أزمة البصرة تضع العبادي في مواجهة مع الصدر

تلاسن بين رئيس الوزراء والمحافظ في جلسة البرلمان قاطعها نواب تحالف «المالكي ـ العامري»

تعزيزات عسكرية في احد شوارع البصرة أمس (رويترز)
تعزيزات عسكرية في احد شوارع البصرة أمس (رويترز)
TT

أزمة البصرة تضع العبادي في مواجهة مع الصدر

تعزيزات عسكرية في احد شوارع البصرة أمس (رويترز)
تعزيزات عسكرية في احد شوارع البصرة أمس (رويترز)

انقلبت الطاولة أمس على رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي مع مطالبة القائمتين الرئيسيتين اللتين فازتا في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو (أيار) الماضي باستقالة حكومته، في أعقاب جلسة استثنائية عقدها البرلمان لمناقشة الأزمة القائمة في البصرة الجنوبية.
العبادي، الذي كان يعول على تحالفه السياسي مع ائتلاف «سائرون» الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لتشكيل الكتلة الأكبر، وبالتالي تسميته لولاية ثانية، يجد نفسه في موقف صعب. وقال المتحدث باسم تحالف «سائرون» النائب حسن العاقولي في مجلس النواب «نطالب رئيس الوزراء والكابينة الوزارية بتقديم استقالتهم والاعتذار للشعب العراقي».
ولم يقتصر الأمر على الصدر فقط، بل خسر العبادي أيضا ثاني أكبر الفائزين في الانتخابات، تحالف «الفتح» الذي يتزعمه هادي العامري المقرب من إيران. وأعلن المتحدث باسم «الفتح» النائب أحمد الأسدي أن «التقصير والفشل الواضح في أزمة البصرة كان بإجماع النواب... ونطالب باستقالة رئيس الوزراء والوزراء فورا». وأضاف الأسدي «سنعمل سريعا خلال الساعات المقبلة لتشكيل الحكومة. نحن وسائرون على خط واحد لتشكيل الحكومة الجديدة ولبناء العراق، وواهم من يعتقد أننا مفترقون».
جاء هذان الإعلانان بعيد جلسة برلمانية استثنائية بحضور وزراء من الحكومة ورئيسها لبحث الوضع القائم في محافظة البصرة، بعد أسبوع احتجاجات دموية أسفرت عن مقتل 12 متظاهرا، وإحراق القنصلية الإيرانية ومبان حكومية عدة.
ودعا العبادي، أمس، إلى إبعاد محافظة البصرة عن الصراع السياسي بين الأحزاب والفصائل المسلحة هناك، فيما دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى إعادة النظر في مفهوم الترشح لرئاسة الوزراء.
وبدأت الجلسة الطارئة التي عقدها البرلمان العراقي أمس لمناقشة الوضع في البصرة بمشادة بين حرس العبادي وحرس البرلمان وانتهت بمشادة بين رئيس الوزراء ومحافظ البصرة أسعد العيداني. واعتبر العبادي الذي حضر الجلسة مع عدد من الوزراء المعنيين أن أزمة البصرة سببها الفراغ السياسي داعيا إلى إبعاد المحافظة عن هذا الصراع الذي يمكن أن يتحول إلى صراع مسلح. وأمام نحو 172 نائبا حاضرا من أصل 329. قال إن «البصرة عامرة وتبقى عامرة بأهلها (...) والخراب فيها هو خراب سياسي». وأضاف، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن «مطالب أهل البصرة هي توفير الخدمات، يجب أن نعزل الجانب السياسي عن الجانب الخدمي، هناك مظاهرات هم أنفسهم أدانوا أعمال التخريب والحرق».
وتلاسن العبادي مع محافظ البصرة أسعد العيداني، في المؤتمر الوطني العراقي، عندما شكا الأخير مخاطبا رئيس الوزراء: «إلى هذا اليوم لم نتسلم واردات البترودولار». ونقلت شبكة «رووداو» عن العيداني قوله إن «محافظة البصرة تحترق، وما سمعته من الوزراء وكأن البصرة في عالم آخر». وتابع قائلاً: «كنتُ أقول دائماً إن قائد الشرطة مرتش، ولكن دون جدوى». من جهته ردَّ رئيس الوزراء علي العيداني بالقول: «أنت مكانك في البصرة، وليس في بغداد».
ورد العيداني قائلاً: «قمت بلقاء السيد (مقتدى) الصدر وهو زعيم وطني ولو دعاك إلى لقائه لقمت بتلبية الدعوة».
