دوريات روسية تضمن «تسويات الجنوب»... وأهالٍ يبحثون عن خدمات

يعيش جنوب سوريا هدوءاً عسكرياً بعدما دخلت مناطقه في «مصالحات» برعاية روسية، أفضت إلى سيطرة النظام على المنطقة، إثر اتفاقيات بين المعارضة وموسكو أواخر شهر يوليو (تموز) من العام الحالي، انتهت بتسليم المعارضة المنطقة للنظام بإشراف روسي.
ودخل اتفاق الجنوب حيز التنفيذ منذ بداية شهر أغسطس (آب) الحالي، ويرى مراقبون أنه يطابق في شروطه كل المناطق التي دخلت ضمن «المصالحات» في سوريا، لكن تطبيقه في الجنوب بات واضحاً أنه «أكثر فاعلية من الجانب الروسي، الذي لم يوفِ بوعوده فعلاً في باقي مناطق المصالحات في سوريا».
إبان المعارك الأخيرة في مناطق الجنوب قبل تسليمها، هرب سكان البلدات والقرى إلى مناطق حدودية أو بعيدة عن خطوط المواجهات حينها. وبعد سيطرة قوات النظام، سمحت الشرطة الروسية للأهالي بالعودة إلى قراهم، ورافقت دوريات منها عودة الأهالي إلى مناطقهم، بعد تحديد أيام لكل بلدة وقرية للعودة، «مع بقاء حواجز وانتشار لقوات النظام ومفرزة للأمن العسكري ضمن البلدة»، التي من المفترض أن تنسحب إلى مقراتها وقطعها العسكرية بحسب «الاتفاق»، ما يثير قلق الأهالي والخوف من ارتكاب قوات النظام لمداهمات واعتقالات بحق المدنيين، كما حصل في قرى اللجاة شمال درعا، حيث اعتقلت قوات النظام هناك ما يزيد على 70 شاباً خلال الأسبوع الأول من عودتهم. وتعتبر اللجاة منطقة متاخمة تماماً لمحافظة السويداء من الجهة الغربية، وقريبة من مطار خلخلة العسكري.
وقال أحد سكان ريف درعا الغربي، الذي رفض الكشف عن اسمه لضرورات أمنية، إن «مناطق الجنوب التي انضمت للمصالحات أخيراً تفتقر للخدمات الأساسية، كحال الكهرباء، التي لا تزال منقطعة منذ بدء الحملة، نتيجة القصف والتدمير الذي تعرضت له المدن والبلدات، وبعض المناطق التي تصل إليها الكهرباء تكون لساعات محدودة لا تتجاوز 4 ساعات خلال 24 ساعة».
أما المياه، فلم تفعل معظم شبكات المياه الواصلة إلى منازل المدنيين، ويعتمد الأهالي على شراء مياه الآبار، حيث يتم نقل المياه من الآبار عبر خزانات كبيرة محملة على سيارات أو جرارات زراعية إلى المنازل. كما أن معظم أفران المناطق التي شهدت معارك مع قوات النظام تعرضت للتدمير، وأصبح سكانها بعد عودتهم يعتمدون على شراء الخبز من مناطق أخرى. ولم يتم إعادة تأهيل أفران هذه المناطق حتى الآن، رغم الوعود بعودة الخدمات وتفعيل مؤسسات الدولة المدنية في المناطق.
إذ يعتمد الأهالي في توفير المؤن الغذائية على المواد المتوفرة لديهم، وباعتبار محافظة درعا من المحافظات الزراعية في سوريا، فإن الخضراوات والفواكه لم تغِب عن الأسواق وأسعارها لم تختلف عن قبل، بينما المواد الغذائية الأساسية كالأرز والسكر والزيت وحليب الأطفال وغيرها تعتمد أسواق المنطقة على البضاعة التي كانت متوفرة في محلات الجملة التي لم تتعرض للسرقة والتعفيش، أو عبر وصول هذه المواد إلى السوق من العاصمة دمشق، ولم تختلف أسعارها عن قبل، فهي لا تزال تباع بضعف سعرها الحقيقي.
