هذا أحد الأفلام التي شهدت البداية الجديدة للأفلام الإماراتية الطويلة. أنجزه المخرج الشاب نواف الجناحي بموضوع بوليسي، لكن مع الرغبة في تجاوز النوع التشويقي وطرح معادلة اجتماعية ودرامية بديلة. وهو أحسن اختيار القصة التي يمكن لها أن تساعده على بلوغ هذا الهدف.
عصابة سرقة ستدخل بيت رجل يعاني من أزمات: لقد خدعه شريكه في العمل واستحوذ على نصيبه. صاحب البيت مريض بالسرطان أيضاً وسيموت عما قريب. لا يستطيع هذا الرجل (عبد المحسن النمر) إخبار زوجته بمحنته، لكن عندما يتعرّف على أحد أفراد العصابة التي سرقته، يتفق معه على سرقة شريكه لكي يوفر لزوجته التي يحب المال قبل رحيله.
في اللقطات الأولى لأفراد العصابة (من بينهم المخرج نواف الجناحي نفسه) وبسبب من الطريقة التي صوّر بها المخرج المشهد داخل السيارة والقائمة على زاوية منخفضة ونقلات بين الشخصيات في لقطات متوسّطة محشورة بين المقاعد وجوانب السيارة، يخلق المخرج توتّراً مقبولاً. سيناريو الجناحي يسعى بعد ذلك حثيثاً للبحث عن نافذة صحيحة لربط الحكايتين (الزوج والعصابة) ويجدها في قرار العصابة سرقة البيت في ليلة غابت فيها الزوجة (شهد مسك) وبقي الزوج وحده يفكر في معضلاته. الاتفاق بين الزوج المنهك ورجل العصابة (علي الجابري) لا يأتي هيناً، بل يؤسسه المخرج جيّداً في فصل من المشاهد داخل المنزل ويصبح مقنعاً بحدود المتوخّى منه والغرض الدرامي الانتقالي له٠
إذ تمضي القصّة لتتحدّث عن مفاجآت محدودة في إطار يميل إلى تأمّل الوقائع والظروف والشخصيات بدل الانجراف في تصعيد الحبكة البسيطة، يتبيّن للمرء أنه في مقابل حسنة المخرج المهمّة على جانب تصميم المشهد وتنفيذه بصرياً، تفلت من اليد خيوط العمل كإيقاع، كما يتعرّض السيناريو لبعض الأزمات في التفاصيل٠
على سبيل المثال، هناك مشهد ثانٍ طويل بين الزوج واللص يتم - هذه المرّة - في سيارة الأول. أهم ما يُقال خلاله كشف الزوج للص عن أنه مصاب بالسرطان، لكن كل الحديث الآخر بينهما يصبح ترداداً للموقف ذاته ويخسر من ضرورته كلما مضى.
الإنتاج المحدود تراه يعوق بعض التوسّع في أماكن التصوير كما بعض الاختيارات الأخرى. لكن الجناحي يضبط المعالجة البصرية على نحو يعوّض هذا القصور وقد يلغيه من بال المشاهد غير المتمعّن. تلك المعالجة تتضمن التعامل مع القصّة على أساس دراسة الشخصيات من دون التمادي في تحليلها والتداول فيها باستثناء ذلك المشهد الطويل في السيارة الذي تقدّم ذكره٠
في الفيلم حس أوروبي وعين تستطيع التقاط المفردات الصحيحة للتعبير عن منحى الشخصيات. كل الممثلين جيّدون ولو أن بعضهم يمثّل للكاميرا أكثر مما يتوغّل في ذات أخرى. هذا التمثيل للكاميرا قد يكون من تبعات التأثير التلفزيوني وهو يمر سريعاً بمناطق تنميط مع قرار من المخرج بأنهم أقل شأناً من أن يصرف عليهم وقتاً.
الفيلم في مجمله ضربة صائبة في الاتجاه الصحيح. النواحي البصرية كلها فوق المستوى العادي، وتنفيذ المشاهد ذكي، والكاميرا مقتصدة وخالية من حب التأكيد والاستعراض. بعده بعامين أخرج الجناحي فيلماً روائياً ثانياً عنوانه «ظل البحر» مستفيداً من الهالة الإيجابية الجيدة التي أحاطت بفيلمه الأول هذا. لكن «ظل البحر» عاني بدوره من سيناريو كان يجب العودة إليه قبل التصوير لكنه لم يفتقر إلى طموح المخرج في تقديم أفلام مميّزة ضمن القدرات الإنتاجية المحدودة التي لديه.
سنوات السينما: الدائرة (2009) بداية جيدة للمخرج الإماراتي نواف الجناحي
سنوات السينما: الدائرة (2009) بداية جيدة للمخرج الإماراتي نواف الجناحي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة