الألفاظ الفارسية المعربة

الألفاظ الفارسية المعربة
TT

الألفاظ الفارسية المعربة

الألفاظ الفارسية المعربة

يبحث أدي شير مؤلف كتاب «الألفاظ الفارسية المعربة» عن الكلمات الفارسية التي جرى تعريبها، ويناقش جذور الكلمات المعربة، وسير تحولها، وتغييرها، وترجم الكتاب إلى الفارسية.
ومن المعروف أن الشعوب العربية امتزجت على مدى التاريخ بالشعوب والأقوام المختلفة مثل الإيرانيين، واليونانيين، والرومانيين.
ودخل الكثير من الكلمات المتداولة عند هذه الشعوب إلى العربية بسبب هذا التداخل بين الشعوب. وباتت اللغة الفارسية من أكثر اللغات التي أعارت كلماتها ومصطلحاتها إلى نظيرتها العربية. وبلغت عملية تعريب الكلمات مستوى يجعل فيها البحث عن جذور الكلمات المعربة مهمة بالغة الصعوبة. ويمكن اعتبار كتاب «الألفاظ الفارسية المعربة» من أكثر الأبحاث دقة في هذا المجال.
وكان مؤلف الكتاب أدي شير قد صرف وقتا طويلا، وبذل جهدا كبيرا في البحث عن الكلمات الفارسية التي جرى تعريبها، مناقشا جذور الكلمات المعربة، وسير تحولها، وتغييرها. وقامت المطبعة الكاثوليكية بنشره في بيروت في 1908.
وشير هو مطران ولد في كركوك بالعراق في 1867، وانضم إلى مدرسة مار يوحنا حبيب التابعة إلى الآباء الدومنيكان في الموصل، حيث درس العربية، والسريانية، والتركية، والعبرية، والفارسية، والكردية، واللاتينية، والفرنسية. وتوجه بعد ذلك إلى أوروبا في 1902، وقتل على يد الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى في 1915، مخلفا عدة كتب منها «تاريخ كلدو وأثور» في مجلدين.
وقام شير في كتاب «الألفاظ الفارسية المعربة» بتجميع هذه الكلمات منذ 1897، وأشار إليها في مقال كتبه بعنوان «الدواعي لغنى اللغة العربية».
ويشير المؤلف في هذا الكتاب إلى الكثير من المواضيع اللافتة للنظر، ومنها أن الشعوب العربية قامت بتغييرات كبيرة ومثيرة للإعجاب في الألفاظ غير العربية منها:
- حذف حروف من البداية أو المنتصف أو النهاية للكلمة. على سبيل المثال: بيمارستان - مارستان، پيشپاره - شفارج، نشخوار - نشوار، جالغوزه – جلوز، سوه كاريز - سوهقة، هزار دستان - هزار.
- إضافة حروف إلى الكلمة الأصلية. على سبيل المثال: ستو - تسويق، راه - ترهات، پنجه - فنزج، پاچه - بالغا.
- تحويل الحروف غير العربية إلى عربية، إذ تم تعريب حرفي النون، والراء إلى اللام. والگاف إلى الجيم، والخاء إلى الحاء، والپاء إلى الفاء أو الباء. ولا تلتزم هذه العملية بأي قاعدة.
- إضافة حرف الجيم أو القاف في نهاية الكلمة المنتهية بالهاء.
- تعريب الكلمات بأشكال كثيرة تختلف أحيانا مع بنية الكلمة الأصلية بشكل جزئي أو كامل.
- بناء الأفعال من الكلمات المعربة أو غير المعربة.
واستفاد المؤلف في أبحاثه من موسوعة «البرهان القاطع» الفارسية لمحمد حسين بن خلف تبريزي، التي جرت ترجمتها إلى التركية من قبل أحمد عاصم العنتابي، و«موسوعة محمودي»، و«مجمع الفرس»، و«مجمع القواعد»، و«جامع الفوائد»، و«موسوعة الشعوري»، و«موسوعة الحليمي»، و«موسوعة نعمة الله»، و«جامع الفرس»، و«مسائل شاهنامه»، و«التعريفات» لمير السيد الشريف الجرجاني، و«المصطلحات الصوفية».
ومترجم الكتاب إلى الفارسية هو الدكتور حميد طبيبيان، الذي انضم إلى مجمع اللغة والأدب الإيراني في عام 1975، وهو من أعضاء الهيئة العلمية لمركز العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية للأبحاث. من أهم مؤلفاته وآثاره المترجمة: الترجمة الفارسية لمعجم لاروس العربي، ومعجم فرزان الفارسي العربي، وترجمة كتاب «شرح ابن عقيل».



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