همّش قادة الحرس الثوري الإيراني سلطات مدنية خلال الشهر الماضي بشكل كبير لاختبار وتوجيه علاقات طهران مع واشنطن، وأصدروا إنذاراً نهائياً للرئيس الإيراني حسن روحاني بشأن إدارة الحكومة للشأن الاقتصادي. ولقد هدّد الحرس الثوري أثناء احتجاجات مناهضة للحكومة على خلفية الوضع الاقتصادي المتأزم، وقبيل العقوبات الأميركية، بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، في حين تنتشر الشائعات في عموم إيران باحتمال تأسيس الحرس الثوري نظاماً استبداديا عسكرياً بالكامل. وفي المقابل، لا يستبعد، ظهور تصدعات داخل قيادة الحرس الثوري التي تبدو في العادة متماسكة. مع أنه، يجب أولا توضيح خلفية الأمر، وبخاصة أن تدخل الحرس الثوري في الشؤون السياسية والتجارية الإيرانية ظل ممتداً على فترة طويلة.
كان المرشد الأعلى الإيراني الراحل آية الله روح الله الخميني هو من أنشأ الحرس الثوري الإيراني عام 1979 للتصدي لأي انقلاب عسكري من جانب الجيش، وإحكام هيمنته على الجماعات المتنوعة التي قادت الثورة ضد الحكم الملكي، وحماية اسم «الثورة الإسلامية». وكان على الحرس الثوري من الناحية الدستورية «الدفاع عن الثورة وإنجازاتها»، وهذه عبارة غامضة اختار الحرس الثوري تأويلها بشكل فضفاض منذ ذلك الحين للتدخل في المجال العسكري وغير العسكري. وبعد وفاة الخميني، وصعود «خلفه» علي خامنئي، رجل الدين الآتي من القيادات الوسيطة، إلى سدة الحكم عام 1989. اتسع نفوذ الحرس الثوري كثيراً، إذ اعتمد عليه خامنئي في تدعيم سلطته وتوطيدها، ما أسفر عن علاقة تكافلية - تعاضدية.
سيطرت شبكة محكمة للغاية من المحاربين القدامى، الذين شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية (حرب الخليج الأولى) (1980 - 1988)، على المواقع القيادية في الحرس الثوري الإيراني. وظلت هذه الشبكة متماسكة طوال فترة الاضطراب السياسي التي سادت إيران، والتغيرات في قيادة الجيش حتى بداية عام 2010. على الأقل بحسب ما يوضح الخبير الأميركي ويل فولتون، تفصيلا في «شبكة قيادة الحرس الثوري الإيراني».
وسّع الحرس الثوري نطاق نفوذه السياسي كثيراً بعد عرضه عضلاته في حقبة التسعينات بعد نجاح حركة «الإصلاح». ونظر الحرس الثوري والمتشددون إلى تلك الحركة، التي كانت تدعو إلى تخفيف القيود الاجتماعية والسياسية وتحسين العلاقات مع العالم، باعتبارها خطراً مهلكاً يهدد الثورة، وإلى الداعين إليها باعتبارهم عملاء للغرب. وخلال الاحتجاجات الطلابية عام 1999. كتب قادة الحرس الثوري خطاباً مفتوحاً إلى محمد خاتمي، الرئيس الإيراني آنذاك، يحذرونه فيه من تدخلهم في حال عجزه عن السيطرة على الاحتجاجات. وأقدمت المؤسسات غير المنتخبة التابعة للحرس الثوري، والتي يهيمن عليها المتشددون، على «تطهير» هيئات الانتخاب من «الإصلاحيين» بحلول عام 2005. وبعد ذلك ساعد الحرس الثوري في انتخاب أحد أفراد الحرس الثوري القدامى، هو محمود أحمدي نجاد، رئيساً للجمهورية. وكذلك تولى الحرس قيادة حملات التنكيل بالإيرانيين الذين اعترضوا على الانتخابات المزوّرة عام 2009.
