«يونيسكو» تعود إلى الواجهة بمؤتمر «إحياء روح الموصل»

«إحياء روح الموصل»: عنوان المؤتمر الدولي الذي استضافته منظمة اليونيسكو في مقرها في باريس أمس ليوم كامل بحضور وفد عراقي رسمي واسع وممثلين لمنظمات وهيئات دولية وعدد كبير من الخبراء المعنيين بشؤون التراث والتربية والشؤون المعمارية.
تمثلت دولة الإمارات العربية المتحدة التي قدمت هبة من 50.4 مليون دولار لإعادة ترميم مسجد النوري والمئذنة الحدباء بوزيرة الثقافة نورا الكعبي. وتريد اليونيسكو، من هذه المبادرة التي أطلقتها مديرتها الفرنسية أودري أزولاي أن تعود إلى واجهة التحركات الدولية بالنسبة للعراق من باب الموصل ومن زاويتين متصلتين: الأولى، إعادة ترميم وتأهيل التراث المعماري الإنساني في الموصل باعتبارها رمزا ثقافيا وحضاريا فريدا بتنوعه وتعدديته وعطاءاته الضاربة جذورها في التاريخ. والثاني، التركيز على الجوانب التعليمية والتربوية من زاوية كونها امتدادا للجوانب الثقافية وتمس قطاع الشباب.
ما يهم اليونيسكو، كما يدل على ذلك عنوان المؤتمر، ليس فقط البناء الخارجي المادي بل العمل أيضا على أن تعود للموصل روحيتها التي جعلتها في السابق منارة متميزة فالعراق بفعل تركيبته الديموغرافية والدينية والثقافية.
من هنا، فإن المشاريع الرئيسية التي تركز عليها اليونيسكو تعكس بقوة هذه الاهتمامات. وفي مرحلة أولى، تريد اليونيسكو التركيز على جهود ترميم مسجد النوري ومئذنته الحدباء والمكتبة المركزية التابعة لجامعة المدينة وكنيسة «الساعة» وكنيسة «الطاهرة» وكنيس يهودي ومعبد للأيزيديين وإصلاح سوق الموصل.
وكان الغرض الأول للمؤتمر عرض مشروع اليونيسكو وما آلت إليه الدراسات والتعرف على تصورات الطرف العراقي الذي هو الأساس في رؤية اليونيسكو إضافة إلى المنظمات والهيئات المهتمة، وأخيرا دعوة الأسرة الدولية التي تمثلت بشكل واسع في مؤتمر الأمس، إلى المساهمة في تمويل المشاريع المعروضة أو غيرها في إطار خطة إعادة الإعمار العامة التي وضعتها الحكومة العراقية. وتقول مصادر اليونيسكو إن الجانب العراقي كان «بالغ السرور» في الاستجابة لمشروع المنظمة الدولية التي لا تقلل من حجم التحديات الأمنية والصعوبات التي يمكن أن تلاقيها مشاريع بهذا الحجم من الطموح.
في كلمتها الافتتاحية، اعتبرت مديرة عام اليونيسكو أن مبادرة «إحياء روح الموصل» التي أطلقتها بمناسبة مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق في شهر فبراير (شباط) الماضي وبدعم من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تهدف إلى «التركيز على البعد الإنساني واستعادة القيم المشتركة وإعادة بناء الروابط الاجتماعية والتربوية والثقافية للمدينة وإحياء النظام التعليمي وإعادة إطلاق الحياة الثقافية». وفي محاولة لتحديد المقصود بـ«روح الموصل»، قالت أزولاي إنها تعني التعددية الثقافية لمدينة واقعة منذ القدم على مفترق طرق الحضارات والثقافات وتراثها الضارب في القدم والعائد للحضارة الأشورية ولتعدديتها الدينية وتعايش الهوية الإتنية والدينية من مسلمين ومسيحيين وأيزيديين ويهود وتركمان وأكراد... وترى أزولاي في النهضة الجديدة شرطا للمصالحة والتعايش والسلام الدائم.
