جوبا تعتبر اتفاقية سلام جنوب السودان بداية لعهد جديد مع الخرطوم

رئيس جنوب السودان سلفا كير يحيي تلاميذ المدارس الذين قدموا لاستقباله أمس في مطار جوبا (أ.ف.ب)
رئيس جنوب السودان سلفا كير يحيي تلاميذ المدارس الذين قدموا لاستقباله أمس في مطار جوبا (أ.ف.ب)
TT

جوبا تعتبر اتفاقية سلام جنوب السودان بداية لعهد جديد مع الخرطوم

رئيس جنوب السودان سلفا كير يحيي تلاميذ المدارس الذين قدموا لاستقباله أمس في مطار جوبا (أ.ف.ب)
رئيس جنوب السودان سلفا كير يحيي تلاميذ المدارس الذين قدموا لاستقباله أمس في مطار جوبا (أ.ف.ب)

قال مسؤول أمني رفيع في حكومة جنوب السودان، إن دور السودان في توقيع اتفاقية سلام بأديس أبابا بين الفرقاء في بلاده، يعد بداية جديدة للعلاقات بين جوبا والخرطوم، وخطوة كبيرة أعادت الثقة بين السودان وجنوب السودان، ودعا فصائل المعارضة في بلاده لتسريع عودتهم للعاصمة للإسهام في تنفيذ الاتفاقية. وأوضح وزير الداخلية مايكل شيانغجيك، في مؤتمر صحافي بالخرطوم أمس، أن جنوب السودان يعد جزءاً لا يتجزأ من السودان قبل الانفصال وبعده، وأضاف: «تربطنا روابط اجتماعية وثقافية، وأحياناً روابط سياسية». وأضاف أن الوساطة السودانية أفلحت في تذليل العوائق التي كانت تواجه مفاوضات الحكومة والمعارضة المسلحة، وأن التدخل السوداني وضغوط قادة دول الهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد» أسهمت بشكل كبير في توقيع اتفاقية السلام. وقال «هذه الخطوة المهمة أسهمت في تعزيز العلاقات بين البلدين، وأعادت الثقة بين جنوب السودان والسودان». وأضاف: «نحن كشعب واحد مررنا بظروف معقدة كثيرة، وحدثت بيننا مشاكل سياسية، لكن الوساطة والدور الذي لعبه السودان برعاية الرئيس عمر البشير، أسهم بشكل كبير في التوصل لاتفاقية السلام، وفي إزالة الهواجس بيننا، ونحن الآن نعيش مرحلة جديدة».
ودعا شيانغجيك، قادة المعارضة في جنوب السودان، للعودة إلى جوبا، وأضاف: «المعارضة جزء أصيل من الاتفاقية، ووجودهم في جوبا مهم لاستدامة السلام، لأن غيابهم يشل الاتفاقية».
ونفى بشدة وجود اضطراب أمني في عاصمة بلاده جوبا، بقوله: «الناس يتداولون أشياء غير موجودة، جوبا آمنة والأمن مستتب فيها»، بيد أنه أشار إلى تحديات أمنية تواجه بلاده تتمثل في كونها منفذاً للجريمة المنظمة العابرة للحدود وتهريب البشر، وتابع: «الأجهزة الأمنية، وبالتعاون اللصيق مع دول شرق أفريقيا والسودان، استطاعت تعطيل جزء كبير من الشبكات الإرهابية».
من جهتها رحبت دول «الترويكا» الراعية للسلام في جنوب السودان (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج)، بتحفظٍ، على الاتفاق النهائي لتنشيط السلام بين فرقاء جنوب السودان، وأعربت في الوقت نفسه عن قلقها إزاء مدى التزام الأطراف بالاتفاقية، خصوصاً وقف الأعمال العدائية. وطالب بيان دول «الترويكا»، الذي أصدرته في وقت متأخر من مساء أول من أمس، حكومة جنوب السودان، بإطلاق سراح السجناء السياسيين بعد توقيع الاتفاق النهائي لتنشيط السلام في أديس أبابا. ومن أبرز المعتقلين جيمس قاديت المتحدث الرسمي باسم زعيم المعارضة السابق ريك مشار، والناشط السياسي بيتر بيار. وعلى الرغم من ترحيب دول «الترويكا» بتوقيع أطراف النزاع، إلا أنها أعربت عن شعورها بالقلق إزاء مستوى التزام الأطراف بالاتفاق، وبصفة خاصة وقف الأعمال العدائية الذي تم توقيعه نهاية العام الماضي.
واستندت دول «الترويكا» على الانتهاكات المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار والهجمات على المدنيين وعمال الإغاثة. وذكرت أن 13 من العاملين في المجال الإنساني قتلوا هذا العام. وأضاف البيان: «لا نزال نشعر بالقلق بشأن مستوى التزام الأطراف بهذه الاتفاقية». وذكر البيان أن «الهجمات ما زالت مستمرة، خصوصاً في ولاية واو، على الرغم من وقف إطلاق النار. وتم منع فرق مراقبة وقف إطلاق النار من الوصول في الوقت المناسب إلى جانب حظر دخول المساعدات الإنسانية». وشددت دول «الترويكا» على الأطراف بضرورة الالتزام الجاد بالاتفاق، وتغيير نهجها بإنهاء العنف، والوصول الكامل للمساعدات الإنسانية، والإفراج عن السجناء السياسيين، والالتزام الحقيقي بالتنفيذ الفعال والخاضع للمحاسبة، ومراقبة السلطة التنفيذية، والاستخدام الشفاف للموارد لصالح جميع شعب جنوب السودان، وقالت: «من دون تحقيق تقدم في هذه القضايا سنشعر بالقلق من أن هذا الاتفاق لن يحقق السلام الذي يستحقه شعب جنوب السودان». وكانت دول «الترويكا» والاتحاد الأوروبي قد هددت في يوليو (تموز) الماضي بوقف دعم المؤسسات المكلفة بتنفيذ اتفاق السلام في جنوب السودان، وشددت على أن هذه الدول لن تقدم مساعداتها إذا لم تساهم أطراف الاتفاق في تحقيق السلام.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.