إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»

تركيا ماضية بالمفاوضات... وروسيا تستمهل النظام لحسم «معقّد»

إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»
TT

إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»

إدلب... معركة فصل «النصرة» عن «القاعدة»

قلّص وجود العناصر المتشدّدة في محافظة إدلب، بشمال غربي سوريا، فرص تجنيب المحافظة معركة عسكرية يتأهب لها نظام دمشق وداعموه، وعلى رأسهم موسكو. وفي حين يستمهل الروس بانتظار مبادرة تركية لتجنيب المحافظة المتاخمة لأراضي تركيا معركة عسكرية يرى المعارضون أنها ستكون قاسية، يرغب الطرف الروسي في تجنبها عبر التوصل إلى تسويات «تهندسها» أنقرة، وسط مخاوف الأتراك من أن يتسبب أي هجوم في موجة جديدة من اللاجئين إليها.
طبول الحرب التي يحسم موعدها وسقفها اجتماع طهران الثلاثي، بدأت تُقرع أواخر شهر يوليو (تموز) إثر فشل الجهود لاحتواء تنظيم «جبهة النصرة» الذي ينقسم قياديوه بين جناح مؤيد للانفكاك عن تنظيم «القاعدة» وإعادة التموضع تحت مسميات أقل تشدّداً، وبين جناح آخر مصرّ على التحالف مع «التنظيم الأم». وهذا الواقع منح النظام وداعميه ذرائع إضافية للتحضير لمعركة، على الرغم من أن كل التقديرات تشير إلى أن حل معضلة إدلب لن يكون عسكرياً أو سياسياً، بل عبر المقاربتين معاً.
ووفق المتابعين، تمثل حالة «النصرة»، العقدة الأبلغ في ملف التوصل إلى تسوية في إدلب، لسببين: الأول، يجسده فشل الجهود لتحييدها عن «القاعدة» على ضوء الانقسامات الداخلية بين المقاتلين السوريين وآخرين ينتمون عضوياً إلى «القاعدة» ويؤتمرون منها. والآخر، يتمثل في الفشل بإدخال العناصر ضمن تنظيم جديد أقل تشدّداً غير مرتبط بـ«القاعدة»، هو «الجبهة الوطنية للتحرير» التي انضمت إليها فصائل من «الجيش السوري الحر»، وهنا يقول خبراء إن تركيا أنشأت هذه «الجبهة» بالذات لفصل المقاتلين المتشدّدين عن المقاتلين المعتدلين.