وحددت أزولاي ثلاثة أهداف للمؤتمر: الأول، توصيف الوضع الحالي في الموصل وتقدم عملية إعادة الإعمار وعرض المشاريع قيد الإنجاز أو تلك التي يتم التحضير لها وبلورة خريطة طريق للمراحل الرئيسية لإعادة الإعمار. والهدف الثاني التمهيد لإطلاق صندوق خاص لتمويل المشاريع التي ستطلقها المبادرة وتأمل أزولا باجتذاب ممولين ومانحين جدد. والهدف الثالث إطلاق مشاريع جديدة في إطار «المبادرة».
تريد اليونيسكو من خلال شراكتها مع الحكومة العراقية أن تصبح الجهة المنوط بها تنسيق عملية إعادة بناء بعض المعالم الرئيسية للموصل التي تحولت إلى حطام بفعل الحرب على «داعش». وتقدر المبالغ التي تحتاجها بملياري دولار وفق تقديرات الحكومة العراقية. وأولويات اليونيسكو إعادة بناء التراث الثقافي في المدينة القديمة ومساعدة السكان على العودة إلى بيوتهم. وبالتوازي، تشدد «المبادرة» على إعادة إحياء القطاع التعليمي والتربوي حيث الآلاف من التلامذة بقوا خارج المدرسة ودعم الحياة الفكرية والثقافية من أجل «استعادة نبض المدينة» السابق. والمشروع الأكثر تقدما هو إعادة بناء مسجد النوري الذي أعلن منه أبو بكر البغدادي في العام 2014 إطلاق «دولة الخلافة الإسلامية» وكذلك المئذنة «الحدباء» التي فجرها مقاتلوه العام الماضي قبيل انسحابهم من وسط الموصل.
يوم أمس، تعاقب على الكلام وزير الثقافة العراقي فرياد حسن رواندزي ومصطفى محمد الهيني، رئيس صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة وعبد اللطيف الهميم، رئيس ديوان الوقف السني ونورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة الإماراتية، وستيفانيا جيناني مساعدة المديرة العامة لليونيسكو للتربية، ومساعد المديرة العامة للثقافة أرنستو أوتوني وممثلون عن الاتحاد الأوروبي ومنظمتي السكو وإيسيسكو والهيئة الاستشارية للجنة التراث العالمي، وممثل عن الطوائف المسيحية في العراق، بالإضافة إلى آخرين عن المجر وتركيا وبولندا واليابان وألمانيا... وفي كلمته، قدم وزير الثقافة عرضا سريعا للأضرار الضخمة التي لحقت بالموصل التي وصفها بأنها تشكل «مخزونا حضاريا فريدا من نوعه»، مضيفا أن محافظة نينوى تختزن 2000 موقع أثري عمل به «داعش» سرقة وتدميرا. وأشار رواندوزي إلى أهمية وضع الموصل على اللائحة التمهيدية للتراث الإنساني التي تقرها اليونيسكو، مشيدا بتعاون المنظمة الدولية مع العراق في حماية الموروث الثقافي في المناطق المحررة أكان ذلك بالنسبة للمواقع الأثرية أو التراث الديني إضافة إلى المتاحف والمخطوطات التاريخية.
رغم الحماسة التي برزت في كلمات المتدخلين أمس والتشديد على أهمية المساعدة في إعادة إعمار الموصل وجدوى «مبادرة» اليونيسكو، فإن الالتزامات المادية الجديدة بقيت قليلة للغاية ولا تتوافق مع حجم التحديات. وطموح اليونيسكو أن تتوافر لـ«المبادرة» ما لا يقل عن ملياري دولار من أجل إعادة إعمار المدينة القديمة فقط. لكن الموجود اليوم ضئيل للغاية. و«المتطوعون»، على غرار الإمارات التي أخذت على عاتقها إعادة بناء مسجد النوري ومئذنته لم يكشفوا حتى اليوم عن هوياتهم. هناك وعود وما ينقصها هو أن تترجم إلى التزامات حقيقية. في مؤتمر إعادة إعمار الكويت، راكمت الوعود الدولية 30 مليار دولار. وقد يكون من المجدي تخصيص جزء منها لمبادرة اليونيسكو إذا ما أراد المجتمع الدولي جديا أن يساهم في استعادة «إحياء روح الموصل».