قائد الجيش الجزائري: الاستحقاق والتداول معيارا التغييرات

في معرض تفسيره لـ{زلزال المؤسسة العسكرية}

TT

قائد الجيش الجزائري: الاستحقاق والتداول معيارا التغييرات

قال رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، إن إقالات في صفوف جنرالات بارزين في المؤسسة العسكرية تمت الشهر الماضي «تستجيب لمقياس الجدارة، ومعيار الاستحقاق، وهما منارة الطريق الأصوب الذي نسلكه نحو تثبيت نهج التداول على الوظائف والمناصب».
وجاء تفسير صالح لما وصف بـ«زلزال مؤسسة الجيش»، بسبب عمق وكثافة التغييرات في المناصب العسكرية القيادية، لمناسبة زيارته أمس لـ«الناحية العسكرية الثالثة»، جنوب غربي البلاد (على تخوم الحدود مع المغرب)، ولقائه بالضباط والجنود.
وقال صالح صاحب النفوذ في الحكم إن إقالة ألوية وعمداء، وإبدالهم آخرين بهم «نريده أن يكون تقليداً عسكرياً راسخاً، وسنة حميدة تتيح فرصة تحفيز القدرات البشرية، وتثمين خبراتها الغنية المتراكمة، وتشجيعها على مواصلة بذل المزيد من الجهد على درب خدمة جيشنا الوطني الشعبي».
وأجرى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بصفته وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة، تغييرات مهمة في الجيش والمخابرات، تم بموجبها إنهاء مهام مدير أمن الجيش بوزارة الدفاع اللواء محمد تيرش، وقادة النواحي العسكرية الأولى (وسط البلاد) اللواء حبيب شنتوف، والثانية (غرب) اللواء سعيد باي، والثالثة اللواء سعيد شنقريحة، والرابعة (جنوب) عبد الرزاق شريف، إضافة إلى تنحية مسؤول جهاز المخابرات بالعاصمة العقيد كمال بن ميلود. ووصف مراقبون التغييرات بـ«أكبر عملية تطهير في المؤسسة العسكرية»، منذ عزل مدير المخابرات الفريق محمد مدين في 15 سبتمبر (أيلول) 2015.
وقال صالح، في خطابه، إن «للجيش الوطني الشعبي رسالة مقدسة الخلفيات والأبعاد، سامية الأهداف، نبيلة المرامي والمقاصد؛ رسالة محملة بقيم نوفمبر (تشرين الثاني) الأغر (اندلاع ثورة الاستقلال في 1954)، ومتشبعة بمبادئ رجاله الغر الميامين، الذين عاهدوا فأوفوا بالعهد، وأخلصوا ولاءهم للوطن، فجازاهم الله خير الجزاء؛ رسالة يتعين أن يدرك كل فرد من أفراد الجيش أن حملها أمانة عظيمة، وأن أداءها مسؤولية كبرى، وأنه يتعين على من يتشرف بواجب خدمتها أن يؤمن بفكرتها، بل وأفكارها الوطنية السامية النبيلة».
وبحسب صالح، وهو نائب وزير الدفاع أيضاً: «على الفرد العسكري أن يعتبر نفسه خادماً للوطن، وللوطن فقط، ملتزماً بأن يفيه حقه من الإحاطة والشمول، وتلكم هي خريطة الطريق التي تعمل القيادة العليا للجيش جاهدة من أجل توضيح معالمها، وأن تحدد معاييرها الموضوعية والصائبة، المتمثلة أساساً في أن تجعل التداول على الوظائف والمناصب، بمختلف مستوياتها، من سننها الحميدة، بل والمطلوبة، وأن تجعل منها تقليداً طبيعياً وثقافة سائدة، بل وضرورية، ينبعث من خلالها نفس جديد بين الصفوف، واندفاعة متجددة يعظم عبرها طموح الأفراد، ويكبر أملهم في جعل العمل المخلص لله والوطن هو المعيار الوحيد لبلوغ مسؤوليات أسمى».
وشدد صالح على «تطبيق توجيهات القيادة العليا في جميع المجالات التطويرية، بما في ذلك المجال الإعدادي والتحضيري والتعليمي والتكويني، وفي الحرص على أن يكون هذا العمل المؤدى عملاً محترفاً بأتم معنى الكلمة». وفي حين أبعد الضابط السامي كل دلالة سياسية للتغييرات الأخيرة، قال مراقبون إن صالح «بصدد تعزيز نفوذه بالجيش، عن طريق منحه المناصب العليا فيه لأشد المواليين». وربط قطاع من المراقبين التغييرات بالانتخابات الرئاسية في 2019، على أساس أنه تمت تنحية مسؤولين عسكريين كبار ممن لا يظهرون تحمساً لترشح الرئيس لولاية خامسة.
يشار إلى أن من تم تمت تنحيتهم أصحاب تجربة كبيرة في مجال محاربة الإرهاب. وكان لهؤلاء نفوذ قوي في الحكم قبل وصول بوتفليقة إلى الرئاسة عام 1999. ويدور في أوساط الحكم حديث عن «ضخ دماء جديدة في المؤسسة العسكرية»، بترقية ضباط شباب إلى أعلى المراتب والمسؤوليات، وهم من خريجي مدارس حربية مهمة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.