سنوات السينما: الدائرة (2009) بداية جيدة للمخرج الإماراتي نواف الجناحي

لقطة من «الدائرة».
لقطة من «الدائرة».
TT

سنوات السينما: الدائرة (2009) بداية جيدة للمخرج الإماراتي نواف الجناحي

لقطة من «الدائرة».
لقطة من «الدائرة».

هذا أحد الأفلام التي شهدت البداية الجديدة للأفلام الإماراتية الطويلة. أنجزه المخرج الشاب نواف الجناحي بموضوع بوليسي، لكن مع الرغبة في تجاوز النوع التشويقي وطرح معادلة اجتماعية ودرامية بديلة. وهو أحسن اختيار القصة التي يمكن لها أن تساعده على بلوغ هذا الهدف.
‫عصابة سرقة ستدخل بيت رجل يعاني من أزمات: لقد خدعه شريكه في العمل واستحوذ على نصيبه. صاحب البيت مريض بالسرطان أيضاً وسيموت عما قريب. لا يستطيع هذا الرجل (عبد المحسن النمر) إخبار زوجته بمحنته، لكن عندما يتعرّف على أحد أفراد العصابة التي سرقته، يتفق معه على سرقة شريكه لكي يوفر لزوجته التي يحب المال قبل رحيله.‬
في اللقطات الأولى لأفراد العصابة (من بينهم المخرج نواف الجناحي نفسه) وبسبب من الطريقة التي صوّر بها المخرج المشهد داخل السيارة والقائمة على زاوية منخفضة ونقلات بين الشخصيات في لقطات متوسّطة محشورة بين المقاعد وجوانب السيارة، يخلق المخرج توتّراً مقبولاً. سيناريو الجناحي يسعى بعد ذلك حثيثاً للبحث عن نافذة صحيحة لربط الحكايتين (الزوج والعصابة) ويجدها في قرار العصابة سرقة البيت في ليلة غابت فيها الزوجة (شهد مسك) وبقي الزوج وحده يفكر في معضلاته. الاتفاق بين الزوج المنهك ورجل العصابة (علي الجابري) لا يأتي هيناً، بل يؤسسه المخرج جيّداً في فصل من المشاهد داخل المنزل ويصبح مقنعاً بحدود المتوخّى منه والغرض الدرامي الانتقالي له٠
‫إذ تمضي القصّة لتتحدّث عن مفاجآت محدودة في إطار يميل إلى تأمّل الوقائع والظروف والشخصيات بدل الانجراف في تصعيد الحبكة البسيطة، يتبيّن للمرء أنه في مقابل حسنة المخرج المهمّة على جانب تصميم المشهد وتنفيذه بصرياً، تفلت من اليد خيوط العمل كإيقاع، كما يتعرّض السيناريو لبعض الأزمات في التفاصيل٠‬
على سبيل المثال، هناك مشهد ثانٍ طويل بين الزوج واللص يتم - هذه المرّة - في سيارة الأول. أهم ما يُقال خلاله كشف الزوج للص عن أنه مصاب بالسرطان، لكن كل الحديث الآخر بينهما يصبح ترداداً للموقف ذاته ويخسر من ضرورته كلما مضى.
الإنتاج المحدود تراه يعوق بعض التوسّع في أماكن التصوير كما بعض الاختيارات الأخرى. لكن الجناحي يضبط المعالجة البصرية على نحو يعوّض هذا القصور وقد يلغيه من بال المشاهد غير المتمعّن. تلك المعالجة تتضمن التعامل مع القصّة على أساس دراسة الشخصيات من دون التمادي في تحليلها والتداول فيها باستثناء ذلك المشهد الطويل في السيارة الذي تقدّم ذكره٠
في الفيلم حس أوروبي وعين تستطيع التقاط المفردات الصحيحة للتعبير عن منحى الشخصيات. كل الممثلين جيّدون ولو أن بعضهم يمثّل للكاميرا أكثر مما يتوغّل في ذات أخرى. هذا التمثيل للكاميرا قد يكون من تبعات التأثير التلفزيوني وهو يمر سريعاً بمناطق تنميط مع قرار من المخرج بأنهم أقل شأناً من أن يصرف عليهم وقتاً.
الفيلم في مجمله ضربة صائبة في الاتجاه الصحيح. النواحي البصرية كلها فوق المستوى العادي، وتنفيذ المشاهد ذكي، والكاميرا مقتصدة وخالية من حب التأكيد والاستعراض. بعده بعامين أخرج الجناحي فيلماً روائياً ثانياً عنوانه «ظل البحر» مستفيداً من الهالة الإيجابية الجيدة التي أحاطت بفيلمه الأول هذا. لكن «ظل البحر» عاني بدوره من سيناريو كان يجب العودة إليه قبل التصوير لكنه لم يفتقر إلى طموح المخرج في تقديم أفلام مميّزة ضمن القدرات الإنتاجية المحدودة التي لديه.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.