أثارت الاحتجاجات واسعة النطاق في نهاية عام 2017 وبداية 2018، وامتدت لنحو سنة وبدت كمؤشر لإرهاصات ثورة، قلقَا عميقاً في صفوف قيادة الحرس الثوري. كان غضب الإيرانيين من الإدارة الفاشلة للبلاد، وخاصة رفضها للإصلاح، هو القوة الدافعة المحركة لتلك الاحتجاجات. وخلص الباحث ميساغ بارسا في قراءته «الديمقراطية في إيران» إلى أن الدول والمجتمعات «كانت تحل صراعاتها تاريخياً باختيار أحد مسارين: إما الثورة أو الإصلاح، وإيران في طريقها نحو تبني المسار الثاني». ومن ثم سرت شائعات عن محاولات من الحرس الثوري بمحاولات للسيطرة بالكامل على البلاد عقب تباطؤ خطى الاحتجاجات، وأطلق أفراد الحرس القدامى الدعوة إلى اختيار رجل عسكري لشغل منصب الرئيس باعتبار ذلك هو الملاذ الأخير لإنقاذ النظام.
- الأزمة الحالية
اليوم، تتزامن الأزمة الداخلية مع حملة جديدة مما يوصف بـ«حرب اقتصادية» أميركية ضد إيران، ففي بداية شهر مايو (أيار) أعلن الرئيس دونالد ترمب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على إيران. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أصدر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، قائمة تتضمن 12 طلباً موجهاً إلى إيران منها وقف تخصيب اليورانيوم، ومنع انتشار الصواريخ الباليستية، والامتناع عن دعم جماعات من بينها حزب الله والحوثيون وطالبان، والانسحاب من سوريا كلياً. وصرح بومبيو قائلا: «سوف يتم إجبار إيران على الاختيار بين النضال من أجل الإبقاء على اقتصادها قائماً في الداخل، أو مواصلتها إهدار ثروة كبيرة على حروب في الخارج. لن يكون لديها موارد للقيام بالأمرين معاً».
وفي خضم الأزمات الداخلية والخارجية المتداعية، نشرت صحيفة «جافان» اليومية المرتبطة بالحرس الثوري في مايو (أيار) مقابلة طويلة، وعميقة على نحو مفاجئ، مع شخصية أكاديمية محافظة مؤيدة للحرس الثوري، وشخصية أخرى إصلاحية عن «محاسن ومثالب تولي رجل عسكري منصب الرئاسة»... واتفق الرجلان على أن القول بأن السياسة الإيرانية وصلت إلى طريق مسدود. إذ قال الأكاديمي المحافظ إن إيران «تتحول حالياً من دولة استبدادية إلى حكم استبدادي عسكري، يستطيع فيه رجل قوي تحقيق «نهضة» تؤدي في النهاية إلى الديمقراطية». إلا أنه لم يُشر مباشرة إلى الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس، على أنه ذلك «الرجل القوي»، بل قال إن الجيل الجديد من أعضاء قوات الـ«باسيج»، الذي يدرس له في الجامعة «أكثر توجها نحو الإصلاح من المفكرين»، و«يتعاونون مع مؤسسة الحرس الثوري». وبالتالي، وفق الأكاديمي المحافظ، «يمكن لذلك النظام الاستبدادي العسكري أن يكون بمثابة صدمة كهربائية تنعش المريض الميت وهو إيران، وتعيده إلى الحياة».
على الجانب الآخر، أثار تهديد إدارة ترمب بمنع إيران من تصدير النفط تماماً قلق مسؤولين إيرانيين بارزين. ففي 22 يوليو (تموز) قال الرئيس الإيراني حسن روحاني «على الأعداء أن يفهموا أن الحرب ضد إيران هي أصل كل الحروب، والسلام معها هو أصل السلام». وأردف أن طهران قادرة على إغلاق «مضايق أخرى» إلى جانب مضيق هرمز إذا كانت الولايات المتحدة تريد منع صادرات النفط الإيرانية.
وفي اليوم ذاته، حذر الرئيس ترمب عبر حسابه على موقع «تويتر» قائلاً «إذا هددتم الولايات المتحدة مرة أخرى فستعانون من عواقب عانى منها قلة قبلكم عبر التاريخ». وعلى الأثر وبّخ قادة ومسؤولون إيرانيون الرئيس الأميركي، وأعربوا عن دعمهم لروحاني. وبعد إعلان المملكة العربية السعودية في 25 يوليو (تموز) تعليقها نقل شحنات النفط عبر مضيق باب المندب مؤقتاً إثر استهداف ناقلتي نفط بصواريخ موجهة من الحوثيين، كرّر الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، التهديد بإغلاق نقاط تفتيش استراتيجية زاعماً أن «كل ممرات نقل النفط تقع في نطاق سيطرة إيران»، مضيفاً أن «التهديد الأميركي بمنع صادرات النفط الإيرانية كلياً بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) غير واقعي».
