الاقتصاد العالمي يتعافى... لكن علامات الخطر تتكاثر

10 سنوات على الانهيار المالي الكبير

لافتات عن بيوت للبيع في أديلانتو بولاية كاليفورنيا في يونيو (حزيران) 2009 (أ. ف. ب)
لافتات عن بيوت للبيع في أديلانتو بولاية كاليفورنيا في يونيو (حزيران) 2009 (أ. ف. ب)
TT

الاقتصاد العالمي يتعافى... لكن علامات الخطر تتكاثر

لافتات عن بيوت للبيع في أديلانتو بولاية كاليفورنيا في يونيو (حزيران) 2009 (أ. ف. ب)
لافتات عن بيوت للبيع في أديلانتو بولاية كاليفورنيا في يونيو (حزيران) 2009 (أ. ف. ب)

قبل عشر سنوات انهار النظام المالي الأميركي نتيجة استثمارات خطرة وممارسات خاطئة. أما اليوم فتحمل الأخطار التي تحوم غيومها السود في سماء الاستقرار الاقتصادي أسماء أخرى: الصين، انتشار الأسواق الناشئة، "بريكست"...
تسببت الأزمة المالية عام 2008 بخسارة عشرات ملايين الأشخاص منازلهم وفقدان عشرات الملايين وظائفهم وتبخُّر ترليونات الدولارات من الثروات، لكن الاقتصاد العالمي استعاد عافيته في السنوات التي تلتها. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.9 في المائة هذا العام وفي 2019، مما يؤكد متانة التعافي على مستوى العالم.
غير أن خوض الولايات المتحدة نزاعات تجارية متعددة يجعل تحديات تلوح في الافق. وفي هذا السياق، حذر كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي موريس أوبستفلد من أن "خطر تفاقم التوترات التجارية الحالية هو أكبر تهديد في المدى القريب للنمو العالمي".
وعبر الاحتياطي الفدرالي الأميركي عن رأي مماثل محذرا من أن "تصعيدا في الخلافات التجارية العالمية يمثل خطرا محتملا على النشاط الفعلي".
والواقع أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قلب العلاقات التجارية رأسا على عقب، فشن هجمات لم تفرق بين الحليف والخصم باحثاً عن مصالح بلاده أولاً. وكان أحد أبرز أهدافه اتفاقية التبادل الحر لأميركا الشمالية "نافتا" مع جارتيه كندا والمكسيك.
وأصر ترمب على إعادة التفاوض على "نافتا"، وقد نجح في إبرام اتفاق مع المكسيك، على أن تُستأنف المفاوضات مع كندا غداً (الأربعاء) لمحاولة تذليل العقبات القائمة.
وهاجم الرئيس الأميركي الاتحاد الأوروبي ووصفه بالمنافس، وبعد هدنة بين الجانبين هدّد الأول بفرض رسوم مرتفعة على السيارات الأوروبية مما ينذر بسقوط "وقف النار" واشتعال نار الحرب مجدداً.
أما في ما يتعلق بالصين، فقد فرض ترمب مجموعة من الرسوم الجمركية العقابية الرامية إلى جعلها تقدّم تنازلات تجارية ذات شأن. ويمكن أن تدخل حملته الشرسة ضد بكين مرحلة جديدة هذا الأسبوع مع فرض رسوم على سلع تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار. وبدأت عواقب ذلك تظهر في ثاني اقتصاد في العالم، وإذا ما تصاعدت قد تؤثر على الاستثمارات والثقة.

لعبة الفوائد
عندما انهار مصرف ليمان براذرز في 15 سبتمبر (ايلول) 2008، بدا حجم الكارثة واضحا. فقد استُثمرت مبالغ طائلة في أدوات مالية بالغة التطور قائمة على وهم: رهون عقارية بفائدة منخفضة جدا لفترات طويلة سمحت لكثر بشراء منازل تفوق أسعارها قدرتهم على السداد. وعندما بدأ الاحتياطي الفدرالي رفع الفائدة عام 2004، انهار البناء الورقي.
والان بعد سنوات من فائدة عند صفر في المائة، يرفع الاحتياطي الفدرالي الفوائد مجددا. ويتخوف الخبراء من انفجار أزمة جديدة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الأميركي يسير بكامل قوته، مع نسبة بطالة في مستويات تاريخية متدنية عند نحو 4 في المائة، وفي غياب مؤشرات على حصول تضخم فيما البورصة تدأب على تحطيم الأرقام القياسية.
وقانون دود-فرانك العائد إلى العام 2010، حصر الأخطار وأجبر البنوك على الاحتفاظ باحتياط نقدي كبير. ونتيجة لذلك صار "القطاع المصرفي الأكثر تنظيما اليوم بعد قطاع الخدمات"، بحسب ستيف آيزامن، أحد خبراء المال الذين توقعوا فقاعة الرهن العقاري وكسبوا منها مالاً وفيراً.
وقال الخبير القانوني في معهد بروكينغز آرون كلاين: "لا أعرف ما الذي سيسبب الأزمة المقبلة، لكني متأكد أنها لن تكون الزهور الهولندية ولا الرهون العقارية".
وتساءل الباحث في الشؤون السياسية إيان بريمير من "يوريجيا غروب" ما إذا كانت القوى العالمية اليوم سترد بالفعالية نفسها كما في 2008، وقال: "هناك فائض في الاستقرار السياسي في العالم حاليا للتعامل مع أزمات اليوم، لكن في ما يتعلق بالأزمة المقبلة، فإني أقل ثقة".


