عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي

الرئيس الجديد لباكستان طبيب أسنان ناجح ونجم برامج حوارية

عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي
TT

عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي

عارف علوي... حليف عمران خان بلا ثقل سياسي

كما كان منتظراً، جاءت الخطوة السياسية التنظيمية التالية لانتخاب عمران خان رئيساً لحكومة باكستان، تعيين رئيس جديد للجمهورية. ومع أن منصباً رئيس الجمهورية في الكثير من الدول التي تعتمد النظام البرلماني يعد منصب بروتوكولياً يحمل من الرمزية الوطنية أكثر من النفوذ العملي، فإن هذه الرمزية تعني الكثير سواءً على صعيد تأكيد التوافق الشعبي العريض وضمان الوحدة الوطنية الضرورية في بلدان كبيرة الحجم ومتعددة الأعراق والمذاهب. ومما لا شك فيه، أن باكستان، التي تعد من كبريات دول العالم من حيث عدد السكان، والتي عاشت فترات عصيبة من الحروب والتقسيم والانقلابات العسكرية والأحكام منذ ولادتها عام 1947، في أمس الحاجة اليوم إلى فترة طويلة من الاستقرار المطلوب للجم الأزمات الاقتصادية، ومكافحة آفة الفساد، والمشاركة في التصدي لموجات الإرهاب والتطرف والتطرف المضاد.

قد لا يتمتع عارف علوي، رئيس جمهورية باكستان الجديد، بنفوذ أو ثقل سياسي كبير، لكنه مع ذلك معروف جيداً في المجتمع الباكستاني. لماذا؟ لأنه يظهر كثيراً في البرامج الحوارية السياسية التي تُبث في مواعيد عرض تحظى بنسبة مشاهدة عالية على مختلف المحطات التلفزيونية الإخبارية الباكستانية البالغ عددها أربعين محطة. ولقد خلّف دفاع علوي الحماسي القوي عن سياسة رئيس الوزراء الجديد عمران خان، واتهاماته بالفساد لرئيس الوزراء السابق نواز شريف، انطباعاً راسخاً في الرأي العام الباكستاني.
الدكتور عارف علوي يستطيع الحديث لساعات ضد شريف وتأييداً لـ«قائده» عمران خان. بل، وكان من المستحيل لسنوات بالنسبة للشعب الباكستاني ألا يشاهدوا علوي نجماً على إحدى المحطات التلفزيونية في وقت يحظى بنسبة مشاهدة عالية إذا ما صادف وفتح شخص ما جهاز تلفازه. ولأن الرجل بطبيعته شخصٌ مثقّف ومتحضّر ومتعلّم ينتمي إلى الطبقة الوسطى، فإنه غدا بفضل حججه الجدلية وآرائه الناضجة الذكية، محبوباً من الشعب الباكستاني الذي سأم من قادة الأحزاب السياسية الذين يظهرون في البرامج التلفزيونية الحوارية السياسية.

- عضو «حركة الإنصاف»
عارف علوي، في الواقع، عضو مؤسس لحزب «حركة الإنصاف الباكستانية»، الذي أسسه وينتمي إليه عمران خان، لاعب الكريكيت الدولي الشهير الذي تحوّل نحو السياسة، وأصبح رئيس وزراء باكستان بأغلبية ضئيلة في البرلمان.
لماذا وقع اختيار رئيس الوزراء الجديد على الدكتور علوي من بين كل ساسة حزبه ليكون مرشح الحزب للرئاسة؟ يذكر المحللون السياسيون ثلاثة أسباب لاختيار الحزب طبيب الأسنان المسيّس الناجح ليكون مرشحه للرئاسة، وهي:
السبب الأول، مستواه التعليمي الجيد سياسياً وأكاديمياً؛ فهو طبيب جراح للأسنان، ولديه تاريخ طويل من النشاط السياسي في المجتمع الباكستاني.
السبب الثاني، فصاحته، فمن يشاهده ويسمعه وهو يتكلم على شاشات التلفزيون يشهد أنه واحد من أكثر القادة السياسيين فصاحة وبلاغة في باكستان.
السبب الثالث، ولعله الأهم، هو الولاء والإخلاص؛ إذ إنه أمضى فترة غير قصيرة في «التيه السياسي» برفقة عمران خان، وكان دوماً مقرباً منه، بينما كانت الدوائر السياسية الباكستانية تتعامل مع خان كشخص دخيل على السياسة ولا ينتمي إلى كيان.
لقد انضم علوي إلى عمران خان عام 1997 عندما انخرط الأخير في مجال السياسة، وظل مخلصاً وفياً له طوال الفترة التالية. وتقول مصادر مطلعة داخل الحزب عنه، إنه أثبت لخان أنه الأكثر جدارة بالثقة، والأكثر إخلاصاً له بين جميع القيادات في تنظيمه ومحيطه.
كذلك جاء في ملف شخصي رسمي لعارف علوي نُشر على الموقع الإلكتروني لـ«حركة الإنصاف» أن علوي «خاض نقاشات مع عمران قبل تأسيس حركة الإنصاف، وأصبح عضواً مؤسساً للحزب عام 1996، وهو يعمل في المجلس التنفيذي المركزي منذ عام 1996 بلا كلل أو راحة. وبعدها عُيّن رئيساً لمجلس إقليم السند في الحزب عام 1997. وفي العام 2001. رُقي لمنصب نائب رئيس الحزب. ثم عام 2006 أصبح علوي الأمين العام لحزب «حركة الإنصاف» وظل في المنصب حتى عام 2013.