يمضي النظام السوري في الاستعداد لمعركة محدودة في ريف محافظة إدلب في شمال غربي سوريا. ولقد تمكن النظام من إعادة فتح طريق حمص – حلب الدولية، وتأمين مناطق حيوية للنظام في محافظتي حماة واللاذقية، وسط تقديرات بأن يكون «الجيش السوري الحر» هو المتضرّر الأكبر من العملية التي تتضارب المعلومات حول موعد انطلاقتها، والتي لن تؤثر على «جبهة النصرة» الموجود ثقله في شمال المحافظة.
محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها هي آخر منطقة كبيرة خاضعة للمعارضة المسلحة. وتُعد معركة إدلب آخر أكبر معارك النزاع السوري، بعدما انحصر وجود مسلحي المعارضة في محافظة إدلب ومناطق محدودة محاذية لها، وعلى ريف محافظة حلب الشمالي، حيث تنتشر قوات تركية. ويقدر عدد المسلحين المعارضين في إدلب بأكثر من 30 ألف مقاتل، يتصدرهم «النصرة» وحلفاؤه بنحو 10 آلاف مقاتل، في حين يتبع الآخرون فصائل المعارضة السورية، وهم بمعظمهم معتدلون، كانوا موجودين في أرياف حلب وحماه وإدلب، قبل أن ينقل النظام السوري آلافاً آخرين إلى إدلب من الجنوب وريف دمشق وحمص إلى المحافظة الواقعة في شمال غربي سوريا.
بيد أن الحل لمعضلة إدلب، الذي سيأتي على مراحل، لن يكون – على الأرجح – حلاً عسكرياً أو أمنياً على غرار المقاربة التي اتبعتها روسيا أو التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب تجاه «داعش». والسبب أن إمكانية احتواء «النصرة» وإعادة تأهيله، تعد أكثر سهولة، ذلك أن معظم المقاتلين في صفوف «النصرة» هم من السوريين، وتتراوح نسبتهم بين 70 و80 في المائة، بحسب ما يقوله الدكتور هشام جابر، رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات» في العاصمة اللبنانية بيروت.
جابر قال لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه، إن «الغالبية العظمى من (داعش) هم أجانب؛ ما صعّب عملية احتوائهم، خلافاً لمقاتلي (النصرة) الذين سيعمل على إعادة تأهيلهم، بينما سيجري ترحيل الأجانب منهم خارج البلاد». ويلفت جابر – وهو عميد ركن متقاعد من الجيش اللبناني – إلى أن العناصر التي سيُعمل على إعادة تأهيلهم «سيُدمجون، وفي النهاية بعد تفكيكهم عن تنظيم القاعدة، سيصار إلى منحهم مقعداً في المفاوضات الأخيرة على مستقبل سوريا». وتابع «حتى الآن، لا يمكن القول إنهم غير إرهابيين، بانتظار تفكيك علاقتهم بالقاعدة، وعندها سيجري حل الملف بأقل الخسائر الممكنة»، مستنداً إلى اعتقاد بأن حل مسألة إدلب «لن يكون عسكرياً أو سياسيا فحسب، بل سيكون بمقاربة تتبع الاثنين في وقت واحد».

- معركة معقّدة
تنظر مصادر عسكرية في المعارضة السورية إلى معركة الشمال على أنها ستكون معقّدة. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» شارحة «الحسم خلال شهر أو اثنين سيكون مستحيلاً، ذلك أن المعركة ستكون عسيرة، وهي مفتوحة على احتمالات عسكرية أكثر تعقيداً مرتبطة بالوجود الجغرافي للعناصر المتشدّدة في ريف اللاذقية غرباً التي يمكن أن تهدد جبل العلويين، كما أنها يمكن أن تهدّد، في ظل قوتها الحالية، مناطق تواجد النظام شرقاَ وجنوباً».
واضح أن النظام السوري يستعجل المعركة، ويسعى لحملة واسعة النطاق، بهدف منع المعارضين من الحصول على أي فرصة «لفرض شروط معينة أو انتزاع امتيازات» يمكن أن يأخذوها بالمفاوضات، كما حصل – وفق النظام – في ريف محافظة حمص الشمالي أو في بعض مناطق محافظة ريف دمشق. وفي المقابل، تستمهل روسيا المعركة بانتظار انتهاء المفاوضات الجارية مع تركيا، التي تعمل من جانبها على خط التسويات وتجنيب المنطقة معركة قاسية. وفي الحالتين، يتوقع أن يكون حسم الاجتماع الثلاثي التركي – الروسي – الإيراني الذي استضافته العاصمة الإيرانية طهران، أمس (الجمعة)، ملف معركة إدلب.
وفي ظل التقديرات بأن «النصرة» يعد العقبة الأكبر؛ إذ تعمل تركيا منذ فترة على تفكيك «النصرة» وفض علاقة هذا التنظيم بتنظيم القاعدة، بحسب مصادر بارزة في المعارضة السورية في الشمال لـ«الشرق الأوسط». وتشير هذه المصادر إلى تشكيل «الجبهة الوطنية للتحرير»، التي تعد أكبر كيان عسكري معارض للنظام في محافظتي حماة (وسط) وإدلب (شمال غرب) وتضم هذه «الجبهة» آلاف المقاتلين. ولقد تضاعف عددها بشكل كبير في مطلع «أغسطس (آب) الماضي، إثر انضمام فصائل «جبهة تحرير سوريا» و«جيش الأحرار» و«صقور الشام» إلى التشكيل الجديد.
ولا ينفي مصدر بارز في الشمال السوري أن تركيا «قطعت شوطاً كبيراً في جهود تفكيك (النصرة) وإعادة دمج عناصره»، بيد أنه أكد لـ«الشرق الأوسط»، أنها «لم تستطع إنهاؤه بعد». وتابع المصدر «نحن أمام وضع جديد لـ(النصرة)، بعد انسحابه من أكثر من 400 قرية في وقت سابق، وتركز وجوده في شمال المحافظة... لكن الوضع ليس الوضع المثالي بعد، بالنظر إلى أن عملية تكييفه ودمج عناصره هي الحلقة الأصعب؛ كونه مرتبطاً بملف (المسلحين) الأجانب وحل التنظيم نهائياً»، واستطرد مشيراً إلى أن التنظيم المتشدد «لن يحل كيانه إلا إذا أحس بأنه معرّض للفناء بالكامل». ثم أردف «إنجاز عملية كاملة في هذا الوقت غير متاح وغير ممكن؛ ما يعني أن (النصرة) ستكون لديه القدرة على البقاء، حتى أشهر إلى الأمام على الأقل، ولن يكون معرّضاً لهجمات؛ كون عملية النظام بعيدة عن مواقع وجوده في الشمال، بينما سيكون (الجيش الحر)، وتحديداً (جيش العزة) هو الأكثر تضرراً من العملية المزمع القيام بها؛ لأنه موجود في مناطق جنوب المحافظة».
بدوره، يقول العميد الركن الدكتور جابر، إن تركيا «ترفض الخيار العسكري من جانب واحد، وهي التزمت التوصل إلى الحل السياسي عبر فكفكة «هيئة تحرير الشام» وسحب الفصائل عن (الجبهة) لتبقى وحدها، بالنظر إلى أن (النصرة) هو الفصيل الوحيد الرافض لحل سياسي». ويشير إلى أن تركيا «اقترحت حلولاً عدة، بينها استحداث (الجبهة الوطنية) على أمل أن يفك عناصر (النصرة) ارتباطهم بـ(القاعدة)، والانضمام إلى فصيل سوري معتدل يمكن ضبطه».

- لا إدلب ثانية
جدير بالذكر، أن محافظة إدلب شكّلت لسنوات ملجأ لنازحين فروا من المعارك والقصف، ولمقاتلين معارضين أجبروا على الانتقال إليها بعد رفضهم «اتفاقات تسوية» مع النظام السوري في مناطق كانوا يسيطرون عليها. وبمرور الوقت، ازدادت الكثافة السكانية في المحافظة تدريجياً، وبات يعيش فيها، بالإضافة إلى مناطق سيطرة المعارضة المحدودة في محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية لها، نحو ثلاثة ملايين شخص نصفهم من النازحين. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016، حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا من أن «إدلب ستصبح حلب أخرى». وفي هذه الإطار، أطلقت تركيا مفاوضات مع «هيئة تحرير الشام» – التي ضمت فصائل عدة، بينها «النصرة» – يهدف إلى تفكيك الأخيرة، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان». ومن ثم، طالب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بدوره بألا تعمد الدول الغربية إلى «عرقلة عملية مكافحة الإرهاب» في إدلب.
في هذه الساعات الحرجة، بعد اجتماع طهران، ينتظر الجميع جهود حل المعضلة من دون شن عملية عسكرية تترك تداعيات إنسانية، أنه لا توجد «إدلب ثانية» يمكن ترحيل المقاتلين الرافضين للتسويات إليها. وهنا نذكر أنه في ظل المساعي التركية، تراجعت العمليات العسكرية لنحو ثلاثة أسابيع عملاً باتفاق هدنة روسي – تركي، مع أن روسيا بعد ثلاثة أسابيع عادت فاستأنفت غاراتها الجوية التي قالت استهدفت مقرات عسكرية للمعارضة في الشمال، وحقق النظام وداعموه تقدماً طفيفاً بريف حماة الشمالي الغربي «للإيحاء بأن الحل العسكري قائم وممكن، وهي مقدمة لمعركة واسعة النطاق». ووفق جابر «عملية تقاسم الأدوار الروسية – السورية – والتركية تتمثل في أن يتابع النظام نشاطه الميداني في ريف محافظة حماة الشمالي، وبينما تتولى تركيا فتح طريف حمص – حلب الدولية، وتواصل مفاوضاتها مع القوات المعارضة لإبعادها عن (النصرة)، توفر روسيا ضمانات بالتسويات إلى جانب تأمين الدعم العسكري الجوي لقوات النظام في حال حازت على ضوء أخضر للانطلاق بالمعركة». ويؤكد جابر، أن روسيا باتت «المايسترو الوحيد في الميدان السوري» من خلال علاقتها مع تركيا وإيران والأكراد وإسرائيل والنظام، بجانب التواصل مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن معضلة إدلب «تتعاطى معها بجدية استناداً إلى تصريحات وزير خارجيتها سيرغي لافروف... وما يظهر أنه بعد نهاية العام لن تكون هناك طلقة واحدة في سوريا».