مقالات ذات صلة

أسواق آسيا تشهد تراجعاً مع ضعف الثقة في سياسة «الفيدرالي»

الاقتصاد شخص يمشي أمام لوحة إلكترونية تعرض مؤشر «نيكي» في طوكيو (أ.ب)

أسواق آسيا تشهد تراجعاً مع ضعف الثقة في سياسة «الفيدرالي»

انخفضت الأسهم في الأسواق الآسيوية يوم الجمعة بعد إغلاق الأسواق الأميركية بمناسبة يوم الحداد الوطني على الرئيس الأسبق جيمي كارتر.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
الاقتصاد قطع شطرنج ذهبية معروضة في كشك المجوهرات خلال النسخة الـ17 من معرض الهند الدولي للمجوهرات (إ.ب.أ)

الذهب يرتفع بدعم من تراجع الدولار وسط ترقب لرسوم ترمب الجمركية

ارتفعت أسعار الذهب الثلاثاء بدعم من تراجع الدولار وسط ترقب المتعاملين لما ستكون عليه خطط الرسوم الجمركية للرئيس الأميركي المنتخب التي ستكون أقل حدة من المتوقع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أحد مناجم اليورانيوم في كندا (موقع الحكومة الكندية)

كندا تتسابق لتصبح أكبر منتج لليورانيوم في العالم مع ارتفاع الطلب عليه

تتسابق كندا لتصبح أكبر منتج لليورانيوم بالعالم استجابةً للطلب المتزايد على الطاقة النووية الخالية من الانبعاثات والتوترات الجيوسياسية.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
الاقتصاد نظام نقل الحركة للدراجات الكهربائية ذات العجلتين من إنتاج شركة «فوكسكون» (رويترز)

«فوكسكون» التايوانية تحقق إيرادات قياسية في الربع الرابع بفضل الذكاء الاصطناعي

تفوقت شركة «فوكسكون» التايوانية، أكبر شركة لصناعة الإلكترونيات التعاقدية في العالم، على التوقعات لتحقق أعلى إيراداتها على الإطلاق في الربع الرابع من عام 2024.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
الاقتصاد ورقة نقدية من فئة 5 دولارات مع علم أميركي في الخلفية (رويترز)

الدولار يواصل هيمنته في بداية 2025

سجَّل الدولار أعلى مستوياته في أشهر عدة مقابل اليورو والجنيه الإسترليني، يوم الخميس، وهو أول يوم تداول في عام 2025، مستمداً قوته من مكاسب العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن - سنغافورة )

«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
TT

«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)

علَّق البنك المركزي الصيني شراء سندات الخزانة يوم الجمعة، مما رفع العائدات لفترة وجيزة وأثار تكهنات بأنه يكثف دفاعه عن عملة اليوان التي تتراجع منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وتقطع هذه الخطوة خمسة أشهر من الشراء، وتتزامن مع موجة بيع شرسة في أسواق السندات العالمية، مما يشير إلى أن بنك الشعب الصيني يحاول أيضاً ضمان ارتفاع العائدات في الداخل بالتوازي، أو على الأقل وقف الانخفاض، كما يقول المحللون.

وعقب الإعلان عن الخطوة، ارتفعت العائدات التي تتحرك عكسياً مع أسعار السندات، رغم أن أسعار الفائدة القياسية لأجل عشر سنوات كانت أقل قليلاً بحلول المساء.

ويشير التحول في السياسة واستجابة السوق الحذرة، إلى محاولة بنك الشعب الصيني إحياء النمو الاقتصادي من خلال الحفاظ على ظروف نقدية ميسرة في حين يحاول أيضاً إخماد ارتفاع السندات الجامح، وفي الوقت نفسه استقرار العملة وسط حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

وقال محللون في «كومرتس بنك» في مذكرة: «لقد أشار البنك إلى استعداده لتخفيف السياسة بشكل أكبر... ومع ذلك، فإن ضعف اليوان بسبب الدولار القوي واتساع الفارق مع أسعار الفائدة الأميركية من شأنه أن يعقد موقف بنك الشعب الصيني».

واستشهد بنك الشعب الصيني بنقص السندات في السوق كسبب لوقف عمليات الشراء، والتي كانت جزءاً من عملياته لتخفيف الأوضاع النقدية وتعزيز النشاط الاقتصادي.

وكان عائد سندات الخزانة الصينية لأجل عشر سنوات قد ارتفع في البداية أربع نقاط أساس، لكنه انخفض في أحدث تداولات بأكثر من نصف نقطة أساس إلى 1.619 في المائة. وارتفع اليوان قليلاً رغم أنه كان يتداول عند مستوى ثابت حول 7.3326 يوان مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له في 16 شهراً.

وقال كين تشيونغ، كبير استراتيجيي النقد الأجنبي الآسيوي في بنك «ميزوهو»: «أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة اليوان هو اتساع فجوة العائد بين الصين والولايات المتحدة، لذا فإن البنك المركزي يرسل إشارة إلى السوق بأن معدل العائد من غير المرجح أن ينخفض ​​أكثر».

وقال البنك المركزي الصيني في بيان إنه سيستأنف شراء السندات عبر عمليات السوق المفتوحة «في الوقت المناسب حسب العرض والطلب في سوق السندات الحكومية».

وكانت أسعار السندات في الصين في ارتفاع مستمر منذ عقد من الزمان - وهو الارتفاع الذي بدأ في الزيادة منذ ما يقرب من عامين حيث تسببت مشكلات قطاع العقارات وضعف سوق الأسهم في تدفق الأموال إلى الودائع المصرفية وسوق الديون.

وهذا الأسبوع شهدت السوق موجة بيع عالمية، والتي زادت بفضل الطلب الذي لا يقاوم على الأصول الآمنة ومراهنات المستثمرين على المزيد من خفض أسعار الفائدة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وحذر بنك الشعب الصيني لشهور من مخاطر الفقاعة مع انخفاض العائدات طويلة الأجل إلى مستويات قياسية متتالية، على الرغم من أن السلطات في الوقت نفسه توقعت المزيد من التيسير. وهبطت العملة بنحو 5 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى المخاوف من أن تهديدات ترمب بفرض تعريفات تجارية جديدة ستزيد من الضغوط على الاقتصاد الصيني المتعثر.

وقال هوانغ شيويفينغ، مدير الأبحاث في شركة «شنغهاي أنفانغ برايفت فاند كو» في شنغهاي، إنه يتوقع استمرار الاتجاه الهبوطي في عائدات السندات مع «استمرار السوق في التعامل مع وضع التكالب على الأصول»، حيث يوجد نقص في فرص الاستثمار الجيدة... ويوم الجمعة، نقلت «فاينانشيال نيوز»، وهي مطبوعة تابعة لبنك الشعب الصيني، عن أحد خبراء الاقتصاد قوله إن السوق يجب أن تتجنب التوقعات المفرطة بشأن تخفيف السياسة النقدية.

وفي الأسواق، أنهت أسهم الصين وهونغ كونغ الأسبوع على انخفاض مع امتناع المتداولين عن زيادة استثماراتهم في السوق وانتظار تدابير تحفيزية جديدة من بكين.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» الصيني ومؤشر «شنغهاي المركب» على انخفاض بنحو 1.3 في المائة يوم الجمعة. وانخفض مؤشر هانغ سنغ القياسي في هونغ كونغ 0.9 في المائة. وعلى مستوى الأسبوع، انخفض مؤشر «سي إس آي 300» بنسبة 1.1 في المائة، بينما انخفض مؤشر هانغ سنغ بنسبة 3.5 في المائة.

وقال محللون بقيادة لاري هو، من مؤسسة «ماكواري» في مذكرة: «السؤال الرئيسي في عام 2025 هو مقدار التحفيز الذي سيقدمه صناع السياسات. سيعتمد ذلك إلى حد كبير على تأثير التعريفات الجمركية، حيث سيفعل صناع السياسات ما يكفي فقط لتحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي. ويشعر عدد قليل من المستثمرين أن السوق صاعدة، حيث تظل أرباح الشركات ضعيفة وسط ضعف الطلب المحلي. والرأي السائد هو أن السيولة ستصبح أكثر مرونة في عام 2025 ولكن النمو الاسمي سيظل بطيئاً».