- الرئيس الـ13 لباكستان
انتخب عارف علوي يوم الثلاثاء الموافق 4 سبتمبر (أيلول) 2018 ليكون الرئيس الثالث عشر لباكستان. وصوّت أعضاء البرلمان الاتحادي (بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، وكذلك مجالس الأقاليم الأربعة خلال العملية الانتخابية لمرشحهم المفضل. وحصل علوي على 353 صوتاً انتخابياً، في حين حصل منافسه مولانا فضل الرحمن، مرشح جماعة «علماء الإسلام» على 185 صوتاً، وحصل اعتزاز أحسن، مرشح حزب الشعب الباكستاني، على 124 صوتاً. والجدير بالذكر، أن منصب الرئيس الباكستاني منصب شرفي، ليس لدى شاغله سوى بعض الصلاحيات التنفيذية المحدودة. وهو يوقّع (الرئيس) على مشاريع القوانين، التي يقرّها البرلمان، لتغدو قوانين، وهو أمر شكلي للغاية. ثم إنه يعد (الرئيس) القائد الأعلى للقوات المسلحة طبقاً للدستور، لكنه منصب شرفي أيضاً لا يتضمن أي صلاحيات. ولقد نشر عمران خان، بعد فوز علوي بالاقتراع الرئاسي، صورة فوتوغرافية قديمة تجمعه به يظهر فيها الاثنان وهما في سن أصغر كثيراً من عمريهما حالياً مع تعليق قال فيه «عندما كان عالمنا أصغر».
كان رئيس الجمهورية الجديد نشطاً جداً إبان فترة عمله في البرلمان، وساهم بقوة في جهود سنّ القوانين في البرلمان الاتحادي طوال فترة عضويته التي امتدت منذ عام 2013 حتى 2018. وتجدر الإشارة إلى أنه انتخب نائباً في البرلمان عن مدينة كراتشي التي رزحت تحت وطأة أعمال العنف العرقي والطائفي على مدى السنوات الماضية. واللافت في الأمر أنه تغلب في المعركة الانتخابية بكراتشي على مرشح حزب «الحركة القومية المتحدة»، وهي جماعة عرقية منخرطة في العنف سيطرت على المشهد السياسي في المدينة التي تعد كبرى مدن باكستان خلال العقود الثلاثة الماضية. ووفق المحلل السياسي فصيح الرحمن «نُظر إلى عارف علوي إبان انتخابات 2013 في كراتشي كانتصار لحزب وطني محب للسلام في مواجهة حزب عرقي كان يميل إلى العنف والجريمة». ومن ناحية أخرى، كان علوي منتقداً قوياً لنواز شريف، رئيس الوزراء السابق، لفساده المالي المزعوم. وظل نشطاً في مواجهته في البرلمان وخارجه أيضاً، وشارك حتى العام الماضي بقوة في مظاهرتين احتجاجيتين نظمهما عمران خان ضد حكومة شريف.
ولئن كانت كل هذه الحقائق غير كافية لبروز علوي في الدوائر السياسية، فلقد جعله ارتباطه الوثيق بالأحزاب الدينية في بداية مسيرته أكثر شهرة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية. إذ كان مرتبطاً بجناح الطلبة من «الجماعة الإسلامية» عندما كان طالباً، بل وخاض المنافسة في انتخابات أحد البرلمانات الإقليمية على قائمة «الجماعة الإسلامية» في عقد السبعينات من القرن الماضي. ومن ثم، تصل فترة نشاط علوي السياسي إلى خمسة عقود بدأت بانخراطه في المشهد السياسي الطلابي رئيساً لاتحاد الطلبة بكلية دي مونتمورينسي لطب الأسنان في مدينة لاهور. كذلك، كان له دور مميز في الحركة الطلابية عام 1969 أثناء حكم النظام العسكري للجنرال أيوب خان. وحسب ناشطي حزبه، كان من بين الذين ناضلوا من أجل الديمقراطية في البلاد، وأصيب أثناء مظاهرات في أحد المراكز التجارية في لاهور، وهو لا يزال يحمل «بفخر واعتزاز» رصاصة في ذراعه اليمنى رمزاً لنضاله من أجل تحقيق الديمقراطية في باكستان.

- مع حزبه الحالي
يعود الفضل لطبيب الأسنان في المشاركة في تأسيس «حركة الإنصاف» مع حفنة من الناشطين الآخرين، ويعد واحداً من مؤلفي لوائح الحزب الانتخابية ومن أعضاء الحزب البارزين. ثم إنه نافس على أحد مقاعد برلمان إقليم السند (حيث مدينة كراتشي) في الانتخابات العامة عامي 1997 و2002، لكنه لم ينجح. بعدها – كما سبقت الإشارة – صار واحداً من أعضاء المجلس التنفيذي المركزي بالحزب عام 1996، وظل كذلك لمدة سنة، حتى تعيينه رئيساً للحزب في إقليم السند عام 1997. بعد ذلك عام 2001 رُقي ليتولى منصب نائب رئيس الحزب، ثم أميناً عاماً للحزب عام 2006، وظل في ذلك المنصب حتى عام 2013. ثم فاز بعضوية البرلمان الاتحادي عن الدائرة «إن آيه 250» في كراتشي خلال انتخابات عام 2013.
بعد ذلك خلال الانتخابات العامة الأخيرة، التي أجريت في 25 يوليو (تموز) 2018، فاز بالمقعد البرلماني عن الدائرة «إن آيه 247» في كراتشي بعد حصوله على 91.020 صوتاً، في حين حصل منافسه سيد زمان علي جعفري، مرشح حركة طالبان باكستان، على 24.680 صوتاً فقط.

- خلفية عائلية
ينتمي عارف علوي إلى أسرة متعلمة ومرموقة، وكان والده طبيب أسنان أيضاً. ولقد نشرت صحيفة هندية يوم الأربعاء موضوعاً مثيراً للاهتمام عن رئيس الجمهورية الجديد، ذكرت فيه أنه كان طبيب الأسنان الشخصي للزعيم الاستقلالي الهندي الكبير جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند. وجاء في ملفه الشخصي «لقد كان واحداً من أطباء الأسنان البارزين في كراتشي، وهاجر والده دكتور حبيب الرحمن علوي، الذي مارس طب الأسنان في الهند، إلى باكستان عام 1947، وافتتح عيادة لطب الأسنان في بلدة صدر بكراتشي... ولدى الأسرة خطابات مرسلة من نهرو إلى الدكتور علوي».
عودة إلى الرئيس الجديد، المولود يوم 29 يوليو 1949 في كراتشي، فإنه بعد تخرجه في كلية دي مونتمورينسي لطب الأسنان في لاهور، تابع دراسته في الولايات المتحدة الأميركية حاز الماجستير في أحد تخصصات طب الأسنان من جامعة ميشيغان، وماجستير أخرى في تخصص ثانٍ من جامعة الباسيفيك في ولاية كاليفورنيا.
الرئيس الجديد متزوج من سامينا علوي وأنجبا أربعة أبناء تزوّجوا جميعهم، وكوّنوا أسراً. وهو يستمتع بتمضية الوقت مع أحفاده، ويعتبرهم من أجمل المتع وأسباب البهجة في حياته. ثم إنه اعتاد لعب الاسكواش، والكريكيت، والهوكي حين كان شاباً، وهو يستمتع حالياً ببعض اللعب الخفيف، ومشاهدة المباريات.
وما يستحق الذكر، أنه قبل دخوله عالم السياسية كان ناجحاً جداً في عمله طبيب أسنان في كراتشي، وتشهد المؤسسات الطبية الباكستانية والعالمية بكفاءته المهنية. بل وحصل في عام 1997 على شهادة المجلس الأميركي لطب الأسنان.
كذلك كان المؤلف الرئيسي للائحة «الاتحاد الباكستاني لطب الأسنان»، وجرى انتخابه رئيساً لذلك الاتحاد. كذلك أسندت إليه رئاسة «المؤتمر الباكستاني الدولي الأول لطب الأسنان» عام 1981. وعام 1987 أصبح رئيس «المؤتمر الباكستاني الدولي الثالث لطب الأسنان» الذي افتتحه رئيس الوزراء الأسبق محمد خان جونیجو. واختاره الرئيس الباكستاني ليكون راعي «المؤتمر الباكستاني الدولي الخامس لطب الأسنان».
كذلك شغل منصب رئيس «المؤتمر الآسيوي الهادي لطب الأسنان» في دورته الثامنة والعشرين، وحصل على أكثر من زمالة من الكلية الدولية لأطباء الأسنان. وكان أيضاً زميل الكلية الأميركية لأطباء الأسنان، وأكاديمية «بيير فوشار» تقديراً لإنجازاته الأكاديمية والعملية والمهنية الكبرى.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».