المطبخ الكشميري خلطة من نكهات باكستان وجيرانها

أطباقه بمثابة أساس الثقافة والهوية

المطبخ الكشميري خلطة من نكهات باكستان وجيرانها
TT

المطبخ الكشميري خلطة من نكهات باكستان وجيرانها

المطبخ الكشميري خلطة من نكهات باكستان وجيرانها

هناك نحو 100 ألف باكستاني في منطقة برادفورد، في بريطانيا، جلهم من الجالية الكشميرية، من منطقة أزاد كشمير، شمال باكستان. وهناك كثير من المطاعم التي تخدم هذه الجالية الكبيرة، ومعظمها - كما هو الحال مع مصانع ومحلات الحلوى - يعتمد على وصفات محلية وتقليدية توارثها الناس من جيل إلى آخر. ويقدم أحد المطاعم المعروفة هناك أطباق الكراعين والحمص والكبد، كجزء من أطباق الفطور.
وعلى الأرجح، فإن هذه الجالية من أكبر الجاليات الباكستانية الكشميرية في أوروبا، وربما حول العالم، ولذا تحاول أن تحافظ على تقاليد المطبخ الكشميري المغمور، ونقله إلى مراحل متقدمة، وإغناء المطابخ الأجنبية التي تتخذ من بريطانيا موطناً لها ومنطلقاً إلى العالمية. وقد بدأ بعض الطباخين البريطانيين أخيراً في تسليط الضوء على هذا المطبخ العريق.
وتاريخياً، يخلط المطبخ الكشميري بين مطبخين: الأول زراعي فلاحي جبلي بسيط، والثاني ملوكي فاخر، وهو المطبخ المغولي، ولذلك يعتبر هذا المطبخ من خيرة المطابخ الهندية الباكستانية الشمالية، ويضم عادة عدداً من أهم أطباق الكاري المعروفة والمشهورة حول العالم، ومنها طبق روغان جوش (لحم غنم)، وطبق يخني. كما أن هذا المطبخ المميز، الذي تطور عبر أجيال كثيرة، يخلط بين أساليب طبخ مختلفة، تجمع الكهنة السيخ والمسلمين الذين تأثروا بكثير من أطباق العرب والإيرانيين والمغول.
وفي حين كان الناس في الماضي يستخدمون صبغة طبيعية، يطلق عليها اسم «راتانجوغ»، لإعطاء الأطباق لونها الأحمر الأرجواني الرائع، أصبحوا يعتمدون على الفلفل الأحمر الكشميري والبندورة لتحقيق الغاية نفسها. ومن المعروف جداً لكثير من العارفين في عالم الكاري أن هذا النوع من الفلفل يستخدم بالدرجة الأولى في أطباق الكاري، لمنحها هذا اللون الأحمر الداكن الشهي.
ويحتوي التقليد الإسلامي الكشميري على وجبة كشميرية متعددة المراحل، تسمى «وزوان» (Wazwan)، ويعتبرها الناس بمثابة جانب أساسي وجوهري من وجودهم وثقافتهم. ويعتبر إعداد مأكولات «الوزوان» بمثابة فن بحد ذاته، له احترامه بين مختلف الطبقات. وكلمة «الوزوان» تجمع بين كلمتين: الأولى كلمة «waz»، وتعني «الطباخ»، والثانية كلمة «wan»، التي يقول البعض إنها تشير إلى مجموعة من أطباق الكاري، والبعض الآخر يقول إنها تعني «دكان باللغة الكشميرية». ويصف البعض «الوزوان» بأنها مأدبة أميرية، ويشار إليها عموماً باسم «وليمة مناسبة للملوك». وعادة ما تضم هذه الوجبة تقليدياً ستاً وثلاثين دورة، منها خمسة عشر إلى ثلاثين طبقاً من أطباق الكاري يعتمد على اللحوم. كما تشمل وجبة «الوزوان» أطباق الخضراوات، وأطباق لحم الضأن والسمك والدجاج، ولا تضم أطباق لحم البقر. ولطالما كانت وجبة «الوزوان» خاصة بالاحتفالات والمناسبات الاجتماعية والدينية المهمة في كشمير، ولكنها الآن انتقلت إلى أفخر المطاعم والفنادق حول العالم.
ويعتمد المطبخ الكشميري في الأساس على عدد من العناصر، أهمها الكمون والكزبرة وورق الغار والهال الأسود والقرنفل والزنجبيل وزيت الخردل والزعفران والفلفل الكشميري الأحمر والمكسرات والفاكهة المجففة والكركم والبندورة واللبن المروب والخبز والشاي والسمنة.
ولكل عائلة أو طباخ خلطته السرية من البهارات، يطلق عليها اسم «الباسار» (Bassar)، ويصعب معرفة تكوينة هذه الخلطات، إذ يحجم الناس عن الإفشاء بها عادة.
ويحب الكشميريون الخبز، ويطلقون على المخبز أو الفرن اسم «كندار» أو«كندور». وهناك كثير من الأنواع المختلفة للخبز، وفي مختلف المواسم، أي لكل موسم خبزه، وأشهرها ما يحتوي على قشرة بنية داكنة وجافة نسبياً، مع بذور السمسم والخشخاش. وهناك من الخبز ما هو هش، مثل «التسوت» و«التسوتشافورو»، وهي أرغفة صغيرة الحجم مزينة ببذور السمسم والخشخاش.
وأشهر الأطباق الكشميرية هي: روغان جوش (لحم غنم) - آب غوشت - غوشتابا - طبخ ماز - يخني - تشاماني كليا - داني فل - غاد كفتا - تشويك فنغان - دوم الو - هاك - موجي تشتين - نادير ياخين - فيث تشامان - ناديؤر بالاك - كباب - دجاج كشميري - مارتش وانغان كورما (لحم غنم) - ريزتا - شامي كباب - طبق ماز (لحم غنم) - دانيوال كورما (لحم غنم) - رازما غواغجي - رازما دال انشار.

- طبق الـ«روغان جوش» التقليدي
المكونات:
لحم ضأن - بندورة - بصل - كزبرة طازجة ومطحونة وبذور - فلفل أخضر حر - فليفلة حلوة خضراء - زنجبيل مفروم - ثوم مفروم - ورق الكاري - الهال الأخضر والهال الأسود - عود قرفة - الكركم - الكمون المطحون وبذوره
طريقة التحضير:
يتم سلق اللحم مع حب الهال الأخضر والأسود وورق الكاري والثوم لمدة 30 دقيقة - بعد ذلك يتم تحضير ما يسمى بـ«الماسلا»، حيث تقلى شرائح البصل مع الثوم والزنجبيل لمدة 10 دقائق، وبعدها يضاف إليها بهارات الكركم المطحون والكزبرة المطحونة والكمون المطحون وخلطة شربة من البهارات أو «الباسار» - ثم تضاف البندورة المفرومة والفلفل الأخضر والحلو، ويتم الطبخ والخلطة حتى يذبل الخليط - بعد ذلك، يضاف اللحم (من دون ورق الكاري وحب الهال) بمائه إلى «الماسلا»، ويتم إضافة بذور الكزبرة وبذور الكمون والكركم المطحون - وأخيراً، يتم الطبخ لمدة 40 دقيقة، وبعد الانتهاء يضاف إلى القدر بعض البندورة المقطعة والطازجة وورق الكزبرة.

- طبق يخني
هذا أحد الأطباق التي كانت معروفة أيام الإمبراطور المغولي الثالث جلال الدين محمد أكبر، في منتصف القرن السادس عشر. ومن المعروف أن أكبر لعب دوراً كبيراً في تطوير المطبخ المغولي، وتطعيمه بالمطبخ الفارسي. وهناك عدة نسخ من طبق «اليخني»، فقد يكون من الدجاج، وقد يكون من الخضراوات، وقد يكون من الأرز، وقد يكون من لحم الضأن، وهو الطبق التقليدي تاريخياً.
المكونات:
لحم غنم - كوب من زيت الخردل - لبن - شمرة مطحونة وزنجبيل مطحون - قرنفل - ورق الغار - عود قرفة - حب الهال الأسود والأخضر - بذور الكمون الأسود - طحين الذرة - ملح.
طريقة التحضير:
يتم قلي ورق الغار وعود القرفة والقرنفل واللحم بزيت الخردل لمدة 3 دقائق في طنجرة الضغط - بعد ذلك، يضاف الماء والبهارات المطحونة، ويترك الخليط ليطبخ لمدة 10 دقائق - ثم يخفق اللبن ويخلط ببذور الكمون، ويضاف إلى اللحم في الطنجرة - وأخيراً، يضاف بعض من طحين الذرة في الماء، ويضاف إلى الخليط لتسميكه، ثم يطحن بعض الهال قبل إضافته إلى الطنجرة.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.