أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده مستعدة للبحث عن سبل للتفاهم والتعاون مع المجموعة الدولية المصغرة حول سوريا التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر، في خطوة تعد الأولى من نوعها بعدما كانت دعوات بلدان غربية لإنشاء آلية مشتركة تجمع مسار أستانة مع المجموعة المصغرة قوبلت بتحفظ روسي في وقت سابق.
وقال لافروف أمس، في حديث لوسائل إعلام غربية بأن روسيا «مستعدة لمناقشة هذا الموضوع» موضحا أن «وضع أسس للتنسيق والعمل المشترك بين مجموعة أستانة وما يسمى المجموعة الدولية المصغرة حول سوريا، يجب أن يقوم على أساس القرارات الدولية ومعايير القانون الدولي لجهة ضرورة التوصل إلى موقف مشترك ينطلق من احترام وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها».
ورأى الوزير الروسي أن خطوة من هذا النوع تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي لـ«مساعدة السوريين في الانتقال من مرحلة القضاء على الإرهاب في بلادهم إلى مرحلة السلام والتسوية السياسية، ما يتطلب إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة واستعادة النشاط الاقتصادي، وعودة ملايين اللاجئين والنازحين».
وفي إشارة بدت كأنها تحديد لشروط التعاون من وجهة النظر الروسية قال لافروف على المجتمع الأوروبي أن يتخلى عن فكرة تقييد أي مساعدة فعلية لسوريا والسوريين بإطلاق عملية التسوية السياسية. وزاد أنه «للأسف، حتى الآن لم يتسن إطلاق التعاون مع ألمانيا في هذا المجال، لأن الموقف الألماني ما زال أسيرا لمواقف الاتحاد الأوروبي المشتركة التي تشترط الخوض في العملية السياسية من دون تحديد أي صفات لها، لتقديم مساعدة فعلية لسوريا والسوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وهي تشمل أربعة أخماس أراضي البلاد حاليا».
وأضاف الوزير الروسي أن العقوبات المالية والاقتصادية الصارمة لا تزال مفروضة على سوريا، ما يعرقل استعادة الحياة الاقتصادية الطبيعية في البلاد، وتهيئة الظروف المناسبة للعودة التدريجية الآمنة والطوعية للاجئين، الذين تركوا مناطقهم بسبب القتال والأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية».
وكانت فكرة إيجاد «آلية مشتركة» تجمع مسار أستانة والمجموعة المصغرة عرضت خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موسكو قبل نحو شهرين، وعرضتها بعد ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لكن موسكو لم تبد حماسة لها آنذاك، وطالبت الأوروبيين ببلورة مقاربة جديدة تدعم جهود روسيا وشريكيها في مسار أستانة تركيا وإيران على صعيد الإصلاح الدستوري وإعادة اللاجئين.
وبرز الموقف الروسي من خلال إحباط مبادرة تقدم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لعقد لقاء رباعي في أنقرة يجمع روسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا لبحث الملف السوري. وقال الكرملين في حينها بأن «الفكرة لم تجد قبولا عند كل الأطراف».
وأكد لافروف أمس، أن روسيا تواصل العمل بنشاط مع الشركاء الأساسيين في مسار أستانة ومن خلال التنسيق مع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، لتشكيل لجنة صياغة الدستور السورية في جنيف، بهدف إطلاق عملية «إعداد الإصلاح الدستوري في سوريا بموجب قرار 2254 الدولي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي».
ولم تستبعد مصادر روسية أن تكون المرونة التي أبدتها موسكو أخيرا في مسألة التعامل مع المجموعة المصغرة جزءا من التحركات الهادفة إلى تقليص إمكانيات توجيه ضربة غربية إلى سوريا، على خلفية التهديدات الأميركية المتواصلة والتي انضمت إليها فرنسا وبريطانيا وألمانيا. واللافت أن تغطيات وسائل الإعلام الروسية ركزت خلال الأيام الأخيرة على «استعدادات تقوم بها موسكو للرد على الضربة الغربية المحتملة».
وأفردت مؤسسات إعلامية مساحات واسعة للحديث عن أن موسكو وجهت رسائل تحذيرية إلى واشنطن بأن القدرات العسكرية الروسية قادرة على صد ضربات جوية غربية. وبرغم تأكيد المستويين العسكري والسياسي في روسيا أن قنوات الاتصال مع واشنطن «تعمل بشكل كامل لمنع أي احتكاكات أو أخطاء» لكن هذا لم يمنع خبراء عسكريين من التلويح بأن «جاهزية الرد الروسية على الضربات المحتملة تجبر واشنطن وحلفاءها على إعادة النظر في أي قرار متهور في سوريا».
ورأى الخبير العسكري فلاديمير كوروفين، أن الطرفين يقومان حاليا بدراسة قدرات الجانب الآخر، مشيرا إلى أن «الخصم المحتمل يعرف جيدا، كم لدينا من منظومات دفاع جوي في هذا الاتجاه أو ذاك، وهو لذلك قام من فترة بعيدة بحساب وتحديد العدد المطلوب من الصواريخ ومجال تأثيرها». وزاد أن «الواقع الحالي يجبر روسيا على زيادة قدراتها الدفاعية في سوريا لأنها ستكون مضطرة لمواجهة كل صاروخ مجنح يطلقه الغرب بصاروخين دفاعيين» وأكد أن التعاون الوثيق بين القوات البحرية والجوية والبرية الروسية، يمكن أن يحل هذه المشكلة جزئيا، وأضاف: «نحن لسنا كالعراق عام 1991 أو يوغوسلافيا عام 1999. ولا يوجد لدى الخصم التفوق الواضح والحاسم، وهذا ما قد يمنعه عن الضربة».
بينما نشرت صحيفة «فزغلياد» المتخصصة في الشؤون الاستراتيجية خريطة لتوزيع القوى في المتوسط بين روسيا والغرب.
وقالت بأن خطة الهجوم الأميركي الجديد على سوريا جاهزة، ولا ينتظر البنتاغون سوى إشارة من الإرادة السياسية. لافتة إلى أن السفن والقوات الجوية الفضائية الروسية التي أجرت أخيرا مناورات واسعة النطاق قبالة الساحل السوري، اختارت مكان المناورات في منطقة تعد الأكثر ملاءمة بالنسبة إلى السفن الأميركية للتمركز فيها لتوجيه ضربات إلى سوريا، ما يعد رسالة إلى الأميركيين.
ونقلت الصحيفة عن خبير أن الولايات المتحدة لديها هيمنة مطلقة في البحر المتوسط ولن تكون للسفن الروسية أهمية. وإذا أطلقت الولايات المتحدة صواريخ مجنحة، كما حدث المرة الماضية، فلن تكون روسيا قادرة على مواجهتها بفاعلية بسبب خطر الدخول في مواجهة مباشرة مع الأميركيين، وأفادت أن روسيا اختارت لذلك توجيه رسائل جدية من خلال المناورات أخيرا، لأنها «لم تكن مجرد مناورات بل تدريب على العمل المشترك لصد هجمات محتملة بين القوات الجوية الروسية، ووسائط الدفاع الجوي على المستويات البعيدة أو المتوسطة أو قريبة المدى».
وقال مدير مركز دراسة دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سيميون باغداساروف، بأنه برغم أن استعراض القوة الروسية ترك انطباعا قويا، وربما يسفر عن تراجع واشنطن عن شن ضربات من المتوسط، لكن «الوضع لا يزال معقداً. فهناك منطقة الخليج والطيران الأميركي، الذي يمكن أن يهاجم من قطر».
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن السلطات التركية بدأت تتعاون في شكل أنشط في موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، موضحة أن عدد الذين انتقلوا إلى سوريا نهائيا من تركيا بلغ 80 ألف شخص.
في الأثناء، انتقدت وزارة الدفاع الروسية في إيجاز صحافي أمس «محاولات قوية لممارسة الضغط النفسي على اللاجئين لثنيهم عن العودة إلى سوريا»، مشيرة إلى أن ذلك يجري عبر مقابلات تنظم باسم مفوضية اللاجئين. أعلنت الوزارة أنها تخطط لفتح 26 معبرا إضافيا للاجئين السوريين، نظرا للزيادة المتوقعة لأعداد العائدين إلى وطنهم.
وقال رئيس المركز الروسي لاستقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين الفريق فلاديمير سافتشينكو إنه «نظرا للزيادة المرتقبة لتدفق السوريين العائدين إلى الوطن، تجري أعمال تحضيرية لفتح 26 معبرا إضافيا، بما فيها معبران بحريان و3 معابر جوية».
وأضاف أن الأعمال تجري وفقا لخرائط الطريق (التي تم التوصل إليها مع الأردن ولبنان) وبالتنسيق مع السلطات السورية.
وأشار إلى أنه تعمل في الوقت الحالي 10 معابر في سوريا، وهي قادرة على استقبال وتوزيع وإرسال ما يصل إلى 42 ألفا و850 شخصا بالإضافة إلى 520 سيارة يوميا.
إلى ذلك، سارت وزارة الدفاع الروسية خطوة أخرى لتظهر أنها تدير القرارات الرئاسية في سوريا، وأعلنت أمس، أنها دعت السلطات السورية إلى تحويل القرار حول تأجيل دعوة اللاجئين العائدين إلى سوريا للخدمة في الجيش إلى قانون ملزم في أسرع وقت ممكن.
قال رئيس المركز الوطني لإدارة الدفاع عن روسيا الاتحادية، اللواء ميخائيل ميزينتسيف، في جلسة لمكتب التنسيق الخاص بملف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم: «أطلب إكمال التسجيل القانوني للقرارات التي اتخذتها القيادة السورية بشأن تقديم تأجيل دعوة اللاجئين ذوي الأعمار المناسبة إلى الخدمة في الجيش بأسرع وقت ممكن».
مشددا على أن «هذا الأمر له أهمية غير مسبوقة بالنسبة إلى تنشيط عمليات عودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم، ولتحييد معارضي هذه العملية الإنسانية».
موسكو مستعدة للتعاون مع «المجموعة الصغيرة» لدعم سوريا
انتقدت ربط الأوروبيين تقديم مساعدات بإطلاق تسوية سياسية
موسكو مستعدة للتعاون مع «المجموعة الصغيرة» لدعم سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة