الكاتب الجبان!

الكاتب الجبان!
TT

الكاتب الجبان!

الكاتب الجبان!

لا أحد (حتى الآن) يعرف ذلك «الجبان»، الذي أثار الهلع في البيت الأبيض، وأثار بنحو خاص قلق وغضب الرئيس دونالد ترمب فراح يصرخ في تغريدة عبر «تويتر»: «باسم الأمن القومي، على الصحيفة أن تكشف فوراً عن كاتب المقال».
البحث عن الكاتب الجبان الذي كتب مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «أنا جزء من المقاومة داخل إدارة ترمب»، واصفاً كيف يعمل جاهداً مع آخرين للتصدي من الداخل «لأسوأ شطحات» رئيس يتمتع بقدرات قيادية «وضيعة» و«متهورة» و«غير فاعلة».
أقوى الرجال والسيدات في البيت الأبيض، وجدوا أنفسهم في دائرة الشك، كلهم صار يدافع عن نفسه قائلاً: لستُ أنا ذلك الكاتب الغامض!
نائب الرئيس مايك بنس وجد نفسه مضطراً إلى نشر بيان يؤكد براءته في هذه القضية. مثله فعل عدد من المسؤولين البارزين في أعلى مراكز السلطة الأميركية، بينهم رئيس الاستخبارات الأميركية دان كوتس، الذي قال في بيان إن «التكهنات بأن المقال في (نيويورك تايمز) كتبته أنا شخصياً أو مساعدي، خاطئة تماماً»، وكذلك فعل وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي دافع عن نفسه قائلاً، إنه لم يكتب النص، وتبعه وزير الدفاع جيم ماتيس أيضاً... حتى زوجة الرئيس ميلانيا ترمب، هاجمت بقوة تستر مؤلف المقال، وقالت لشبكة «سي إن إن» في هجوم موجه لكاتب المقال «أنت لا تحمي هذا البلد، بل تخربه بأفعالك الجبانة».
الحقيقة، أن الشجاعة ليست من صفات الكاتب دائماً، والكثير من الكتاب يفضل أن يبتلع لسانه أو يعضّ أصابعه قبل أن يجد نفسه في موقف كهذا، لكن الحقيقة أيضاً، أنهم في البيت الأبيض لا يفتشون عن «كاتب جبان»، بل عن «مسؤول جبان» صادف أنه كتب رأياً لا يمكنه أن يتبناه.
ليس السؤال لماذا يخشى الكاتب؛ فالكاتب لديه عشرات الأسباب ليخاف، أقلها قوت عياله، لكن لماذا يخشى المسؤول وهو في قمة السلطة أن يقول رأيه، أو أن يصرح بهويته فيلجأ للتسريب...؟ وبخاصة إذا كان في الولايات المتحدة وليس في أي بلد آخر. إذا نافق الكاتب فهو الضعيف المحتاج، لكن لماذا يصرّ مسؤول يراه الناس واحداً من أقوى الرجال على ظهر الأرض، أن يذكر اسمه؟!... تقول «نيويورك تايمز»، إنها كتمت اسم الكاتب لأنه «ربما كان سيفقد عمله لو أنها كشفت اسمه»، فإذا كان هذا المبرر مقبولاً ليتوارى خلفه مسؤول كبير بحجم رجال الصفّ الأول في البيت الأبيض، فلماذا لا يكون مقبولاً بشأن كاتب أو مثقف أو أديب أو شاعر، يحتسي الصمت كي يعيش...؟!
الحقيقة، أن المسؤول الأميركي الذي كتب المقال وكتم هويته، وهو تحت سلطة القانون الديمقراطي كان يفكر في منظومة المصالح التي ينتمي إليها، ولم يكن مستعداً أن يفرط فيها... في مقابل عشرات المثقفين والروائيين والكتاب وأصحاب الرأي في العالم الذي ضحوا من أجل آرائهم الحرة. ومن استمع إلى المكالمة المسجلة للرئيس ترمب مع الصحافي بوب وود، ووجد كيف يتودد الرجل الأقوى في العالم لكاتب ومؤلف بهدف كسبه والتأثير على مواقفه، سيعلم صدقاً أن الرأي الحرّ يمنح صاحبه قوة.
لا أحد يطالب المثقف وصاحب الرأي أن يكون انتحارياً، لكن أن يتحسس قوته المعنوية والأخلاقية وهي رصيده الوحيد...



صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
TT

صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)

خلال إحدى حفلاته الأخيرة في بيروت، فوجئ المغنّي السوري «الشامي» بأحد الحاضرين الذي صعد إلى المسرح ووجّه إليه حركة نابية، بعد أن رفض الفنان الشاب ارتداء الكوفيّة نزولاً عند رغبة المعجب. أثارت تلك الحادثة الاستغراب، فبعد أن كان المعجبون يقتحمون خشبات المسارح لاستراق قبلة أو صورة مع مطربيهم المفضّلين، ها هم يحطّمون الحواجز الأخلاقية بينهم وبين الفنان.

لكن إذا كانت تلك التصرّفات العدائية من قبل المعجبين تجاه الفنانين طارئة على العالم العربي، فهي تُعد سلوكاً رائجاً في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ عام 2021، وتحديداً بعد عودة الحفلات الموسيقية عقب جائحة «كورونا».

تعرَّض المغني الشامي قبل أسابيع لحركة نابية من معجب اقتحم المسرح (إنستغرام)

هاتف وسِوار على وجهَي ريكسا وأيليش

قبل أسابيع، وخلال حفلٍ لها في أريزونا، التقطت عدسات الكاميرا الفنانة الأميركية الشابة بيلي أيليش وهي تتلقّى سواراً على وجهها. بدت أيليش ممتعضة من هذا التصرّف الذي قام به أحد الحاضرين، فما كان منها إلا أن رمت السوار جانباً. أيليش، محبوبة الجيل الصاعد، معتادة على مواقف كهذا؛ في عام 2019 جرى تطويقها من قبل مجموعة من المعجبين؛ حيث حاول أحدهم خنقها بينما سرق آخر خاتمها.

قبل أيليش، تعرَّض عدد كبير من الفنانين لاعتداءات بأغراضٍ من العيار الثقيل، وأكثر أذى من مجرّد سوار. كان على المغنية بيبي ريكسا التوجّه من حفلها في نيويورك إلى المستشفى مباشرة، بعد أن رماها شخصٌ من بين الحضور بهاتفه على وجهها. وفي وقتٍ ظهرت ريكسا بعد الإصابة مجروحة الحاجب، جرى توقيف المعتدي الذي قال إنه تصرّف على هذا النحو آملاً في أن تلتقط الفنانة صوراً بهاتفه.

دجاج مقلي ومشروبات ورماد موتى

من بين الحوادث الصادمة، الصفعة التي تلقّتها المغنّية آفا ماكس من شخصٍ صعد إلى المسرح، بينما كانت تؤدّي أغنية خلال حفل لها في لوس أنجليس. أما المغنّي هاري ستايلز فكانت حصّته من هذه الظاهرة المستجدة قطعة دجاج مقلي أصابت عينه خلال إحدى حفلاته.

إلى جانب الهواتف التي نال مغنّي الراب دريك نصيبه منها كذلك خلال حفل في شيكاغو عام 2023، غالباً ما يلجأ الحضور إلى رمي الفنانين بالدّمى، وقطع الملابس، والمأكولات، والمشروبات. هذا ما حصل مع المغنية كاردي بي التي وجّه إليها أحد حاضري حفلها في لوس أنجليس كوباً من المشروب، فما كان منها سوى أن رمته بالميكروفون. إلا أن صدمة المغنية بينك كانت الأكبر من بين زملائها، فخلال إحيائها حفلاً في لندن، قام فردٌ من الحضور بنَثر رماد والدته المتوفّاة على المسرح!

مغنية الراب كاردي بي تضرب معجباً بالميكروفون بعد أن رماها بالمشروب (يوتيوب)

إن لم يتطوّر الأمر إلى رمي الفنان بأداة ما، غالباً ما يلجأ الحاضرون مفتعلو المشكلات إلى حِيَل أخرى، كتصويب فلاشات الكاميرا إلى وجه المغنّي بهدف إزعاجه، أو كالصراخ والسعي إلى الانخراط في محادثة معه.

في المقابل، يلوم بعض متابعي هذا المشهد المستجدّ الفنانين أنفسهم، على اعتبار أنّ بعضهم يعمد إلى رمي الجمهور بأغراض خاصة به، مثل القبعات والملابس والنظارات، ما دفع بالحضور إلى اكتساب تلك العادة والقيام بالمثل.

يلجأ بعض حضور الحفلات إلى إزعاج المغنِّين بالصراخ أو بفلاشات الكاميرات (رويترز)

لماذا يعنّف الجمهور الفنانين؟

* كورونا وعزلة الحَجْر

إذا كان الجمهور في الماضي يرمي الفنان بالبيض أو الطماطم في حال لم يعجبه الأداء، فإنّ وسائل التعبير وأسباب الامتعاض تبدّلت كثيراً على أيادي «الجيل زد». يعزو خبراء العروض الموسيقية وعلماء النفس والاجتماع تفاقم تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة، إلى الحجْر الذي فرضته جائحة «كورونا». بسبب العزلة وتوقّف العروض الترفيهية المباشرة، نسي بعض الناس لياقة التصرّف وأدبيّات السلوك خلال الحفلات، ولا سيما منهم الجيل الصاعد.

* أوهام السوشيال ميديا وأرقامُها

السبب الثاني الذي جعل المعجب يرفع الكلفة مع الفنان، ويعد نفسه متساوياً معه محطّماً الحواجز كلها، هي وسائل التواصل الاجتماعي التي أوهمت الجمهور بأنّ الفنان صديق له، وبأنّ ما بينهما معرفة ومشاعر حقيقية وليست افتراضية. يظنّ المعجبون أنهم بمتابعتهم للفنان، وبمعرفتهم أموراً كثيرة عنه، قد كسروا جدار البروتوكول، ونالوا اهتمام الشخصية المشهورة.

تتحمّل «السوشيال ميديا» كذلك مسؤولية تحويل الحفلات الموسيقية إلى عروضٍ من العنف ضد الفنان، بسبب هوَس الجيل الصاعد بمفهوم «التريند» وتجميع المشاهدات، ولا سيما على «تيك توك». يسعى الحاضرون إلى افتعال تلك المواقف النافرة بهدف أن يصيروا جزءاً من العرض، وأن ينشروا بالتالي فيديوهات لتلك اللحظات الغريبة على أمل أن تنال الرواج على المنصة، فيدخلون بدَورهم نادي المشاهير، ولو لأيام قليلة.

* حقدٌ ماليّ

من بين الأسباب التي حوّلت حفلات أشهر الفنانين إلى عروض من العنف، أسعار البطاقات التي قد تكون خيالية في بعض الأحيان. يلجأ الحاضرون إلى التعبير عن امتعاضهم من الغلاء، بأن ينتقموا على طريقتهم من الفنان. وما يزيد الأمر سوءاً ويستفزّ البعض، ظهور الفنانين أمام الناس وهم يرتدون الملابس والحلي ذات الأثمان الباهظة والماركات العالمية.

يترافق ذلك وقناعة لدى أفراد الجمهور الذين يقومون بأعمال نافرة، بأنّ عشقَهم للشخصية المشهورة يبرر العنف ضدّها إن لم تبادلهم الاهتمام؛ خصوصاً إذا أنفقوا الكثير من أموالهم لشراء بطاقات الحفل. فبعض الجمهور يذهب في إعجابه إلى حدّ اعتبار أنّ أي شيء مبرّر من أجل الحصول على لفتة انتباه أو نظرة من الفنان، حتى وإن اضطرّه ذلك إلى افتعال مشكلة أو ضرب المغنّي بأداة حادّة!

يعد بعض جمهور الحفلات كل التصرفات مبررة من أجل لفت انتباه الفنان (رويترز)

أدبيات سلوك الحفلات

من ليدي غاغا، إلى دوا ليبا، مروراً بجاستن بيبر، وكولدبلاي، وليس انتهاءً بمايلي سايرس وتايلور سويفت؛ لم ينجُ أحد من اعتداءات الجمهور الغريبة. فرض ذلك اتّخاذ مواقف من قبل الفنانين تجاه ما يحصل، فخلال إحدى حفلاتها في لوس أنجليس رفعت المغنية البريطانية أديل الصوت قائلة: «هل لاحظتم كم نسي الناس أخلاقيات الحفلات؟ إذا تجرّأ أحد على أن يرميني بغرض ما، فسأقتله».

أما رابطة معجبي تايلور سويفت، فقد ابتكرت دليلاً لأدبيّات السلوك في الحفلات، خوفاً على محبوبتهم من التعدّيات. مع العلم بأنّ المغنية الأميركية الشابة كانت قد نالت نصيبها من تلك التصرفات، وقد عاشت إحدى أكثر اللحظات غرابة، عندما هجم أحد المعجبين باتّجاه المسرح، وحاول التقاط قدمِها بينما كانت تغنّي، قبل أن يلقي عناصر الأمن القبض عليه.