زيباري ينصح كرزاي بقبول الاتفاق الأمني مع أميركا

هوشيار زيباري (أ.ب) و حميد كرزاي (أ.ب)
هوشيار زيباري (أ.ب) و حميد كرزاي (أ.ب)
TT

زيباري ينصح كرزاي بقبول الاتفاق الأمني مع أميركا

هوشيار زيباري (أ.ب) و حميد كرزاي (أ.ب)
هوشيار زيباري (أ.ب) و حميد كرزاي (أ.ب)

في الوقت الذي يجد نفسه مسؤولا عن إدارة واحدة من أهم الفترات في تاريخ أفغانستان، عقد الرئيس حميد كرزاي اجتماعا خلال الشهر الحالي مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، الذي يتولى حقيبة الخارجية العراقية منذ فترة طويلة.
وتعد زيارة زيباري الأولى من نوعها لمسؤول عراقي منذ سنوات طويلة لأفغانستان. وكان السبب الرسمي المعلن لتلك الزيارة هو تسهيل سفر الأفغان الشيعة إلى العراق لزيارة المقامات الدينية الشيعية هناك. بيد أن الزيارة جاءت في التوقيت المناسب، في وقت يبدي كرزاي تشددا ويرجئ توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، تاركا الدعم العسكري الغربي، الذي امتد لسنوات طويلة، والمساعدات التي تساوي مليارات الدولارات في مهب الريح.
في لحظة صراحة ومكاشفة، أعطى زيباري الرئيس كرزاي نصيحة لم يكن من المتوقع الحصول عليها من مسؤول عراقي قبل عامين. فقد نصح زيباري الرئيس كرزاي بقوله: «تجاوز خلافاتك مع الأميركيين ووقع الاتفاق». وأضاف زيباري مخاطبا كرزاي: «لا تقع فريسة لوهم أنه مهما فعلت سيبقى الأميركيون في أفغانستان، فطالما قال كثيرون ذلك عن الوجود الأميركي في العراق، غير أن الأميركيين كانوا يرغبون بشدة في مغادرة العراق، وهي الرغبة نفسها التي يتوقون إلى تحقيقها فيما يخص بلادك».
عندما رحلت آخر قوات أميركية من العراق في عام 2011 في أعقاب انهيار اتفاقية أمنية مماثلة، احتفى كثير من العراقيين بذلك واعتبروا رحيل القوات الأميركية لحظة من لحظات الفخر الوطني، وأعربوا عن إيمانهم العميق في قدرة حكومتهم على الحفاظ على الأمن. بيد أنه ومنذ ذلك الحين، عادت البلاد إلى العنف، إذ قتل الآلاف في هجمات طائفية وقعت العام الحالي.
وحسب رواية مسؤولين عراقيين وأفغان حضروا الاجتماع، قال زيباري للرئيس الأفغاني إنه على الرغم من عوائد النفط التي تقدر بمليارات الدولارات والقوات الأمنية المدربة، لم تعد الحكومة العراقية قادرة حتى على حفظ الأمن في العاصمة بغداد. والسؤال الآن: كيف ستتمكن الحكومة الأفغانية، التي تستطيع بالكاد تمويل 20 في المائة من ميزانيتها كل عام، من السيطرة على البلاد من دون مساعدة الولايات المتحدة الأميركية؟.
وجاء اللقاء في وقت يقف فيه كل من الزعيمين عند مرحلة مختلفة في مسيرتيهما، فأحدهما يتأمل مستقبل بلاده في مرحلة ما بعد الولايات المتحدة، بينما يدخل الآخر في خصومة معها. بيد أنه تبقى الحقيقة أن كرزاي سمع تلك النصيحة مرات كثيرة من قبل.
في الحقيقة، استشهد المسؤولون الأميركيون بالانسحاب من العراق وما جرى بعده كمثال تحذيري، ينبغي وضعه في الحسبان، عند الحديث مع الصحافيين والمسؤولين الأفغان عن الجهود الشاقة من أجل التوصل لاتفاقية أمنية مع الأفغان. وخلال الفترة التي تلت تصريح كرزاي أنه سيرجئ التوقيع على الاتفاقية الأمنية، حذره كثير من المسؤولين الأميركيين الكبار من أنه سيجد نفسه مجبرا على البدء في النظر بشأن «الخيار صفر»، الذي يعني انسحابا نهائيا للقوات الأميركية من أفغانستان في عام 2014، إذا لم يتبن مسارا مغايرا لذلك الذي ينتهجه في الوقت الحالي.
غير أنه بدا واضحا أن كرزاي لم يستمع جيدا لنصيحة زيباري، وهذا ما جعل المسؤولين الأفغان يشعرون بخيبة أمل كبيرة، إذ كانوا يأملون أن يستوعب رئيسهم الدرس من المشكلات التي يعانيها العراق حاليا. وتعليقا على ما جاء في اجتماعه مع زيباري، قال كرزاي لمجموعة صغيرة من المسؤولين الأفغان بعد نهاية الاجتماع، «أرأيتم؟ الأميركيون يحتاجون بشدة لتوقيع هذه الاتفاقية، فقد لجأوا إلى العراقيين لممارسة الضغط علي للقبول بها».