في اليوم نفسه ألقى سليماني خطاباً قوياً نُشر على نطاق واسع قال فيه «يا سيد ترمب، لا تسمح كرامة الرئيس بالردّ عليك، لكنني سأرد عليك كجندي. أنا أقف ضدك... لم يعُد البحر الأحمر مكاناً آمناً للوجود الأميركي. يقف فيلق القدس في مواجهة الجيش الأميركي». كذلك أعلنت شخصيات إيرانية متشددة ومؤيدة للحرس الثوري دعمها لخطاب سليماني بحماسة رغم اعتراض البعض على تهميش سليماني للمؤسسة الدبلوماسية المدنية. وعلّق حجة الإسلام محمد جواد حجتي كرماني، العضو السابق في «مجلس خبراء القيادة»، الذي يتولى اختيار المرشد الأعلى والإشراف عليه، من منزل سليماني في محافظة كرمان، بتهذيب قائلا إن «الجنرال (سليماني) قد همّش وأقصى المؤسسة الدبلوماسية المدنية في الجمهورية الإسلامية». ونشرت وكالة أنباء «فارس»، التابعة للحرس الثوري، بياناً ينفي «الشائعات» بأن خامنئي قد وبّخ سليماني على خطابه.
- تناقض مواقف الحرس الثوري
وفي 29 يوليو نشر الموقع الإلكتروني للمرشد الأعلى علي خامنئي مقال رأي أشاد بتهديد روحاني، ومنه قوله «إذا لم يتم السماح لإيران بتصدير النفط، فلن تتمكن أي دولة في المنطقة من تصدير النفط». وجاء في مقال الرأي أن دعم خامنئي المتواصل لروحاني يعتمد على مواقفه تجاه «مؤامرة الحكومة الأميركية» وأنه متفق مع المسؤولين ولا «يبعث رسائل مختلطة إلى الأجانب». هذا، ورغم رفض البعض استبعاد توتر محدود في مضيق هرمز في حال خفض صادرات إيران من النفط إلى الصفر، فإن احتمال حدوث هذا التوتر، وفق مراقبين، ضعيف جداً. وللعلم، صرحت الصين بأنها لن تمتنع عن استيراد النفط من إيران بالكامل، وإن ذكرت أنها ستجعل حدود الواردات 800 ألف برميل يومياً. كذلك منحت الولايات المتحدة الهند إعفاءً في حال خفض وارداتها من النفط الإيراني إلى النصف. وفي أي حال، يتوقع المحللون في سوق النفط أن تنخفض صادرات إيران النفطية بمقدار مليون برميل ويتراوح حجمها في حدود المليون برميل.
ثم، في اليوم التالي، أي 30 يوليو، وجه الجنرال جعفري خطاباً مفتوحاً إلى روحاني بشأن توجهه فيما يتعلق بالاقتصاد، قال فيه «الدعم الكبير غير المسبوق» من جانب الحرس الثوري لتصريحات روحاني الحادة الموجّهة إلى الولايات المتحدة لن تعفيه من اتخاذ موقف «ثوري» بشأن الاقتصاد الذي يتدهور بخطى سريعة. ودعا جعفري روحاني إلى وضع حد للارتفاعات الحادة في أسواق النقد الأجنبي والعملات الذهبية، ومعالجة «الضعف» في الإدارة الاقتصادية التي يمارسها المسؤولون لعل «شعاع الأمل يشرق في قلوب المؤمنين». وفي اليوم ذاته أثار العرض، الذي قدمه الرئيس ترمب بإجراء مفاوضات «دون شروط مسبقة»، شعوراً بالصدمة في إيران، إذ رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إجراء مفاوضات مباشرة بين روحاني وترمب، وفي إشارة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وصف المتحدث الرئيس الأميركي أنه «لا يعوّل عليه». وعلى الجانب الآخر، رأى كثيرون من الإيرانيين من خلال وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أن على القيادة قبول عرض ترمب. ووافق بعض المسؤولين على ذلك التوجّه، أو على الأقل مناقشة الأمر في «المجلس الأعلى للأمن القومي».
