تونس: اتساع عجز الميزان التجاري وأنباء عن «صعوبات» مع صندوق النقد

فيما تواترت أنباء أمس حول خلافات بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن موعد صرف الشريحة التالية لقرض من الصندوق، كشف المعهد التونسي للإحصاء عن ارتفاع عجز الميزان التجاري التونسي إلى نحو 1.781 مليار دينار تونسي (نحو 660 مليون دولار) إلى حدود نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي، وهو ما أعاد إلى الأذهان حزمة الإصلاحات التي تعمل السلطات التونسية على تنفيذها لإيقاف نزف النقد الأجنبي، الذي لم يعد يغطي سوى 70 يوما من الواردات.
وأكدت بيانات المعهد نمو الصادرات التونسية بنسبة 23.3 في المائة خلال نفس الفترة من السنة، في حين أن الواردات زادت بدورها بنسبة 20.8 في المائة، غير أن هذا التطور لم يكن كافيا لكبح جماح الأسعار على المستوى الداخلي، والتقليص من نسبة التضخم السائرة نحو الصعود.
وفي غضون ذلك، يبدو أن هناك خلافات بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن موعد صرف الشريحة التالية لقرض من الصندوق، بعد أن عطل نزاع داخل الحكومة الائتلافية الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، بحسب «رويترز».
وستحدد نتيجة المحادثات مصير شريحة تبلغ 250 مليون دولار من قرض حجمه 2.8 مليار دولار، والأهم من ذلك، ما إذا كانت تونس ستبيع سندات دولية بمليار دولار العام القادم أم لا.
ويضغط الصندوق على تونس لتقليص عجز الميزانية وزيادة أسعار الوقود والكهرباء لموازنة أثر ارتفاع أسعار النفط الذي يضغط على المالية العامة المتضررة بالفعل. وقفزت معدلات التضخم والبطالة مقتربة من مستويات قياسية.
وهناك بعثة لصندوق النقد في تونس منذ نحو أسبوعين لمناقشة كيفية توفير مليار دينار (364.51 مليون دولار) هذا العام نظرا لارتفاع أسعار النفط أكثر مما كان متوقعا.
وكان الصندوق الذي مقره واشنطن غير متشدد في تقديم شرائح القروض إلى تونس، إقرارا منه بالتحول الديمقراطي الذي شهدته البلاد منذ 2011 وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على مراجعة قرض في وقت سابق هذا العام، ويباشر الصندوق حاليا مراجعة التقدم الاقتصادي المحقق كل ثلاثة أشهر.
وقال عز الدين سعيدان المحلل الاقتصادي المحلي: «أصبح صندوق النقد الدولي أكثر تشددا في هذه المفاوضات، وقد أوضح أنه لن يصرف الشريحة (التالية) ما لم تُنفذ شروطه».
وأوقف الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ خططا لبيع شركات حكومية مثل الخطوط التونسية التي يعمل بها ثمانية آلاف موظف، لكنها أوقفت تشغيل طائرات لعدم قدرتها على شراء قطع الغيار.
وبحسب «رويترز»، تقوضت سلطة رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد من محاولات حزبه الحاكم نداء تونس إزاحته، لكن حزب النهضة الإسلامي المشارك في الحكومة الائتلافية رفض ذلك، إلا أنه لا يريده أن يخوض انتخابات العام القادم. ويقول المحللون إن هذا يمنع رئيس الوزراء من اتخاذ قرارات جريئة.
والخيار الوحيد أمام الحكومة في زيادة الضرائب وخفض الدعم على الوقود ومنتجات أخرى. ورفعت الحكومة أسعار الوقود ثلاث مرات هذا العام، لكن مصدرا قريبا من المحادثات قال إن صندوق النقد يريد تسريع الوتيرة إلى زيادات شبه شهرية ورفع أسعار الكهرباء. وتابع المصدر «إذا أقدمت الحكومة على ذلك، فستواجه احتجاجات في الشوارع».
ومن المنتظر أن تغادر بعثة صندوق النقد البلاد اليوم الجمعة. وقال مصدر مطلع لـ«رويترز» إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في الأسابيع القليلة القادمة، فسيكون من الصعب على الصندوق إعداد مقترح لقرض جديد حتى الاجتماع القادم لمجلسه في نهاية سبتمبر (أيلول).
وفي غياب تقرير من صندوق النقد يُظهر إحراز تقدم، فربما تضطر تونس لبيع سندات دولية بمليار دولار للمساهمة في تغطية العجز. وقال سعيدان: «يبدو أن الحكومة في موقف أشد تعقيدا عن ذي قبل، وبصفة خاصة بعد أن دخلت في مفاوضات مع الاتحاد العام للشغل في ضوء انخفاض القوة الشرائية. ربما ترفع الحكومة أسعار البنزين. لكن قد لا يكون ذلك كافيا للحصول على الشريحة التالية من القرض».
ونبه البنك المركزي التونسي في أحدث تقاريره إلى التأثيرات السلبية على النمو الاقتصادي في حال تواصل ارتفاع نسب التضخم. وقدر معدل التضخم في تونس بنحو 7.5 في المائة خلال الشهر الماضي، بعد أن كان مقدرا بنسبة 7.8 في المائة خلال يونيو (حزيران)، مسجلا بذلك أعلى مستوى له منذ سنة 1990.
وكان مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي قد توقع أن تستقر نسبة التضخم في حدود 8 في المائة طوال السنة الحالية؛ في حال نجاح مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية على غرار رفع نسب الفائدة المديرية وضبط قائمة مكونة من نحو 220 منتجا موردا لا تشجع المستثمرين على استيرادها، علاوة على مراجعة منظومة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه.
وأوصى صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة الحكومة التونسية باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الوضع المالي وتعديل الميزانية العامة، من بينها زيادة الإيرادات الضريبية، وكبح زيادات الأجور في القطاع العام.
على صعيد آخر، أكدت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (هيكل حكومي) ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 20 في المائة خلال السبعة أشهر الأولى من السنة الحالية، وقدر حجم الاستثمارات بنحو 1.345 مليار دينار تونسي، تنقسم إلى 1.268 مليار دينار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ونحو 77 مليونا من الاستثمارات غير المباشرة.
وسجل قطاع الخدمات أعلى نسبة تطور بنحو 73.1 في المائة، وحلت الاستثمارات الفلاحية في المرتبة الثانية بنسبة 52.5 في المائة، ثم الاستثمارات الصناعية بنسبة نمو قدرت بنحو 15 في المائة، واحتلت الاستثمارات في قطاع الطاقة مرتبة متأخرة بنسبة 13.1 في المائة فقط.
وفي هذا الشأن، قال مراد بلكحلة، الخبير الاقتصادي التونسي، إن ظهور بوادر انفراج على مستوى الاستثمارات الأجنبية قد يكون نتيجة تحسن مناخ الأعمال والاستثمار إثر سن قانون تونسي جديد للاستثمار منذ شهر أبريل (نيسان) 2017. وأضاف أنه «بعد سنة من تاريخ إقرار هذا القانون وصدور أوامره التطبيقية، من المحتمل أن تظهر نتائجه - ولو بصورة تدريجية».
ويقدم قانون الاستثمار الجديد الكثير من الإجراءات والحوافز التي تكرس مبدأ التشجيع على الاستثمار، من خلال حذف عدة تراخيص إدارية وضمان مبدأ النفاذ إلى السوق التونسية، كما ضبط القانون آجال إسناد التراخيص وأسباب رفضها، إلى جانب مراجعة كراسات الشروط وتبسيط الإجراءات الإدارية لفائدة المستثمرين المحليين والأجانب.