إجراءات يمنية لإنقاذ العملة وسط استمرار الاحتجاجات الشعبية

هادي يغادر إلى أميركا ويوجّه الحكومة بمعالجة أزمة ارتفاع الأسعار

يمنيون أمام مدخل بنك في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)
يمنيون أمام مدخل بنك في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)
TT

إجراءات يمنية لإنقاذ العملة وسط استمرار الاحتجاجات الشعبية

يمنيون أمام مدخل بنك في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)
يمنيون أمام مدخل بنك في مدينة عدن أمس (أ.ف.ب)

استمرت أمس لليوم الثاني موجة الغضب الشعبي في عدد من المناطق اليمنية احتجاجاً على تهاوي سعر العملة المحلية (الريال) وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وذلك غداة اجتماع طارئ عقده الرئيس عبد ربه منصور هادي في الرياض قبيل مغادرته إلى الولايات المتحدة لإجراء فحوص طبية وحضور الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وضم الاجتماع الطارئ نائب الرئيس الفريق علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة أحمد بن دغر ورئيس اللجنة الاقتصادية حافظ معياد، وأعضاء اللجنة المشكلة حديثا من قبل الرئيس هادي في سياق سعيه لإجراء معالجات شاملة للاقتصاد المتهاوي في بلاده.
واتسعت موجة الغضب الشعبي أمس لتشمل مناطق جديدة في جنوب البلاد، حيث شهدت مدينة سيئون في حضرموت احتجاجات غاضبة، وقطع المئات من المحتجين الشوارع في عدد من مدن محافظة أبين، في الوقت الذي تواصلت موجة الغضب في مدن عدن والضالع ولحج وتعز.
وأدت الاحتجاجات في عدن أمس إلى إغلاق الشوارع بالإطارات المشتعلة والحجارة، وسط إغلاق للمحلات التجارية وشل للحركة في أرجاء المدينة، مع ترديد المحتجين شعارات تندد بتهاوي سعر الريال اليمني وارتفاع أسعار السلع ومطالبات للحكومة الشرعية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وحاول المحتجون في سيئون اقتحام البوابة الرئيسية للمجمع الحكومي، وقطعوا الطرقات في المدينة في سياق ردود الفعل الشعبية الغاضبة بسبب انهيار الريال وتجاوزه حاجز الـ600 ريال أمام الدولار الواحد، وما نجم عن ذلك من ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية.
وأفادت مصادر حكومية لـ«الشرق الأوسط» بأن الاجتماع الرئاسي مع اللجنة الاقتصادية أقر اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة، ضمنها محاولة امتصاص غضب الموظفين الحكوميين بإعلان زيادة الرواتب 30 في المائة إلى جانب إقرار وقف استيراد السلع الكمالية سعيا لعدم استنزاف العملة الصعبة.
وذكرت المصادر أن الرئيس هادي وجه الحكومة واللجنة الاقتصادية بوضع الحلول اللازمة من أجل تدارك الموقف الاقتصادي الصعب في البلاد، والعمل على تهيئة الظروف لاستئناف تصدير النفط والغاز بالطاقة القصوى من حقول الإنتاج في حضرموت ومأرب وشبوة، إلى جانب تفعيل الإيرادات الضريبية والجمركية وتقليص الإنفاق الحكومي غير الملح.
وقالت المصادر إن الرئيس هادي كلف رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر واللجنة الاقتصادية بوضع مجموعة من الإجراءات والعمل على تنفيذها في أسرع وقت لوقف الانهيار المستمر في سعر العملة بسبب أوضاع الحرب وسلوك الميليشيات الحوثية المستمرة في المضاربة بالعملة الصعبة واكتنازها للأغراض غير المشروعة.