- معركة على مراحل
غير أن سياق المعركة، لن يكون واسعاً، بل سيأتي على مراحل، كما يرى المعارضون. إذ يقول هؤلاء إنه «إذا ما باشر النظام بالمعركة الآن، فإنه لن يذهب إلى اجتياح كامل، بل ستكون المعركة محدودة بالسيطرة على طريق حمص – حلب الدولية، وستطال جنوب محافظة إدلب المرتبط بشمال محافظة حماة؛ وذلك بغرض تأمين منطقة وسط سوريا الخاضعة لسيطرته، إضافة إلى السيطرة على بلدة جسر الشغور ومحيطها بهدف إبعاد المعارضة عن اللاذقية وتأمين المحافظة الحيوية». والمعروف أن محافظة اللاذقية هي مسقط رأس الأسد، وتوجد فيها قاعدة حميميم، قاعدة روسيا العسكرية الأكبر في سوريا.
وفي ظل «التجاذب» حول «النصرة»، والتمهيد للعمليات العسكرية، تواصلت «التصفيات الداخلية في شمال سوريا بين فصائل الفصائل ومجموعات متطرّفة»، بحسب تعبير مصادر معارضة في الشمال. إذ أفادت هذه الأخيرة بأن موجة الاغتيالات المستمرة «طالت قادة في الفصائل ومسؤولين نافذين في التنظيمات المتطرفة ضمن إطار التصفيات الداخلية ومعارك بسط النفوذ والسيطرة»، لافتة إلى أن المدنيين «يقتلون ضمن هذه الحرب الأمنية».
ويواصل الفلتان الأمني متصاعد الوتيرة منذ 26 أبريل (نيسان) الماضي عبر عمليات اغتيال بعبوات ناسفة وبإطلاق الرصاص، وعن طريق الخطف ورمي الجثث. وحصدت هذه العمليات 294 شخصاً على الأقل ممن اغتيلوا في أرياف محافظات إدلب حلب وحماة. ويوم 20 أغسطس الماضي، قتل ثلاثة عناصر من «الجبهة الوطنية للتحرير» أيضاً، جرّاء إطلاق النار عليهم من قبل مجهولين في بلدة سراقب بريف إدلب الشرقي. كذلك، استهدفت سيارة مفخخة مقراً يتبع لـ«الجبهة الوطنية» في جبل الأربعين بمدينة أريحا؛ ما أدى إلى مقتل عنصر وجرح عدد من المقاتلين. ولم تتبن أي جهة حوادث الاغتيالات أو التفجيرات في اليومين الماضيين.

- مؤشرات لاقتراب المعركة
هذا، وبينما مهد النظام للمعركة المرتقبة بقصف استهدف مناطق واسعة في إدلب، فرّ مئات المدنيين مساء الأربعاء وصباح الخميس من المقيمين في المحافظة باتجاه ريف حلب الغربي وبلدة عفرين الواقعة بأقصى شمال غربي على الحدود مع تركيا؛ وذلك خشية هجوم وشيك لجيش النظام السوري. فلقد فر مئات المدنيين من جنوب شرقي إدلب «بحثاً عن ملاذ في الشمال خوفاً من هجوم وشيك للنظام السوري»، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وأفاد «المرصد» عن حدوث نزوح ليل الأربعاء وصباح أمس من ريف إدلب الجنوبي الشرقي باتجاه ريف حلب الغربي وعفرين الواقعة شمال البلاد على الحدود مع تركيا. وتأتي حركة النزوح بعد استهداف قوات النظام صباح الخميس جنوب شرقي إدلب بقصف مدفعي؛ ما أسفر عن إصابة ستة أشخاص.
من جهة ثانية، أفادت مصادر سورية معارضة لـ«الشرق الأوسط»، بأن النظام أكمل نشر قواته على تخوم الجبهات العسكرية التي ينوي إطلاق الهجوم نحو إدلب منها، وقالت إن «النظام، كما علمنا، أتم استعداداته في ريف اللاذقية الشرقي للهجوم على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، يصل منها إلى جسر الشغور»، إحدى أكبر البلدات في ريف إدلب الغربي. ونقلت معلومات تفيد بأن قوات النظام «تنتظر الأوامر الرئاسية لإطلاق الهجوم»، مشيرة إلى أن النظام «حشد على الجبهات كافة في الشرق والغرب والجنوب وسهل الغاب للانطلاق بهجوم نحو مناطق محررة (خاضعة لسيطرة المعارضة) في أرياف حماة الجنوبي الغربي، وإدلب الشرقي والغربي، وحلب الغربي والجنوبي».
وكانت المعلومات تحدثت عن عمليات تحشيد غير مسبوقة لمعركة من المرجح أن تشارك فيها معظم القوى العسكرية النظامية العاملة على الأرض السورية، بعد استقدام النظام لتعزيزات عسكرية ضخمة، تمثلت بالدفع بعشرات آلاف العناصر من قوات جيشها ومن المسلحين الموالين لها، بمواكبة نحو ألفي مدرعة.

- تحذيرات دولية للروس والنظام... من منطلقات «إنسانية»
حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرئيس السوري بشار الأسد وحليفتيه إيران وروسيا، مطلع الأسبوع الماضي، من شنّ «هجوم متهوّر» على محافظة إدلب؛ متخوفاً من مقتل مئات الآلاف من السكان والمحليين والنازحين اللاجئين إلى المحافظة. وتابع ترمب في تغريدة على موقع «تويتر»، «سيرتكب الروس والإيرانيون خطأً إنسانياً جسيماً بالمشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة. مئات الآلاف من الأشخاص ربما يُقتلون. لا تسمحوا بحدوث هذا!».
وقبل الرئيس الأميركي، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد حذّر في 29 أغسطس الفائت من «الخطر المتنامي بحدوث كارثة إنسانية في حال حصول عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة إدلب». والواقع أن الأمم المتحدة تخشى أن تجبر العملية العسكرية في إدلب 800 ألف شخص على النزوح. ويذكر، أنه خلال زيارة لوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم إلى العاصمة الروسي موسكو أواخر الشهر الماضي، قال المعلم مهدداً، إن «سوريا في المرحلة الأخيرة لتحرير كامل أراضيها من الإرهاب». وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اليوم التالي، أن بلاده تجري مباحثات من أجل إقامة «ممرات إنسانية» لخروج المدنيين في محافظة إدلب. وقبل ذلك، يوم 24 أغسطس، حذّر وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو من أن «الحل العسكري سيسبب كارثة ليس فقط لمنطقة إدلب، وإنما أيضا لمستقبل سوريا»، مضيفاً في الوقت ذاته، أنه من «المهم جداً أن تصبح هذه الجماعات المتطرفة، والإرهابية، غير قادرة على أن تشكل تهديداً». وتطالب روسيا تركيا، صاحبة النفوذ في إدلب، بإيجاد حل لتنظيم «هيئة تحرير الشام» من الممكن أن تتفادى من خلاله هجوماً واسعاً على المحافظة.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.