«متحف التراث اللبناني».. مبادرة عائلية تعانق التاريخ

جرن للماء يعود للحقبة الفينيقية
جرن للماء يعود للحقبة الفينيقية
TT

«متحف التراث اللبناني».. مبادرة عائلية تعانق التاريخ

جرن للماء يعود للحقبة الفينيقية
جرن للماء يعود للحقبة الفينيقية

«متحـف التراث اللبناني» الذي يعد صرحا ثـقافيا ومرجعا تاريخيا، يضم في قاعاته تراثا قيما جمعه الشيخ سمعان خازن الإهدني ومن بعده ابنه وحفيده، يهدف إلى إبراز وجه لبنان الحضاري للمقيمين والمغتربين والسياح. داخل أرجاء هذا الصرح، يتعرف الزائر على حقبات لبنان التاريخية، والحضارات التي تعاقبت عليه وفي المنطقة المجاورة، والتي تبدأ مع الفينيقيين لتصل إلى يومنا، من خلال مجموعات غنية وفريدة.
يحتار الزائر في أي محطة من محطات المتحف الكثيرة سيتوقف، بدءا من المكتبة النادرة، مرورا بالمحفوظات القيمة والوثائق التاريخية المهمة، وصولا إلى لوحات فنية ومجموعة كبيرة من الثياب والأسلحة والوثائق الخاصة بـ«يوسف بك كرم» (أحد أبرز الزعماء الوطنيين، وأحد شيوخ شباب بلدة إهدن، تصدى للأتراك وتعرض للنفي إلى الجزائر عام 1867).
ويقول الشيخ سيمون الخازن، الأمين العام للمتحف، في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقته داخل أنحاء المتحف: «نجحنا في إضافة مجموعة كبيرة من الآثار التي تتنوع بين الحقبة الفينيقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية وغيرها... ونحن نفتخر بإدخال المتحف في منهج الدراسة الأكاديمية. وقد صنفت وزارتا السياحة والثقافة هذا الصرح كمركز ثقافي سياحي تراثي من الدرجة الأولى، وذلك في تاريخ 18 يوليو (تموز) 2003».
تبلورت فكرة إنشاء المتحف، الكائن في بلدة المنصورية، بعد جهود مضنية بذلتها «مؤسسة سمعان خازن الإهدني» لجمع العدد الأكبر من المخطوطات والوثائق والأثريات التي كانت - ولا تزال - تشكل تراثا وطنيا وتاريخيا عريقا.
ويضيف: «تقدر مساحة المتحف بـ1500م، وهو أصبح معلما تاريخيا يعتد به بفضل مجموعة من الأشخاص الذين يعون أهمية التراث وجمعه وحمايته من الاندثار».
وبشكل مدروس ومنمق، نجح هؤلاء، وعلى مدى سنوات طوال، في تجميع الموجودات حتى بات يضم اليوم 14 صالة، لعل أبرزها خمس صالات رئيسة اختصرت عمرا غنيا بالشواهد التاريخية التي عصفت بلبنان.
ففي الصالة الأولى مجموعة من الأباريق والأواني والأوعية والفوانيس والغلايين الفخارية التي تعود للحقبة الفينيقية (1300 إلى 330 ق. م)، لكن يبقى الأميز في الصالة الخزائن المنمقة التي تحوي تماثيل آلهة الخصب والنظارات الأولى التي استعملت لحماية العيون أثناء صناعة المجوهرات، إضافة إلى مجموعة من الزجاج الملون المنفوخ وخناجر وعدة طبيب الأسنان التي تشبه إلى حد بعيد تلك التي تستعمل اليوم.
أما الصالة الثانية، فخصصت للحقبة الرومانية (64 ق.م إلى 330م)، حيث ضمت مجموعة من الأدوات المنزلية الفخارية وغلايين وخواتم من البرونز، وأهم ما يستوقف الزائر فيها هو ما يعرف بـ«بكاية» وهي فخارية صغيرة مخصصة لتعبئة دموع المرأة وقت البكاء.
في المقابل، تتوزع مقتنيات القرن التاسع عشر على رفوف وداخل خزائن الصالة الثالثة وأبرز ما فيها مجموعة فريدة من المجوهرات والحلي المصنوعة من الفضة المزخرفة يأيادي الصاغة الماهرين وهي في غالبيتها زينة للسيدات الأنيقات والثريات بينما كان يستعمل قسم منها لزينة أحصنة القادة والأمراء والأعيان.
وتزدان الصالة الرابعة بالحقبة الإسلامية (عام 631م)، حيث تحتوي على مطاحن وأحجار ورؤوس عواميد مدفنية ولوحات خزفية ونوافذ وأقواس وزخرفات الأرابيسك، إضافة إلى نماذج من الخط العربي الجميل (الكوفي، الرقعي، والريحاني...) الذي كان يزين جدران البيوت والقصور، فضلا عن لوحات من الفن الشعبي تحوي آيات قرآنية مختلفة.
أما الصالة المحاذية، ففيها إضاءة على الحقبة العثمانية، حيث تتربع مجموعة مميزة من المجوهرات والحلي الفضية التي كانت تتزين بها السيدات الأنيقات، وفي أرجائها تبرز غرفة المتصرف العثماني داود باشا من الحرير المطرز بخيوط ذهبية، وغرفة جلوس خشبية خاصة لاستقبال الضيوف.
وردا على سؤال يجيب الخازن: «لكل زاوية حكاية من التاريخ، يقوم الفريق المختص بشرحها لضيوف المتحف بمحبة وثقة».
ولعل ما يؤكد هذا الكلام وجود صالات خاصة بأهم أعلام لبنان وقادته الوطنيين الذين تركوا بصمات مضيئة في تاريخ لبنان القديم، فنجد صالة من المتحف خصصت ليوسف بك كرم (1832 – 1889)، وتعرف محتوياتها بالقائد الوطني وبحياته وبمسيرته والمعارك التي خاضها.. وصولا إلى طروحاته فيما خص إنشاء حلف يضم الأقطار العربية ويوحد قواها. كما عرضت فيها أسلحته ولباسه الرسمي والفروسي.
أما في الجناح الآخر، فنجد مكتبة الشيخ سمعان الخازن الإهدني (1898 - 1973)، وفيها مكتبه الخاص وثوبه القضائي، إلى جانب الأوسمة التي حازها؛ ومن بينها وسام الاستحقاق الفرنسي من رتبة فارس (1951)، ووسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى (1955)، وعنه يقول الخازن إنه: «بدأ حياته المهنية أستاذا. ومن أهم طلابه، رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية».
ومنها، ننتقل إلى جناح جواد بولس الذي كان نقيبا للمحامين ونائبا ووزيرا، ترك إرثا ثقافيا مهما، حيث نلتقي كتبه ومؤلفاته القيمة.
وفي جولة على أرجاء المتحف، يلفت الانتباه صور البطريرك أنطوان عريضة ورسومات زيتية متنوعة لكبار الفنانين، إضافة إلى مجموعة من أدوات الفلاح الزراعية، من: محراث، رفش، منجل.. والعدة الصناعية مثل منشار الحديد والخشب... وأدوات المنزل اليومية كالمقالي وغيرها. وتسعى مؤسسة سمعان الخازن الإهدني لتأسيس جمعية «أصدقاء المتحف» من أهل العلم والثقافة، علها تتضافر الجهود لاستكمال هذا العمل ولضمان استمراريته.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.