أما المسكن، فالعائلات التي لم يدمر منزلها عادت إليه، ومنها ما تعرضت للسرقة و«التعفيش» من أنصار النظام، أما من دُمر منزله، لجأ إلى منازل المغتربين في المنطقة، أو استأجر منزلاً، أو نزح إلى مكان آخر. ومع توفر مواد البناء في المنطقة، ولكن بأسعار باهظة جداً، فلن يقدر على إعادة إعمار منزله أي شخص غير ميسور الحال.
وأوضح أن الوضع الأمني غير مستقر تماماً بسبب انتشار حواجز قوات النظام الكثيف في القرى والبلدات، والخوف من القيام باعتقالات ومداهمات وتفتيش للمنازل، أو سوق الشباب إلى الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، للقتال مع قوات النظام في جبهات الشمال السوري أو البادية، واستفزاز المدنيين على الحواجز لدفع مبالغ مالية، ما يعرقل عودة الاستثمار والأسواق في المناطق وانعدام فرص العمل.
ويقول شخص من ريف درعا الشرقي إن مناطق الريف الشرقي لا تختلف حالها عن مناطق الريف الغربي، واختصر كلامه قائلاً: «كنا أمام خيارات كلها تضحية، فإما أن نضحي بأرضنا وأهلنا ونذهب منها إلى إدلب، أو البقاء ونضحي بأنفسنا لأجل أرضنا وأهلنا»، مضيفاً أن حاله «حال آلاف الشبان في جنوب سوريا، الذين ينتظرون تسوية أوضاعهم، فإما يتم اعتقالهم، أو سوقهم إلى الخدمة العسكرية، أو البدء بحياة مدنية جديدة».
وبالنسبة إلى حرية التنقل في المنطقة، أوضح أحدهم أنه «بعدما حصل على بطاقة تسوية وضعه، تمكن من السفر إلى مدينة درعا المحطة التي غاب عنها مدة 4 سنوات، ولم تخرج عن سيطرة النظام، ولم يتم تعرضه للفيش الأمني على حواجز النظام، عند عرضه لبطاقة التسوية الخاصة به».
وفي سياق آخر، قال أحد عناصر «فصائل التسويات» في درعا، إنه يتم العمل على جعل الفصائل قوات رديفة للجيش السوري، إما بانضمامها لـ«الفيلق الخامس اقتحام» الذي تشرف عليه روسيا، أو الانضمام إلى «الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، أو «قوات الهجانة» حرس الحدود، حيث كل التشكلات السابقة تقوم بنقل العناصر الراغبة في الانضمام، إلى مناطق التدريب في دمشق، لمدة أيام لا تتجاوز 20 يوماً، وسحب البطاقة الشخصية ودفتر خدمة العلم منهم، وإعطائهم بطاقة انضمام إلى التشكيل.
وفضل معظم عناصر الفصائل في درعا الانصياع إلى رغبة قائدهم والبقاء في بلداتهم إثر انتهاء المعارك فيها وسيطرة النظام عليها، كخيار بديل عن التهجير إلى إدلب، والبقاء أيضاً ضمن الفصيل خوفاً من الملاحقة أو الاعتقال، أو السوق الإجباري للخدمة في صفوف الجيش، وحماية المدنيين من تجاوزات عناصر النظام التي انتشرت في المدن والبلدات التي سيطر عليها أخيراً، على حد تعبيره.