وفي لقاء عبر الهاتف، أصر زيباري على أن نصيحته لكرزاي جاء تعبيرا عن حسن النية، ولم تكن أبدا بإيعاز من الأميركيين. وأضاف زيباري: «بعد مرور عامين على انسحاب القوات الأميركية من العراق، وبسبب تصاعد العنف في البلاد، عدنا إلى واشنطن، طالبين منهم استمرار الدعم والمساعدة العسكرية»، في إشارة إلى الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الولايات المتحدة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد الزيادة الكبيرة في الهجمات التي تشنها القاعدة والمسلحون السنة في العراق، مشيرا إلى أنه «ينبغي على المرء أن يستفيد من تجربة العراق في هذا الشأن».
في عام 2011، فشلت واشنطن وبغداد في عقد الاتفاقية الأمنية بسبب ما كان يحدث على الساحة السياسية الداخلية في العراق. إلا أنه يبدو في رد كرزاي على نصيحة زيباري واحد من الأسباب الرئيسية التي قد تدفع الولايات المتحدة إلى مغادرة أفغانستان على الفور ودون أي تأخير، على الرغم من أنه يوجد كثيرون في إدارة الرئيس باراك أوباما ممن لا يريدون أن يروا عقدا من الزمان تزهق فيه الأرواح ويضيع كثير من المال هباء.
ورغم إلمامه بالعواقب المحتملة لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، يبدو كرزاي كأنه اختزل تلك الفترة الأهم من تاريخ أفغانستان مرة أخرى في شخصه هو. وبغض النظر عما إذا كان ذلك نابعا من جنون العظمة أو شكوك مبررة، فلا شك أن رد فعل الرئيس الأفغاني ينم عن شعور عميق بانعدام الثقة في حلفائه الأميركيين.
وفي حديثه مع صحيفة «لوموند» الفرنسية الأسبوع الماضي، قال كرزاي: «حتى وإن كانوا لا يريدون خداعنا، فلن نخضع للضغوط من أجل توقيع الاتفاقية إلا إذا تحققت مطالبنا. ما سمعته هذه الأيام، وما سمعته قبل ذلك لا يعبر بأي حال من الأحوال إلا عن نموذج من نماذج الاستغلال ذات الطابع الاستعماري».
وفي جميع الأحوال، لم يجر استخدام شبح النموذج العراقي فقط للتهديد، إلا أنه كان يطل برأسه في كل خطوة من خطوات المفاوضات، التي عقدت في البيت الأبيض والقصر الرئاسي الأفغاني، بشأن وجود طويل الأمد لقوات أميركية في أفغانستان.
يرى الأميركيون، الذين يودون الاحتفاظ بقوات عسكرية في أفغانستان، الوضع في العراق نموذجا قد يدفع الأفغان إلى العدول عن موقفهم من توقيع الاتفاقية. ويقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: «يمكنك الإشارة إلى ما يجري في العراق، وساعتها تستطيع أن تقول: لا يمكننا أن نسمح لذلك أن يحدث في أفغانستان».
أما أولئك الذين يريدون انسحابا كاملا للقوات الأميركية من أفغانستان، فلديهم إحساس بأن بلادهم تجنبت فشلا كبيرا في العراق. ويقول مسؤول أميركي آخر إنه لم ينتج عن مغادرة القوات الأميركية للأراضي العراقية أية خسائر سياسية في أميركا، كما أنها ساعدت في حقن دماء كثير من أبناء الأميركيين.
وعلى الرغم من ذلك، لا يرغب المؤيدون للانسحاب الكامل في رؤية دماء تراق في أفغانستان مثل ذلك الذي يحدث في العراق الآن. وكان اجتماع المجلس الأعلى لزعماء القبائل في أفغانستان (لويا جيرغا) قد أسفر عن موافقة المجتمعين على توقيع الاتفاقية الأمنية، في إشارة إلى أن بعضا من الشعب الأفغاني يرغبون في استمرار الدعم الأميركي لبلادهم. وأضاف المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية أن المسؤولين الأميركيين لا يريدون «معاقبة الشعب الأفغاني» بسبب التعنت الذي يبديه كرزاي.
* خدمة «نيويورك تايمز»



سكان كردستان العراق يدلون بأصواتهم لانتخاب برلمان جديد للإقليم

ملصقات الحملات الانتخابية للمرشحين في شوارع مدينة السليمانية بشمال العراق (أ.ف.ب)
ملصقات الحملات الانتخابية للمرشحين في شوارع مدينة السليمانية بشمال العراق (أ.ف.ب)
TT

سكان كردستان العراق يدلون بأصواتهم لانتخاب برلمان جديد للإقليم

ملصقات الحملات الانتخابية للمرشحين في شوارع مدينة السليمانية بشمال العراق (أ.ف.ب)
ملصقات الحملات الانتخابية للمرشحين في شوارع مدينة السليمانية بشمال العراق (أ.ف.ب)

يدلي الناخبون في إقليم كردستان بشمال العراق، بأصواتهم اليوم (الأحد)، لانتخاب برلمان جديد، وسط مناخ من السأم، وفي ظلّ هيمنة حزبَين رئيسيين يتنافسان منذ عقود على السلطة.

وفتحت مراكز الاقتراع الساعة السابعة صباحاً (04:00 ت غ)، حسبما أفادت وكالة الأنباء العراقية. ورأى مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في السليمانية ثانية كبرى مدن الإقليم، نحو 20 شخصاً، بعضهم كبير في السنّ، ينتظرون دورهم للتصويت.

وستُغلق المراكز التي يزيد عددها على 1200، عند السادسة مساء (15:00 ت غ).

ويبلغ عدد الناخبين المسجّلين للتصويت في الدوائر الأربع بانتخابات الإقليم المتمتع بحكم ذاتي منذ 1991، 2.9 مليون ناخب تقريباً، بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق. وهم مدعوون لانتخاب 100 عضو في البرلمان ما لا يقلّ عن 30 في المائة منهم نساء.

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني يدلي بصوته في مركز اقتراع خلال الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان العراق بأربيل (رويترز)

ويشهد إقليم كردستان العراق منذ عقود تنافساً على السلطة بين حزبين أساسيين وعائلتيهما؛ هما الحزب الديمقراطي الكردستاني وأسرة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني وأسرة طالباني.

وعلى الرغم من تعبئة مكثفة قام بها الحزبان اللذان عقدا تجمعات انتخابية كثيرة لحشد قواعدهما الانتخابية في الأسابيع الأخيرة، أشار خبراء إلى خيبة من الطبقة السياسية في ظلّ وضع اقتصادي صعب، وبعد تأجيل 4 مرات للانتخابات التي كانت مقررة في الأساس لخريف 2022، بسبب خلافات سياسية.

ويقول الموظف الحكومي ديلمان شريف (47 عاماً) في السليمانية، إنه سيشارك في الانتخابات لأنه «ضدّ الحكومة» ويريد «استعادة راتبه».

ويوضح أن حكومة الإقليم لم تصرف بعد 15 من رواتبه، داعياً «الجميع إلى الذهاب والتصويت ضد هذا النظام».

«الخيبة من السياسة»

ويقدّم الإقليم، حليف الولايات المتحدة والأوروبيين، نفسه على أنه واحة استقرار جاذبة للاستثمارات الأجنبية في العراق. لكن ناشطين ومعارضين يدينون مشاكل تلمّ كذلك بباقي أنحاء العراق، أبرزها الفساد وقمع الأصوات المعارضة وزبائنية تمارسها الأحزاب الحاكمة.

