الانقسام السياسي يطال الأصول الليبية المجمدة في بريطانيا

سلطات طرابلس تطالب برفع القيود عنها... ونواب في الشرق متحفظون

TT

الانقسام السياسي يطال الأصول الليبية المجمدة في بريطانيا

جددت السلطات في غرب ليبيا مطالبتها برفع العقوبات عن الأصول المالية المُجمّدة في بريطانيا منذ إسقاط نظام الرئيس معمر القذافي قبل سبعة أعوام، التي تُقدَّر بـ9.5 مليار إسترليني. وقالت المؤسسة الليبية للاستثمار، التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، إنها «تقدمت بطلب لرفع ثلاث حراسات قضائية عن أصولها المُجمدة في بريطانيا»، فيما اعتبر نواب في برلمان شرق البلاد تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «هذا المطلب صدر من (جهة) غير ذي صفة».
وقالت المؤسسة الليبية في بيان مساء أول من أمس، إنها «تقدمت بالطلب إلى المحكمة التجارية البريطانية لرفع ثلاث حراسات قضائية في إنجلترا عن أصولها، والاعتراف بمجلس إدارة المؤسسة برئاسة الدكتور علي محمود حسن، بموجب تعيينه من مجلس أمناء المؤسسة المُعين من قبل حكومة (الوفاق الوطني)».
ولفتت المؤسسة إلى أن القضاء البريطاني سبق وأمر بفرض حراسات قضائية منذ عام 2015 لتسهيل إدارة كثير من دعاوى المؤسسة أمام المحاكم الإنجليزية، وكان الغرض منها حماية مركز المؤسسة القانوني في ظل الجدل حول هوية الحكومة الشرعية في ليبيا.
وتابعت: «منذ ذلك الحين تم تشكيل حكومة (الوفاق) كسلطة تنفيذية في ليبيا بموجب الاتفاق السياسي والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي كحكومة شرعية لليبيا، وتطبيقاً للقانون رقم 13 لسنة 2010 بشأن المؤسسة جرى تعيين مجلس أمنائها من قبل حكومة الوفاق برئاسة فائز السرّاج، الذي بدوره عيّن مجلس إدارة برئاسة الدكتور علي محمود حسن».
ولفتت إلى أن «أولوية مجلس إدارة المؤسسة حالياً هو ضمان حماية أصولها، وحماية المدخرات الليبية من المقر القانوني للمؤسسة في ليبيا تحت الإشراف الوحيد والفعال لحكومة الوفاق الوطني لأجل تحقيق الازدهار المستقبلي للبلاد»، ومضت تقول إن «طلب إنهاء الحراسات القضائية وإعادة الأصول تحت سلطة مجلس إدارة المؤسسة الشرعي يتماشى مع جهود الأمم المتحدة لحماية ودعم المؤسسات السيادية في ليبيا».
ونوهت المؤسسة بأن «مجلس إدارتها يساوره القلق بشكل متزايد إزاء التكاليف المستمرة غير الضرورية للحراسات القضائية»، وبالتالي فإن «طلب رفع الحراسات القضائية يتمتع بالدعم الكامل من قبل رئيس المجلس الرئاسي فائز السرّاج».
ولم يتبقَّ من إجمالي الأصول الليبية المجمدة في الخارج إلاّ 67 مليار دولار فقط، فضلاً عن أموال أخرى مهربة.
وفي أول رد فعل على طلب المؤسسة الليبية للاستثمار، قال عضو مجلس النواب الدكتور صالح هاشم إسماعيل، إن «هذا الطلب على الرغم من أنه قانوني، إلا أنه صدر من غير ذي صفة». وأضاف إسماعيل في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «كلنا يعرف أن حكومة الوفاق لم تنل الثقة من مجلس النواب في طبرق، وبالتالي فإن قرار تشكيل مجلس أمناء مؤسسة الليبية صدر من غير ذي صفة»، متابعاً: «إلا أن الاعتراف الدولي بهذه الحكومة وعلى رأسه الأمم المتحدة جعلنا مقيدين محلياً».
ولفت إسماعيل، وهو أستاذ قانون في جامعة طبرق، إلى أن «هذه الأموال ملك للشعب الليبي وللأجيال القادمة، مع التأكيد أننا نريد رفع الحجز عنها، ولكن في وقت تكون فيه الدولة غير منقسمة تنفيذياً وسياسياً وتشريعياً».
ودافع مصدر مسؤول في غرب البلاد، عن «شرعية المؤسسة الليبية للاستثمار»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن تابعون لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، ويجب إبعاد المؤسسة عن أي تجاذبات وانقسامات سياسية».
وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن «المؤسسة الليبية تدير أكثر من 550 شركة استثمارية، وجميعها أموال الشعب الليبي، ويجب من الجميع تحكيم العقل بعيداً عن أي حسابات شخصية أو توجهات جهوية». غير أن الدكتور محمد العباني عضو مجلس النواب ذهب إلى ما أشار إليه إسماعيل، وقال إن «المجلس الرئاسي سلطة أمر واقع تعمل خارج رقابة السلطة التشريعية في البلاد المتمثلة في مجلس النواب المنتخب»، لافتاً إلى أن «المجلس وحكومته لم تنل ثقة السلطة التشريعية».
ومضي العباني يقول: «إن ما تصدره تلك السلطة وما يتبعها من مؤسسات، أو ما يخرج عنها من قرارات ليس لها شرعية»، وأن «الاستجابة لما تطالب به يعد نزفاً للمال العام». وكانت السلطات في شرق وغرب البلاد، رفضت في فبراير (شباط) الماضي اعتزام مجلس اللوردات البريطاني الموافقة على إقرار تشريع، يقضي بالاستفادة من أرصدة ليبية مجمدة في لندن لتعويض ضحايا هجمات الجيش الآيرلندي، «استخدمت فيها أسلحة ليبية» خلال فترة حكم العقيد معمر القذافي، وطالبوا المسؤولين في البلاد بـ«استرداد تلك الأموال قبل ضياعها»، وسط اتهام للنظام السابق بـ«تبديد ثروات البلاد في صناعة الأزمات».
ودعا أعضاء في مجلس النواب الليبي، في أعقاب تلك الأزمة إلى سنِّ قانون يسمح بتعويض المواطنين، الذين «تضرروا» من بريطانيا، أعمالاً لمبدأ «المعاملة بالمثل»، وأيضاً ردّاً على مشروع القانون المعروض أمام مجلس العموم البريطاني المتعلق بتجميد الأصول الليبية لتعويض ضحايا هجمات الجيش الآيرلندي.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.