ومع تباين ردود الأفعال، أصدر جعفري خلال يوم واحد (31 يوليو) خطاباً مفتوحاً آخر، لكنه كان موجهاً هذه المرة إلى ترمب قال «إيران ليست مثل كوريا الشمالية حتى توافق على طلبك... اعلم أن الأمة الإيرانية لن تسمح لمسؤوليها بالتفاوض مع الشيطان الأعظم ومقابلته... لن يتحقق أبدا حلمك بطلب مسؤولي الجمهورية الإسلامية من أمتهم الاجتماع بك، أو الحصول على تصريح لمقابلتك... اعلم أن هذا حلم سوف يصاحبك حتى نهاية رئاستك، وحتى القادة الأميركيين المستقبليين لن يروه وهو يتحقق». كذلك كتب جعفري «تدعم كل من الدولة والحكومة الإيرانية العظيمتين إحداهما الأخرى، وستظلان صامدتين حتى تحقيق النصر الكامل وإلحاق الهزيمة النكراء بالنظام المهيمن المتغطرس (الغرب) من خلال الاعتماد على الوعد الإلهي، والقائد العظيم، والموارد الداخلية، والاحتياطي الضخم الذي وهبه الله لهما، والقدرة على مقاومة العقوبات الظالمة واللاإنسانية التي فرضتموها». مع ذلك لم تكن ردود الأفعال تجاه خطاب جعفري إلى ترمب بحماسة ردود الفعل تجاه خطاب سليماني، والخطاب الأول لجعفري، خاصة في دوائر الحرس الثوري. كذلك لم يحظَ الخطاب إطلاقاً بتغطية في المنابر الإعلامية الرسمية للحرس الثوري، مثل صحيفة «صبح صادق» الأسبوعية. بل إن موقع «سيفا نيوز» محا الخطاب. غير أن بعض المنابر الإعلامية الأخرى المرتبطة بالحرس الثوري نشرته. وكانت ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي هادئة مقارنة بردود الأفعال تجاه خطاب سليماني. ومن ثم، أشار مسؤولون إلى أن الخطاب كان مبادرة من جعفري، ولم يسبق مناقشته مع مسؤولين آخرين. وتجدر الإشارة أنه قبل يومين من الخطاب الثاني أوضح حشمت الله فلاح بيشه، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، سبب ردّ سليماني، وليس قائد الحرس الثوري (جعفري) على ترمب، قائلا بأن سليماني يتحدث عن ساحة معركة «هزمنا فيها الأميركيين». وفي حين قال بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، لوسائل الإعلام بأنه «لم يكن على علم» بأمر الخطاب حتى وقت نشره، أدان علي مطهري، نائب رئيس البرلمان، خطاب الجعفري. وبعدما كان مطهري سابقاً قد وافق على الرأي القائل بأن التفاوض في الوقت الحالي سيكون أمراً مهيناً، فإنه أخبر رئيس الحرس الثوري أن التفاوض في المستقبل يعتمد على قرارات يتخذها مسؤولون مدنيون. كذلك علّق كثيرون من الإيرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي على جعفري بالقول «إنه يتجاوز حدوده».
- جعفري... إلى أين؟
تشير ردود الأفعال هذه، وبخاصة من الحرس الثوري، وبقوة إلى أن خطاب الجعفري جاء بمبادرة منه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مدة عمل جعفري كقائد للحرس الثوري البالغة 10 سنوات انتهت العام الماضي، إلا أنه جرى تمديدها لثلاث سنوات أخرى. وعليه، ينم توقيت ومحتوى خطابه عن محاولته المشاركة في المشهد السياسي بعد خطاب سليماني القوي، بينما تقوى الشائعات عن تأهب سليماني، أكثر قادة الحرس الثوري شعبية، للترشح للرئاسة وفي هذا الشأن تشير كل المعطيات إلى أنه لن يواجه منافسة حقيقية. وهذا، قد يعني أن جعفري يحاول الحفاظ على منصبه الحالي، أو يتطلع نحو منصب الرئيس. وفي الحالتين يوجد مؤشرات على التهميش والإقصاء العسكري للمؤسسات المدنية.
في هذه الأثناء، يزداد احتمال سيطرة الحرس الثوري على الوضع الإيراني كلياً من خلال الرئاسة في ظل تعقد وتدهور الأزمات الداخلية والخارجية للبلاد. ومعلوم أن خامنئي وضع نفسه حالياً في مأزق برفضه القاطع إجراء محادثات مع إدارة ترمب رغم تلميحه إلى أنه سيكون منفتحاً على إجراء محادثات مع إدارة أخرى. ويشعر «المرشد الأعلى» أن التفاوض «خط أحمر» في ظل الشروط الـ12 للإدارة الأميركية، ومنها وقف اختبارات الصواريخ النووية، والامتناع عن دعم جماعات مثل حماس وحزب الله. ومن جهة ثانية، هناك كلام غير مؤكد أن مسؤولين أميركيين سابقين في إدارة باراك أوباما نصحوا مبعوثين إيرانيين أخيراً بالانتظار حتى يأتي رئيس آخر. وحسب هذا الكلام، أدرك مسؤولو إدارة ترمب هذا الأمر، وأعلنت «مجموعة العمل الإيرانية» الجديدة في وزارة الخارجية الأميركية في 16 أغسطس (آب) اعتزامها تنسيق وشنّ حملة ضغط قصوى.
وهذا، ما من شأنه زيادة الأمور في إيران سوءاً، وبالأخص أن وضعها الداخلي اليوم ضعيف للغاية مقارنة بوضعها أثناء فرض العقوبات السابقة بين عامي 2012 و2013.
في ضوء ما سبق، يمكن للرئيس الإيراني المقبل اختيار مسار من اثنين: إما إحداث تغييرات أساسية وجذرية تحولية للتعامل مع مظالم الشعب، أو مواصلة السير في الطريق نفسه مع زيادة الظلم والقمع. وفي حين قد يعجّل المسار الأخير بنهاية النظام، قد ينجح المسار الأول في إطالة عمر النظام من خلال التعامل مع المظالم، خاصة، في ظل إدارة الحكومة حملة دعائية تحذر من تحوّل إيران إلى سوريا أخرى. ومن جهة أخرى، قلة من المراقبين يشكون بألا يكون لقادة الحرس الثوري تأثير كبير على اختيار «المرشد الأعلى» المقبل، وهذا ما يجعله مديناً لهم ولغيرهم من مراكز القوى الرئيسية، وهو ما سيدفعه نحو زيادة نفوذ وسلطة الحرس الثوري. مع ذلك، في النهاية، واجهت الثورة كل الحكومات التي لم تنجح في التعامل مع مطالبات شعبها ومع الصراعات، ومطالبة الإيرانيين بتمثيلهم سياسيا... وعليه، يوشك طريق إيران نحو الديمقراطية أن يصبح أكثر وعورة.
- خياران لطهران للخروج من مأزقها الحالي
> يرى المراقبون أن أمام القيادة الإيرانية خيارين للخروج من هذا المأزق: الأول هو التفاوض مع الولايات المتحدة، والثاني هو التمسك بالحياة.
خامنئي استبعد الخيار الأول في بوجود الإدارة الأميركية الحالية. والواضح أن الظروف الاقتصادية والسياسية في إيران مرشحة للتفاقم مع العودة إلى فرض العقوبات على البلاد، والتضييق الأميركي على النظام. ومن ثم، يتوقع تزايد الهجمات على حسن روحاني مع قرب انتهاء فترته الرئاسية الثانية، ما قد يدفعه للعمل مع الحرس الثوري لإدراكه أن النظام بأكمله يواجه خطر الفناء. وهنا، ذهب سعيد حجاريان، المنظّر والمفكر الإصلاحي البارز، بالفعل إلى القول باحتمال تعيين مسؤولين عسكريين في «حكومة الأزمة» التي يختارها روحاني للتعامل مع القضايا العميقة. وسيكون ذلك بالفعل بمثابة نصف هيمنة. من جهة أخرى، يمكن للحرس الثوري حينها دعم مرشح رئاسي مفضل له. ذلك السيناريو محتمل حتى إذا اضطرت طهران إلى اختيار مبدأ «المنفعة» والدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة.
- باحث إيراني – أميركي متخصص في الشؤون الإيرانية