ومن شأن التصويت المناهض للحزبين التقليديين، أن يعود بالنفع على أحزاب صغيرة جديدة نسبياً ومعارضة؛ مثل «الجيل الجديد»، وحزب «جبهة الشعب» برئاسة لاهور الشيخ جنكي، الذي انفصل عن الاتحاد الوطني الكردستاني.

يبلغ عدد الناخبين المسجّلين للتصويت في الدوائر الأربع بانتخابات الإقليم المتمتع بحكم ذاتي منذ 1991 2.9 مليون ناخب تقريباً (أ.ف.ب)

وقال المحلل السياسي شيفان فاضل مؤخراً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «الناس لا يبدون متحمّسين»، مضيفاً أن «الخيبة من السياسة بشكل عام آخذة في الازدياد».

وعزا طالب الدكتوراه في جامعة بوسطن ذلك إلى «تدهور الظروف المعيشية للناس خلال العقد الماضي»، متحدثاً كذلك عن التأخير في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، والبالغ عددهم نحو 1.2 مليون، وهي أموال تشكّل «مصدر دخل رئيسياً للأسر».

جرت المرحلة الأولى من الاقتراع المعروفة بـ«التصويت الخاص» للقوات الأمنية والتي صوّت فيها أكثر من 208 آلاف ناخب الجمعة بنسبة مشاركة بلغت 97 % وفق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (أ.ف.ب)

ويعود هذا الملف الشائك إلى الواجهة بانتظام، ويعكس التوترات بين بغداد وأربيل، إذ يحمّل كل طرف الآخر مسؤولية تأخير دفع رواتب الموظفين الحكوميين.

وتوقّع فاضل أن يؤدي تشكيل 4 دوائر انتخابية «إلى إعادة توزيع للأصوات والمقاعد في البرلمان المقبل»، عادّاً مع ذلك أن الحزب الديمقراطي الكردستاني «قد يحافظ على الغالبية، بفضل الانضباط الداخلي في الحزب وتماسكه».

ويتمتع الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان المنتهية ولايته، بغالبية نسبية مع 45 مقعداً، وقد أقام تحالفات مع نواب انتُخبوا بموجب نظام حصص مخصصة للأقليتين المسيحية والتركمانية.

وكانت المحكمة الاتحادية العليا أصدرت في فبراير (شباط)، قراراً حدّدت فيه عدد أعضاء برلمان الإقليم بـ100 بدلاً من 111، ما أدى عملياً إلى إلغاء 5 مقاعد للأقلية التركمانية، و5 للمسيحيين ومقعد واحد للأرمن.

غير أن القضاء العراقي أعاد في وقت لاحق، 5 مقاعد للأقليات من بين 100 نائب.

تنشيط الديمقراطية

وبلغت نسبة المشاركة في التصويت بالانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2018، نحو 59 في المائة، بحسب الموقع الرسمي للبرلمان الكردي.

وسيصوّت البرلمان المنتخب لاختيار رئيس للإقليم خلفاً لنيجيرفان بارزاني، ورئيس لحكومته خلفاً لمسرور بارزاني.

وجرت المرحلة الأولى من الاقتراع المعروفة بـ«التصويت الخاص» للقوات الأمنية، والتي صوّت فيها أكثر من 208 آلاف ناخب الجمعة، بنسبة مشاركة بلغت 97 في المائة، وفق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

بلغت نسبة المشاركة في التصويت بالانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2018 نحو 59 % بحسب الموقع الرسمي للبرلمان الكردي (أ.ف.ب)

وشدّد رئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) محمد الحسّان، الخميس، في رسالة مصوّرة، على ضرورة الانتخابات التي «طال انتظارها»، مؤكداً أن الاقتراع «سيعيد تنشيط الديمقراطية ويضخّ أفكاراً جديدة في مؤسساتها من شأنها أن تعالج مخاوف الشعب».

من جهتها، تؤكد المدرّسة سازان سعد الله (55 عاماً) أنها لن تدلي بصوتها، «لأن هذه السلطة لا يمكن تغييرها عن طريق التصويت وتغيير المقاعد».

وتضيف: «ما يحكم هو قوة السلاح والمال، والتغيير من خلال البرلمان أمر صعب»، عادّة أن تغيير النظام ممكن فقط في حال حدوث «انتفاضة للشعب».