وكان أبرز النواب الحاضرين في الجلسة من تحالفي «سائرون» (مقتدى الصدر) و«النصر» (حيدر العبادي)، وأبرز الغائبين هم من ائتلافي «الفتح» (هادي العامري) و«دولة القانون» (نوري المالكي).
وأثار الصدر في بيان أمس احتمال الدخول في مواجهة مع العبادي حول رئاسة الوزراء رغم أنهما طرفان أساسيان في تحالف «الإصلاح والإعمار» الذي يضم كذلك زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي. وطرح الصدر أمس بشكل بدا مفاجئا شروطا جديدة للترشح لرئاسة الوزراء من بينها اعتماد التنافس بين ثلاثة مرشحين، بينما كان العبادي المرشح الوحيد لتحالف «الإصلاح والإعمار». ودعا في بيان إلى «المضي على ما مضت به المرجعية من الإسراع بتشكيل الحكومة وفقاً لأسس جديدة ووجوه جديدة فالمجرب لا يجرب وذلك بتوافق الكتل على ترشيح ثلاثة أسماء وطنية وفق شروط وضوابط وطنية لرئاسة الوزراء». وأضاف الصدر: «ويخول أحد الأسماء المرشحة بتشكيل الكابينة الوزارية من دون محاصصة أو تدخل بعمله لتكون حكومة أمنية خدمية بحتة بعيده عن التدخلات الطائفية والحزبية».
وبشأن ما إذا كان ذلك يعد تحولا في موقف الصدر، أكد ممثله السياسي، جعفر الموسوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «موقف السيد الصدر يقوم على أساس عدم دعم شخصية ولا رفضها إلا إذا كان قد جرب وفشل» مبينا أن «المجرب لا يجرب طبقا لما قالت المرجعية الدينية». وأضاف أن «للعبادي كمرشح ما لغيره من المرشحين حيث يبقى القرار في ذلك للكتلة الأكبر وطبقا لتوجيهات المرجعية».
بدوره، انتقد نوري المالكي جلسة البرلمان أمس وقال إن أحد أهداف الجلسة «التغطية على أعمال التخريب والجرائم» في المحافظة. وأضاف في سلسلة تغريدات: «ظهرت أهداف دعوة مجلس النواب للانعقاد بهذه الطريقة ومنها التغطية على أعمال التخريب والجرائم والاعتداء على ممتلكات الدولة والشعب والقوى السياسية والحشد الشعبي». وتابع أن «حركة الأجهزة الأمنية كانت متباطئة ومتعثرة منحت عصابات الحرق والتخريب كامل حرية الحركة واليوم ستتحرك لتطهر وكأنها التي أوقفت عصابات التخريب وجماعة الميليشيات المتمردة».
إلى ذلك، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور خالد عبد الإله لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث في البصرة يدخل في إطار الصراع السياسي ما بين كتل متنافسة حول تشكيل الحكومة المقبلة كما يدخل في إطار تشكيل الكتلة الأكبر» مبينا أن «الصراع السياسي وصل إلى مراحل خطيرة لأنه ليس صراعا على السلطة فقط بل هو صراع على النفط وعلى الموانئ وتقاسم المغانم والمكاسب وبالتالي فإن الحل يكمن في إبعاد جميع المؤثرات للأحزاب السياسية العراقية بما فيها التدخلات الإقليمية والدولية».
من جهته، يرى الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «من الواضح أن المظاهرات أخذت مسارا لا يعبر فقط عن الغضب الشعبي من الشباب اليائس والمحبط الذي لا يجد فرصة عمل فضلا عن أبسط مقومات حياته وهو ماء الشرب في أغنى مدينة على وجه الأرض، هذا المسار المختلف الذي حرق مؤسسات الدولة وهاجم المرضى والمستشفيات يستهدف كل العراق والمتظاهرين الغاضبين وأيضا يعكس الصراع العنيف الداخلي والإقليمي والدولي على العراق». ويضيف الدباغ أنه «إذا كانت أجندات إيران وأميركا لا تلغي إحداها الأخرى في العراق نجد الآن استقطابا واضحا في خطابات السياسيين الذين يهددون بإسقاط حكومة منافسهم خلال شهر إن استطاع تشكيلها وهذا يعكس أن الأجندات أخذت طابع الإلغاء نتيجة ما نشهده من تطور النزاع بين إيران والولايات المتحدة، في وقت لا تستطيع الحكومة إدارة الأزمة التي تدور منذ أكثر من شهر ولم يستطع رئيس الوزراء العبادي احتواء الأزمة ومعالجتها لتفويت الفرصة على مشاهد التدمير والحرق المنظم لمنشآت الدولة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.