وبحسب مصادر حكومية رفيعة تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، استدعى بن دغر أعضاء حكومته إلى الرياض لعقد اجتماع طارئ من أجل وضع الحلول المناسبة لإنقاذ الريال الذي خسر خلال ثلاث سنوات من الانقلاب الحوثي نحو ضعفي قيمته، حيث كان الدولار الواحد يساوي 215 ريالا، مقابل 620 ريالا سجلها سعر الصرف أمس في غالبية المدن اليمنية.
وأكدت المصادر أن الرئيس هادي شدّد على الحكومة واللجنة الاقتصادية لتكون في حالة انعقاد دائم من أجل تهدئة الغليان الشعبي واتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادة الأوضاع الاقتصادية إلى ما كانت عليه قبل التهاوي السريع في سعر العملة خلال الأشهر الأخيرة.
وذكرت المصادر الرسمية أن الرئيس هادي غادر إلى الولايات المتحدة الأميركية عقب الاجتماع لإجراء الفحوص الطبية الروتينية السنوية وللمشاركة في اجتماعات الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. وأفادت وكالة «سبأ» بأن رئيس الجمهورية وجه خلال الاجتماع «الجميع بالعمل بصورة فاعلة وعاجلة وسريعة من خلال دراسة الحالة الاقتصادية ووضع التدابير الكفيلة بعودة الاستقرار التمويني والغذائي والخدماتي إلى وضعها الطبيعي والوقوف بحزم أمام مختلف الاختلالات والظواهر التي أسهمت وشجعت على التلاعب بمعيشة المواطن واستقرار المجتمع والوطن». وأشار الرئيس هادي إلى حجم التحديات والمخاطر التي تواجه بلاده في ظل الحرب التي تشنها الميليشيات الحوثية الانقلابية وما ترتب عليها «من أضرار بالاقتصاد الوطني وإيرادات الدولة واحتياطات البنك المركزي الذي صادرته تلك الميليشيات لمصلحة مجهودها الحربي».
وشدد الرئيس اليمني على ضرورة التركيز على محورين مهمين يتمثل الأول في تنمية الإيرادات، وذلك من خلال اتخاذ كافة الإجراءات في مختلف المجالات بما يؤدي لتوريد كافة إيرادات الدولة إلى البنك المركزي مثل الضرائب والجمارك وغيرها من الإيرادات، إلى جانب العمل على تصدير النفط من كل الحقول في مأرب وشبوة وحضرموت عبر ميناء النشيمة وميناء الضبة، والبدء بتصدير الغاز عبر بلحاف. وأضاف الرئيس هادي أن المحور الثاني يتمثل في المصروفات والعمل على وضع تصور لإجراءات تحد من المصروفات وتحديد الأولويات وإيقاف أي نفقات ثانوية وتفعيل أجهزة الرقابة على المال العام.
وأقر الاجتماع، طبقا لما أوردته وكالة «سبأ»، زيادة في مرتبات القطاع المدني بما في ذلك المتقاعدين والمتعاقدين في حين كلف هادي رئيس الوزراء بن دغر بمتابعة هذا الملف مع الفريق الاقتصادي واللجنة الاقتصادية لإيجاد الحلول العاجلة.
وكانت أسعار السلع الغذائية بلغت في اليومين الأخيرين مستويات غير مسبوقة لا سيما المواد الأساسية، بسبب انخفاض سعر العملة المحلية أمام العملات الصعبة وإحجام تجار الجملة عن البيع لجهة مخاوفهم من عدم استقرار سعر الريال واستمراره في التهاوي.
وسبق أن لجأ البنك المركزي في عدن إلى اتخاذ عدد من الإجراءات، لتثبيت سعر الريال، بما في ذلك إعلانه عن التدخل المباشر في السوق المصرفية واعتماده على الحل الأمني لملاحقة وإغلاق محلات الصرافة غير المرخصة، وكذا إعلانه العودة إلى دعم السلع الأساسية المستوردة، غير إن كل تلك الإجراءات لم تفلح في كبح جماح التهاوي السريع في قيمة العملة المحلية.
ويرجح مراقبون أن انخفاض سعر الريال اليمني سيستمر ما لم تبادر الحكومة إلى ضبط عملية الطلب على العملة الصعبة، وتنمية الموارد المحلية والعودة إلى تصدير النفط والغاز من كافة الحقول الإنتاجية، واتخاذ إجراءات تكفل عدم استمرار المضاربة في العملة.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.