وأفاد بأن معظم قادة الفصائل الذين كانوا ينتمون لـ«الجيش الحر» لا يزالون موجودين في المنطقة الجنوبية، وأصحاب نفوذ فيها، وتعمل روسيا على جذبهم للانضمام إلى «الفيلق الخامس اقتحام»، و«الفرقة الرابعة» تسعى إلى انضمامهم أيضاً إلى صفوفها، بتقديم بعض المغريات، كإدارة أمن مناطق درعا، والخدمة الإلزامية ستكون في المنطقة الجنوبية، لكن معظم الفصائل فضلت الانضواء في تشكيلات «الفيلق الخامس» الروسي.
وأشار إلى أن فصائل التسويات في درعا تلقت طلباً روسياً من قاعدة حميميم، لإمكانية مشاركة مقاتلين من فصائل التسويات في المعارك المرتقبة شمال سوريا، وأنه تم إرسال أعداد من «عناصر المصالحات» إلى مدينة ازرع شمال درعا، وانتقلوا منها إلى ريف حماة، وتجاوزت أعدادهم 100 عنصر.
في حين أصدرت عشيرتا الحريري والزعبي كبرى عشائر درعا بيانات استنكار ورفض لمشاركة أبنائها في المعارك مع قوات النظام في شمال سوريا، وحضت أبناءها الذين لا يزالون ينتمون إلى هذه الفصائل في درعا على عدم المشاركة في المعارك المرتقبة شمال سوريا.
ورغم تخلل الاتفاق بخروق من قبل قوات النظام في مناطق متفرقة من الجنوب، فإن روسيا ترى أنه اتفاق «واعد» من وجهة نظرها، باعتبارها الراعي لهذا الاتفاق، إضافة إلى وجود معظم قادة الفصائل التي كانت تنضوي ضمن «الجيش السوري الحر»، وأصبحت فصائل رديفة للقوات الحكومية السورية، تشارك النظام في عملياته بالمنطقة سواء على الحواجز أو الدوريات، ما حد من تكرار خروقات قوات النظام التي دخلت المنطقة أخيراً.
ويعمل الجانب الروسي على نشر دوريات من الشرطة العسكرية الروسية في المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً ضمن الاتفاق، مهمتها مراقبة سير الاتفاق وخروقات الطرفين؛ قوات النظام والقوات التي كانت معارضة، وضبط قوات النظام عن أي تصرفات وأفعال تخل بالاتفاق.
لكن الدوريات التابعة للشرطة العسكرية الروسية «محدودة» بسبب المساحة الواسعة التي سيطر عليها النظام أخيراً جنوب سوريا.
وبحسب شهود عيان، فإن دوريات الشرطة العسكرية الروسية التي تنتشر في مناطق جنوب سوريا، تحاول الحد من خروق قوات النظام، حيث عملت على نشر رقم هاتف لها، لإخبارهم عن أي تجاوزات من الأطراف في المنطقة.
وتسعى روسيا من خلال إرسال التطمينات المستمرة للمنطقة الجنوبية بحسب مصادر مطلعة، إلى كسب «فصائل التسويات» للانضمام تحت رعايتها للقتال مع قوات النظام في المعارك المقبلة، إضافة إلى إعادة فتح المعابر على الحدود السورية - الأردنية، والتوصل إلى تطمينات للاجئين السوريين خصوصاً في الأردن وتشجيعهم على العودة إلى منطقة درعا، بعد سيطرة النظام على المنطقة، وعلى أساس القبول بالأمر الواقع، ورغبة من روسيا في أن يكون جنوب سوريا نموذجاً للدفع بعجلة المصالحات في بقية المناطق الحدودية لسوريا التي لا تزال خارج سيطرة النظام، نصرة لبرنامجها السياسي في أخذ الدور الأميركي في مناطق سوريا وإظهار فاعليتها بشكل أكبر.
وكانت قوات النظام بدأت في 19 يونيو (حزيران) بدعم روسي عملية عسكرية في محافظة درعا، وحققت تقدماً سريعاً على الأرض في مواجهة فصائل معارضة كان يعمل معظمها تحت مظلة النفوذ الأردني - الأميركي.