برز تراجع في لهجة موسكو حول عملية عسكرية محتملة في إدلب بشمال غربي سوريا، ولم تستبعد «تأجيل» العمل العسكري بعض الوقت لإفساح المجال لتركيا في تنفيذ تعهداتها بفصل المعارضة عن «جبهة النصرة»، بالتزامن مع تزايد المخاوف الروسية من احتمال توجيه واشنطن وحليفاتها ضربات إلى مواقع في سوريا.
وبعد التحذيرات التي أطلقتها موسكو خلال جلسة مجلس الأمن حول إدلب أول من أمس، اتجهت الأنظار الروسية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بهدف التدخل و«منع وقوع استفزاز كيماوي» متعمد، بحسب ما يقول الجانب الروسي. وقال مندوب روسيا الدائم لدى المنظمة ألكسندر شوليغين إن المنظمة مدعوة إلى التدخل لتدخل سريع لقطع الطريق أمام محاولات الإرهابيين تنفيذ هجوم كيماوي مزعوم يشكل ذريعة لتدخل غربي في سوريا. وزاد أن موسكو أبلغت المنظمة الدولية بمعطيات حصلت عليها حول التحضير لهذا «الاستفزاز». وزاد أن عدداً من ممثلي البلدان المنضوية في المنظمة الدولية أيدوا الطلب الروسي بتدخل سريع بهدف «عمل كل ما في وسعنا لمنع وقوع الاستفزاز».
وكانت موسكو أعلنت أن لديها معطيات عن قيام «جبهة النصرة» بنقل مكونات كيماوية إلى مدينة جسر الشغور بهدف تصوير مشاهد تحاكي وقوع هجوم كيماوي لتوفير ذريعة لواشنطن لتوجيه ضربة عسكرية إلى القوات الحكومية السورية.
وجاء حديث شوليغين قبل ساعات من صدور تقرير أممي حمّل الحكومة السورية المسؤولية عن هجمات بغار الكلور السام حصلت بداية العام الجاري، وقال التقرير إنها «هجمات ترقى إلى جرائم حرب».
إلى ذلك، تراجعت حدة اللهجة الروسية حول احتمال شن عملية عسكرية في إدلب، وأعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف أن «القتال ضد التنظيمات الإرهابية في إدلب يمكن تأجيله»، لكنه أوضح أن «من الضروري التوصل إلى حل سريع لأنه لا يمكن التعايش مع وجود الإرهابيين وتحركاتهم». وقال لافرينتييف في أعقاب المفاوضات التي جرت في جنيف بمشاركة ممثلي الدول الضامنة لعملية آستانة (روسيا وتركيا وإيران) والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إن الاجتماع تناول الوضع في إدلب. وأكد على موقف روسيا القاضي بأن «التعايش السلمي مع الإرهابيين أمر مستحيل. ويجب مواصلة محاربتهم حتى القضاء عليهم نهائياً»، مشيراً إلى أن روسيا والدول الضامنة الأخرى تعمل كل ما بوسعها من أجل حل قضية إدلب بأدنى حد ممكن من الخسائر، ومع ضمان أمن السكان المدنيين.
وفي أول حديث روسي مباشر حول احتمال تأجيل إطلاق عملية عسكرية قال لافرينتييف إنه «إذا تحدثنا عن التأجيل، فيمكن تأجيل محاربة التنظيمات الإرهابية أسبوعاً أو أسبوعين أو 3 أسابيع. ولكن ماذا بعد ذلك؟ يجب حل هذه القضية بشكل جذري عاجلاً أم آجلاً. ولذلك فإن الأمر يتوقف على قدرة المجتمع الدولي على المساعدة في فصل المعارضة المعتدلة الموجودة في إدلب عن المتطرفين».
وذكّر بأن أنقرة تعهدت القيام بتحرك سريع في هذا الاتجاه، وقال إن «محافظة إدلب، حسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل عام ونصف العام، تعتبر من مسؤولية تركيا، وبالتالي على تركيا فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفين».
وحذّر من أن «البعض يحاول استخدام المدنيين كدروع بشرية، ما يمثل مشكلة جدية»، في إشارة إلى «جبهة النصرة» التي تتهمها موسكو بمنع خروج المدنيين عبر الممرات التي فتحتها. وزاد أنه «يجب العمل بدقة في هذا المجال. العسكريون من الدول الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) يستطيعون الاتفاق على آلية العمليات ضد التنظيمات الإرهابية في هذه المحافظة. والأهم هنا تجنب الخسائر وسط السكان المدنيين».
وقال لافرينتييف إن الأوضاع في محافظة إدلب «معقدة ومتوترة»، محذّراً من أن على «المجتمع المدني أن يبدي أقصى قدر من الحذر والاتزان في حال وقوع الاستفزاز الكيماوي الذي نبهنا منه، والذي قد يصبح ذريعة لضربات صاروخية جديدة على سوريا من قبل التحالف الغربي... ونعتقد أننا كمجتمع دولي يجب أن نبذل جهوداً جماعية لمنع وقوع ذلك». وأضاف أن ذلك سيمثل «ضربة قوية» إلى عملية التسوية السياسية.
وتطرق لافرينتييف إلى المناقشات التي جرت أخيرا في جنيف حول الدستور السوري، وقال إن المشاركين «اتفقوا مبدئيا على قائمتين للمرشحين لعضوية اللجنة الدستورية السورية». وزاد أنه «تم التوافق مبدئيا على اللائحتين المقدمتين من الحكومة والمعارضة إلى المبعوث الدولي، وستتطلب القائمتان الإقرار نهائياً من قبل الدول الضامنة وستيفان دي ميستورا بعد إتمام الاتفاق بشأن قائمة المرشحين عن المجتمع المدني»، مشيراً إلى أن «هناك أسئلة لا تزال قائمة بشأنها». وأضاف أنه تقرر تشكيل فريق خبراء فني للإسراع بهذه العملية.
وأشار لافرينتييف إلى أن اللجنة الدستورية ستضم مجموعة مصغرة من 45 عضواً لصياغة دستور جديد أو إعداد تعديلات على الدستور الحالي، وسيتم تشكيلها على أساس المبادئ ذاتها التي سيبنى عليها تشكيل اللجنة الدستورية من 150 شخصاً. وأوضح أن ثلث أعضاء المجموعة المصغرة سيكون من ممثلي الحكومة والثلث الثاني من المعارضة والثلث الأخير من ممثلي المجتمع المدني.
وأشار لافرينتييف إلى أن ممثلي روسيا وتركيا وإيران والأمم المتحدة قد يعقدون اجتماعاً جديداً في جنيف في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لحل بقية المسائل المتعلقة بتشكيل اللجنة الدستورية السورية. وأوضح أنه حتى الآن لم يتم حل مسألة رئاسة اللجنة وبعض المسائل الأخرى، ولذلك قرر المشاركون إتمام العمل على المستوى الفني.
وأعرب المبعوث الروسي عن أمله بأن يساهم ستيفان دي ميستورا بصفته مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة في إطلاق عمل اللجنة الدستورية بنجاح.
موسكو تخفف لهجتها في إدلب وتستعد لمواجهة «تصعيد» غربي
موسكو تخفف لهجتها في إدلب وتستعد لمواجهة «تصعيد» غربي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة