عون يكرر «ثوابته» في عملية التأليف... والحريري لن يقوم بمبادرات جديدة

تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة متوقف بعد ارتطامه بـ«التنازلات القصوى»

عون لدى وصوله إلى ستراسبورغ أمس ترافقه حرمه نادية تلبية لدعوة رسمية من رئيس البرلمان الأوروبي (دالاتي ونهرا)
عون لدى وصوله إلى ستراسبورغ أمس ترافقه حرمه نادية تلبية لدعوة رسمية من رئيس البرلمان الأوروبي (دالاتي ونهرا)
TT

عون يكرر «ثوابته» في عملية التأليف... والحريري لن يقوم بمبادرات جديدة

عون لدى وصوله إلى ستراسبورغ أمس ترافقه حرمه نادية تلبية لدعوة رسمية من رئيس البرلمان الأوروبي (دالاتي ونهرا)
عون لدى وصوله إلى ستراسبورغ أمس ترافقه حرمه نادية تلبية لدعوة رسمية من رئيس البرلمان الأوروبي (دالاتي ونهرا)

دخلت عملية تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة في حالة «سبات»، بعد اصطدام المواقف المتناقضة للأطراف اللبنانية بحاجز «الحد الأقصى» الذي رسمته هذه القوى لتنازلاتها في الملف الحكومي، مما يؤشر لمرحلة انتظار طويلة، ما لم تحدث اختراقات مفاجئة في المواقف، خصوصاً أن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون كرر أمس «ثوابته» من عملية التأليف، قائلاً إنه «عندما تصبح الصيغة متوازنة، يتم تشكيل الحكومة».
وقالت مصادر لبنانية مطلعة على مسار المفاوضات الحكومية لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، سعد الحريري، لن يقدم على أية مبادرة إضافية، مشيرة إلى أن الحريري «قدم تشكيلة الحد الأدنى المقبولة بنظره من كل الأطراف، ولا يمكنه المضي أبعد من ذلك»، موضحة أن الحريري الذي وصل أمس إلى لاهاي لحضور افتتاح المرحلة الأخيرة من محكمة الحريري «قدم ما لديه، وينتظر أن يبادر الآخرون في هذا المجال».
كان رئيس الجمهورية قد رفض تشكيلة مبدئية تقدم بها الحريري، تراعي توزيع الحقائب بين القوى السياسية المختلفة، غير أن الرئيس عون أدلى بـ«ملاحظات» أحبطتها، ملمحاً إلى أنها «غير متوازنة، ولا تتفق مع المعايير التي وضعها لتأليف الحكومة».
ونفى الرئيس عون، أمس، في دردشة مع الصحافيين الذين رافقوه لتغطية زيارته إلى البرلمان الأوروبي، أن «نكون الجهة المعرقلة»، وقال: «عندما تصبح الصيغة متوازنة، يتم تشكيل الحكومة، وفق المعايير والمبادئ التي أطلقتها في خطابي يوم الأول من أغسطس (آب) الماضي، والتي تلقى تجاوباً من كل الأطراف».
وأضاف: «لا يجوز لأي فئة أو طائفة احتكار التمثيل، أو تهميش فئة لمصلحة أخرى، أو إقصاء أحد». ورداً على سؤال، اعتبر الرئيس عون أنه «يتم حالياً التلهي بمسألة الصلاحيات لصرف الأنظار عن المسألة الأساسية، وهي تشكيل الحكومة، في حين أن الدستور ينص على الشراكة بين الرئاستين الأولى والثالثة في التأليف، فليفسروا لنا معنى هذا، حيث لا مجال للاجتهاد بوجود النص الدستوري». وحول نيته توجيه رسالة إلى المجلس النيابي هذا الشهر، لحث الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، اكتفى الرئيس عون بالقول: «يمكن ذلك، وهذا حق دستوري».
ودعا الرئيس عون وسائل الإعلام إلى «مقاربة ملف الكهرباء بموضوعية، لكشف الجهات الحقيقية التي عرقلت في الماضي تمويل شراء معامل الإنتاج، وأخرت عمداً تنفيذ الخطة التي كانت قد وضعت في عام 2012، والعودة إلى مواقف بعض الأطراف السياسيين الذين قالوا صراحة إنهم يريدون (فرملة) العماد عون ووزرائه، ليتبين بوضوح من هي الجهات التي عرقلت، وبعضها لا يزال يمارس الدور نفسه».
وناشد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رئيس الجمهورية «أن يتنازل عن حقّه في حصته الوزارية لأبنائه المشاغبين والمعرقلين، لعلّ في ذلك ما يدفعهم إلى جادة الوطن، فنكون معاً في عملية قطع الطريق أمام كل من يريد الإيقاع بهذا البلد، وإبقائه ورقة ابتزاز على طاولة الفوضى واصطناع الأزمات».
ورأى وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال، محمد فنيش (حزب الله)، أن «لا داعي للسجالات والخلافات التي تزيد من التعقيدات والعقبات أمام تشكيل الحكومة، فالمطلوب بذل الجهد والتواصل»، وقال: «لا يمكن أن تشكل حكومة من دون تفاهم، فالدستور واضح في أن تشكيل الحكومة يتم بمشاركة كل الفرقاء الأساسيين، من خلال التفاهم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية. لا داعي لاستحضار الخلافات والسجالات، المطلوب الذهاب والبحث ومواصلة الجهد لإيجاد هذا التفاهم، والجهد الأكبر يبقى على الرئيس المكلف، فلا مزيد من إضاعة الوقت لأننا بحاجة لتشكيل حكومة».
من جهته، أشار عضو تكتل «القوات اللبنانية»، النائب فادي سعد، إلى «أن تأليف الحكومة عاد إلى المربع الأول، وبات تأثير عدم التشكيل على حياة المواطن والوضع الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي، كبيراً»، معبراً عن أسفه «لأنه يتم التعامل مع الأمر بخفة غير مسبوقة»، مشدداً على أن «القوات اللبنانية» قدمت ما يجب عليها، ويبقى «على الآخرين التنازل، ونحن نطالب بتطبيق المعايير، كما يجب»، مؤكداً أن «(القوات) تأخذ أقل مما تستحق».
ولفت سعد إلى أن «خوض المعركة باسم رئيس الجمهورية، وباسم العهد، يخول (التيار الوطني الحر)، ورئيس الجمهورية ميشال عون، حصة لا تتخطى الـ8 وزراء، في وقت يطالبون بـ11 وزيراً، ونحن قبلنا بـ4 حقائب، ويحق لنا 5 أو 6 حقائب».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم