلى جامعة تشونغ كونغ لدراسات الأعمال، وتخرّج فيها عام 2006 بدرجة ماجستير في إدارة الأعمال.
بعد ذلك تقدم جاك لأكثر من 30 وظيفة مختلفة لكنه ووجه بالرفض في كل منها. وكان بين الوظائف التي تقدم لها قسم الشرطة حيث تم قبول 4 متقدمين من أصل 5، وشركة «كي إف سي» KFC لبيع الدجاج المقلي التي تقدم للعمل بها 24 شخصاً وكان الوحيد الذي رفض طلبه أيضاً. وتقدم كذلك إلى كلية الأعمال بجامعة هارفارد الأميركية 10 مرات ولكن طلبه رفض في كل مرة. بل حتى عندما تقدم مع ابن عمه لوظيفة نادل في فندق، وانتظر تحت أشعة الشمس الحارقة لنحو الساعتين، حصل ابن عمه على الوظيفة رغم حصوله على تقييم أقل من تقييم جاك في امتحان القبول!
من كل هذه التجارب تعلمّ جاك درساً مهماً في حياته، وهو أن عليه ألا يستسلم أبدا للفشل، بل يجب التعلم منه. وانتهى مشوار خيبات الأمل، عندما عمل أخيراً في جامعة محلية كمدرس للغة الإنجليزية لقاء 12 دولاراً في الشهر.

محطة الإنترنت المفصلية

عام 1994 سمع جاك عن الإنترنت، وسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية مع مجموعة من الأصدقاء الذين ساعدوه في التعرف عليها. وهناك فوجئ بأنه عثر على الكثير من المعلومات في الإنترنت، ولكن ليس من شركات صينية. وهكذا، قرّر جاك مع مجموعة من الأصدقاء تأسيس موقع يسمح لمصدّري المنتجات وضعها في الإنترنت لتمكين المشترين من اختيارها مباشرة من دون الحاجة إلى وسيط. وحقاً، أطلق الموقع في الساعة التاسعة و40 دقيقة صباحا، لتبدأ رسائل البريد الإلكتروني من المستثمرين الصينيين بالوصول في حدود الساعة 12 ونصف ظهرا. وكانت تلك هي اللحظة التي خبِر فيها جاك ما، فعلاً، القدرات الهائلة الكامنة للإنترنت. من هذه المحطة، بدأ له أن مشواره العملي سيكون كفاحاً شاقاً من أجل النجاح، تماماً مثل مشواره التعليمي، وحقاً، كان من أوائل من فكروا بتأسيس شركة إنترنت من الصين، التي كانت تتأهب في حينه لدخول العصر الرقمي.

انطلاق «علي بابا»

وبعد سنة، عام 1995، جمع جاك مع زوجته وصديق له مبلغ 20 ألف دولار لتأسيس أول شركة لهم، وهي شركة متخصصة بإيجاد موقع للشركات الصينية سماها «صفحات الصين». وفي غضون 3 سنوات فقط، حصلت الشركة على عوائد بقيمة 5 ملايين يوان صيني، أي ما يعادل 800 ألف دولار أميركي في ذلك الوقت. ثم ترأس جاك شركة تقنية المعلومات التابعة لمركز الصين الدولي للتجارة الإلكترونية التابع لقسم وزارة التجارة والتعاون الاقتصادي بين العامين 1998 و1999.
وبعد ذلك أسّس موقع «علي بابا» بصحبة 18 صديقاً، وشغل منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة التي تشمل موقع «علي بابا»، وموقع «إي تاو»، وخدمات «علي بابا» للحوسبة السحابية، وموقع «تي مول»، وموقع «جوهواسوان»، وموقع «1688 دوت كوم» وموقع «علي إكسبريس» المتخصص ببيع المنتجات بأسعار الجملة للأفراد والتجار حول العالم، وخدمة «علي بابا» للدفع المسماة «علي باي» AliPay. كذلك أسس موقع «تاو باو» الذي عرض موقع «إي باي» eBay أن يشتريه، لكن جاك ما رفض ذلك وحصل على استثمار مالي من الشريك المؤسس لـ«ياهو» بقيمة مليار دولار.
اختار جاك اسم «علي بابا» للموقع معتمداً على رواية «علي بابا والأربعون لصاً» من منطلق استخدام شخصية «علي بابا» ككلمة سر تفتح أبواباً لكنوز تفوق الوصف، وفي ذلك تعبير واضح عن قدرة شركته على فتح أبواب الثراء للشركات الصغيرة والمتوسطة حول العالم.
ومن ثم، حصلت مجموعة «علي بابا» على تمويل أجنبي بقيمة 25 مليار دولار في نهاية العام 1999 وبداية العام 2000، من أجل تطوير التجارة الإلكترونية المحلية وإيجاد منصة تجارة إلكترونية متقدّمة للشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة. واستطاعت المجموعة دخول سوق الأسهم في بورصة نيويورك بنهاية العام 2014 وجنت أكثر من 25 مليار دولار في الاكتتاب، وهي أكبر قيمة اكتتاب في تاريخ سوق الأسهم الأميركي. وفي العام 2012، تجاوز حجم التعاملات التجارية في موقع «علي بابا» تريليون يوان صيني (نحو 146 مليار دولار أميركي).
في ضوء هذا النجاح المبهر، تحدث جاك ما مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في بداية العام 2017 حول كيفية إيجاد مليون وظيفة جديدة في الولايات المتحدة خلال 5 سنوات، مع أنه في الوقت نفسه يعارض سياسات ترمب التجارية، ويعتقد أنه إذا توقفت التجارة... ستبدأ الحرب. وهنا نشير إلى أن جاك ما كان قد أعلن في العام 2010 عن قراره تخصيص 0.3 في المائة من العوائد السنوية لمجموعة «علي بابا» لصالح مشاريع حماية البيئة في مجالي تطوير نقاء المياه والهواء، وذلك بهدف مساعدة المزيد من الناس على جني المال بصحة أفضل، وأن يكون المال مفيداً لأولئك الأشخاص وللمجتمع ككل. ونبع هذا الاهتمام بعد مرض أحد أفراد عائلة زوجته بسبب التلوث البيئي.
وفي هذا السياق العائلي، نذكر أن جاك أبٌ لـ3 أولاد من زوجته كاثي جانغ ينغ، وله أخ أكبر منه وأخت أصغر منه. ومن اهتماماته أنه استثمر في محمية طبيعية في الصين تبلغ مساحتها 27 ألف فدان. وبلغ عدد ساعات الطيران التي أمضاها في الجو 800 ساعة خلال العام 2016. وازدادت إلى 840 ساعة في العام 2017. ويتوقع أن يمضي أكثر من 1000 ساعة في الجو هذا العام للترويج لمزايا التجارة الحرة والعولمة.

جوائز وتكريم

يعتبر جاك ما أول شخصية من الصين تتصدّر غلاف مجلة فوربس» الأميركية. ولقد حصل على جوائز كثيرة، وجرى تكريمه في الكثير من المناسبات، كإضافته إلى قائمة «أكبر 10 شخصيات اقتصادية» للعام 2004 من قبل التلفزيون المركزي الصيني، واختيار المنتدى الاقتصادي العالمي إياه في العام 2005 كقائد عالمي شاب، واختيار مجلة «فورتشن» إياه ليكون من ضمن «أكبر 25 شخصية أعمال مؤثرة في آسيا» عن العام 2005، ووقوع مجلة «بيزنز ويك» عليه كـ«شخصية الأعمال» للعام 2007، واختياره من قبل «بارونز» ضمن قائمة «أفضل 30 رئيساً تنفيذياً في العالم»، وإدراج اسمه في مجلة «تايم» كواحد من أكثر 100 شخصية مؤثرة، وذلك بعد تجاوز مزاد «تاوباو» الإلكتروني في الصين انتشار مزاد «إي باي»، ثم أعادت المجلة اختياره ليكون في هذه القائمة مرة أخرى في العام 2014.
أيضاً اختارت مجلة «بيزنز ويك» جاك ما واحداً من «أكثر الناس قوة في الصين»، وفي العام 2005 اختارته مجلة «فوربس الصين» واحداً من «أكثر 10 رواد الأعمال احتراماً في الصين». كذلك حصل على جائزة «شخصية العام الاقتصادية» و«قيادي العقد» من التلفزيون المركزي الصيني، كما اختير في العام 2010 واحداً من أبطال آسيا في الأعمال الخيرية بسبب مساهماته الكثيرة في جهود إغاثة الأزمات والفقر.
وراهناً، جاك عضوا في مجلس إدارة مصرف «سوفت بانك» الياباني للاستثمار، وشركة «الإخوة هواييه» للإعلام، ويعمل قيّماً لبرنامج الطبيعة في الصين في العام 2009. ولقد انضم في العام 2020 إلى مجلس الإدارة العالمي للبرنامج، وأصبح رئيس مجلس إدارة البرنامج في العام 2013. ثم إنه حصل في العام نفسه على المرتبة 30 بين أقوى شخصيات العالم وفق تقييم «فوربس» السنوي، وحصل على «جائزة ريادي الأعمال للعام على المستوى الآسيوي» في 2013. وحقق المرتبة الثانية في قائمة «فورتشن» لأعظم 50 شخصية قيادية في العام 2017.
وبالنسبة للشهادات الأكاديمية الفخرية، منح جاك دكتوراه فخرية من جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا في العام 2013، تلتها دكتوراه فخرية أخرى في العلوم والريادة التقنية من جامعة دي لا سال في الفلبين، ودكتوراه فخرية ثالثة في العلوم الاجتماعية بسبب مساهماته في قطاعي التقنية والمجتمع من جامعة هونغ كونغ، وأخيراً، دكتوراه فخرية من جامعة تل أبيب في فلسطين المحتلة.

دروس «المعلم» جاك

ختاماً، من قصة حياة جاك ما، وعمله، درس أول للأجيال الشابة فحواه أن أي شيء ممكن مع الإرادة، ذلك أنه بدأ من الصفر وأصبح مليارديراً، بغياب عائلة غنية من حوله تدعمه أو تعليم من أفضل الجامعات، أو حتى سيارة تنقله من مكان لآخر. وثمة درس ثان هو أنه يمكن بناء إمبراطورية في مرحلة الشباب إذ أن جاك انطلق في عالم النجاح عندما كان في الثلاثينات من عمره، وحصل على الكثير من الجوائز عندما كان في الأربعينات. وأما الدرس الثالث فهو أن وجود الموارد المسبقة ليس عنصراً أساسيا عندما يكون للمرء حلم كبير جداً ولديه الرغبة الأكيدة بتحقيقه... وطرق جميع الأبواب للبدء بتنفيذه.



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.